الموسوعة العقدية

الْمَطْلَبُ الثَّالِثُ: فتنةُ الْمَسيحِ الدَّجَّالِ

فِتْنَتُه هيَ أعظَمُ الفِتَنِ في تاريخِ البَشريَّةِ قاطِبةً.
عَن رَهطٍ منهم أبو الدَّهماءِ وأبو قَتادةَ قالوا: كُنَّا نَمُرُّ على هِشامِ بن عامِرٍ نَأتي عِمرانَ بنَ حُصَينٍ، فقال ذاتَ يَومٍ: إنَّكم لتُجاوِزُوني إلى رِجالٍ ما كانوا بأحضَرَ لرَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِنِّي، ولا أعلَمَ بحَديثِه مِنِّي، سَمِعتُ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((ما بينَ خَلقِ آدَم إلى قيامِ السَّاعةِ خَلقٌ أكبَرُ مِنَ الدَّجَّالِ )) [2445] أخرجه مسلم (2946). ، وفي رِوايةٍ: ((أمرٌ أكبَرُ مِنَ الدَّجَّالِ)) [2446] أخرجها مسلم (2946). .
قال النَّوَويُّ: (قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ما بينَ خَلقِ آدَمَ إلى قيامِ السَّاعةِ خَلقٌ أكبَرُ مِنَ الدَّجَّالِ ))، الْمُرادُ: أكبَرُ فتنةً وأعظَمُ شَوكةً) [2447] يُنظر: ((شرح مسلم)) (18/ 86). .
وعَن عَبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عَنهما قال: قامَ رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في النَّاسِ فأثنى على اللهِ بما هو أهلُه، ثُمَّ ذَكرَ الدَّجَّالَ فقال: ((إنِّي لأُنذِرُكُموه، وما من نَبيٍّ إلَّا أنذَرُه قَومَه، لَقَد أنذَرَ نوحٌ قَومَه، ولَكِنِّي أقولُ لَكم فيه قَولًا لَم يَقُلْه نَبيٌّ لقَومِه، تَعلَمونَ أنَّه أعوَرُ، وأنَّ اللهَ لَيسَ بأعوَرَ )) [2448] أخرجه البخاري (3337). .
قال أبو العَبَّاس القُرطُبيُّ: (قَولُه: ((إنِّي لأُنذِرُكم الدَّجَّالَ، وما من نَبيٍّ إلَّا وقَد أنذَرَه قَومَه، لَقَد أنذَرَه نوحٌ قَومَه)) إنَّما كان هذا مِنَ الأنبياءِ لِمَا عَلِموا من عَظيمِ فِتنَتِه، وشِدَّةِ مِحْنَتِه، على ما يَأتي تَفصيلُها في الأحاديثِ الْمَذكورةِ بَعدُ، ولِأنَّهم لَمَّا لَم يُعَيَّنْ لواحِدٍ مِنهم زَمانُ خُروجِه، تَوَقَّعَ كُلُّ واحِدٍ مِنهم خُروجَه في زَمانِ أمَّتِه، فبالَغَ في التَّحذيرِ. وفائِدةُ هذا الإنذارِ الإيمانُ بوُجودِه والعَزمُ على مُعاداتِه ومُخالَفَتِه، وإظهارُ تَكذيبِه، وصِدْقُ الِالتِجاءِ إلى الله تعالى في التَّعَوُّذِ من فتنَتِه. وهذا مَذهَبُ أهلِ السُّنةِ، وعامَّةِ أهلِ الفِقهِ والحَديثِ) [2449] يُنظر: ((المفهم)) (7/ 267). .
وقال الكرمانيُّ: (قَولُه: ((لَقَد أنذَرَ نوحٌ قَومَه)) فإنْ قُلْتَ: ما وجهُ التَّخصيصِ، وقَد عَمَّمَ أوَّلًا؛ حَيثُ قال: ((ما من نَبيٍّ إلَّا أنذَرَ به قَومَه))؟ قُلتُ: إمَّا لأنَّه هو أوَّلُ من أنذَرَ وهَدَّدَ قَومَه بخِلافِ مَن سَبَقَ عليه؛ فإنَّهم كانوا في الإرشادِ مِثلَ تَربيةِ الآباءِ للأولادِ، وإمَّا لأنَّه أوَّلُ الرُّسُلِ الْمُشَرِّعينَ شَرَعْ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا أو لأنَّه أبو البَشَرِ الثَّاني، وذَرِّيَّتُه همُ الباقونُ في الدُّنيا لا غَيرُهم) [2450] يُنظر: ((الكواكب الدراري)) (13/ 232). .
وقد كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَتَعَوَّذُ من فتنةِ الْمَسيحِ الدَّجَّالِ ويأمر بالتعوذ منها.

انظر أيضا: