موسوعة الأخلاق والسلوك

عاشرًا: أخطاءٌ شائعةٌ حولَ التَّثَبُّتِ


1- الاعتقادُ بأنَّ التَّثَبُّتَ يعني المبالغةَ في السُّؤالِ والتَّضييقَ على النَّفسِ، وقد ينقَلِبُ تعنُّتًا ولَجاجًا ومُكابرةً؛ فالقرآنُ يكرَهُ للإنسانِ ذلك؛ ولذلك قَصَّ علينا ما كان من أمرِ اليهودِ حينَ أمَرَهم اللهُ في مناسبةٍ من المناسَباتِ أن يذبَحوا بَقَرةً.
قال تعالى: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ * قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ [البقرة: 67 - 71] .
(ولو أنَّهم تناولوا أيَّ بَقَرةٍ وذبحوها لكفَتْهم، ولكِنَّهم تعَنَّتوا، فأخذوا يسألون عن صِفتِها وعن لونِها وعن عُمُرِها، وكُلَّما تعَنَّتوا شَدَّدوا على أنفُسِهم، وضَيَّقوا أمامَهم المجالَ، وكأنَّ القرآنَ يريدُ أن نعتَبِرَ بهذا الدَّرسِ) [1632] ((أخلاق القرآن)) للشرباصي (3/23). .
2- الاعتقادُ برَدِّ خَبَرِ الفاسِقِ وتكذيبِه مُطلَقًا، وهذا خَطَأٌ:
قال ابنُ القَيِّمِ: (وهاهنا فائدةٌ لطيفةٌ، وهي أنَّه سُبحانَه لم يأمُرْ برَدِّ خَبَرِ الفاسقِ وتكذيبِه وشهادتِه جُملةً، وإنَّما أمَر بالتَّبَيُّنِ؛ فإن قامت قرائِنُ وأدِلَّةٌ من خارجٍ تدُلُّ على صِدقِه عُمِل بدليلِ الصِّدقِ، ولو أخبَرَ به من أخبَرَ، فهكذا ينبغي الاعتمادُ في روايةِ الفاسِقِ وشهادتِه. وكثيرٌ من الفاسِقين يَصدُقون في أخبارِهم ورواياتِهم وشهاداتِهم، بل كثيرٌ منهم يتحرَّى الصِّدقَ غايةَ التَّحرِّي، وفِسقُه من جهاتٍ أُخَرَ؛ فمِثلُ هذا لا يُرَدُّ خَبَرُه ولا شهادتُه، ولو رُدَّت شهادةُ مثلِ هذا وروايتُه لتعطَّلَت أكثرُ الحُقوقِ، وبطَل كثيرٌ من الأخبارِ الصَّحيحةِ، ولا سيَّما مَن فِسقُه من جِهةِ الكَذِبِ، فإنْ كَثُر منه وتكَرَّر، بحيث يغلِبُ كَذِبُه على صِدقِه، فهذا لا يُقبَلُ خبَرُه ولا شهادتُه، وإن ندَرَ منه مرَّةً أو مرَّتينِ ففي رَدِّ شهادتِه وخبرِه بذلك قولانِ للعُلَماءِ، وهما روايتانِ عن الإمامِ أحمدَ رحمه اللَّهُ) [1633] ((مدارج السالكين)) (1/ 368). .
3- الاعتقادُ بأنَّ التَّثَبُّتَ ينتهي بالوقوفِ على الحقيقةِ والتَّأكُّدِ منها فقط، وهذا خطَأٌ؛ فإنَّ تمامَ التَّثَبُّتِ يكونُ بمعرفةِ مُلابساتِ ما حَصَل، وفَهْمِ دوافِعِه، وسؤالِ صاحِبِه، والجَزمِ بمَقصَدِه.
قال ابنُ القَيِّمِ: (والكَلِمةُ الواحِدةُ يقولُها اثنانِ، يريدُ بها أحدُهما أعظَمَ الباطِلِ، ويريدُ بها الآخَرُ محضَ الحَقِّ، والاعتبارُ بطريقةِ القائِلِ وسيرتِه ومَذهَبِه، وما يدعو إليه ويناظِرُ عليه) [1634] ((مدارج السالكين)) (3/481). .

انظر أيضا: