موسوعة الفرق

المَبحَثُ الثَّامنُ: الحَلَّاجُ والتَّشَيُّعُ


قال الدُّكتورُ كامِل الشِّيبيُّ: (لم يَكُنْ أمرُ الصِّلةِ بَينَ الحَلَّاجِ والتَّشَيُّعِ مَقصورًا على التَّداخُلِ بَينَ كَلامِه وكَلامِ الأئِمَّةِ، وإنَّما كان مُطلَقًا على مَذاهبِ التَّشَيُّعِ كُلِّها، وقدِ استَخدَمَها كُلَّها في بناءِ مَذهَبِه الحُلوليِّ الجَديدِ الذي يُشيرُ إلى ظُهورِ حَرَكةِ غُلوٍّ جَديدةٍ في مَطلعِ القَرنِ الرَّابعِ الهجريِّ. والحَلَّاجُ هو القائِلُ: "ما تَمَذهَبتُ بمَذهَبِ أحَدٍ منَ الأئِمَّةِ جُملةً، وإنَّما أخَذتُ من كُلِّ مَذهَبٍ أصعبَه وأشَدَّه، وأنا الآنَ على ذلك" وستَجِدُ.. أنَّ الحَلَّاجَ كان صورةً من أبي الخَطَّابِ الزَّعيمِ الغالي الذي قُتِل في الكوفةِ سَنةَ 138ه، وأمَّا عَلاقَتُه بالاثنَي عَشريَّةِ فتَنعَكِسُ ممَّا رَواه الطُّوسيُّ من أنَّ الحَلَّاجَ صارَ إلى قُمَّ البَلَدِ الشِّيعيِّ القديمِ، وكانت قَرابةُ أبي الحَسَنِ النُّوبختيِّ الشِّيعيِّ تَستَدعيه، ويَستَدعي أبا الحَسَنِ أيضًا ويَقولُ: "أنا رَسولُ الإمامِ ووكيلُه") [182] ((الصلة بين التصوف والتشيع)) (ص: 368). .
وقال أيضًا: (كانت إحدى التُّهَمِ التي قُتِل الحَلَّاجُ من أجلِها تَتَضَمَّنُ إنكارَ الحَلَّاجِ للحَجِّ إلى مَكَّةَ بالذَّاتِ، ودَعَوتَه إلى الحَجِّ القائِمِ على النِّيَّةِ الخالصةِ والتَّوجُّهِ القَلبيِّ. وكان من أهَمِّ ما أخِذَ على الحَلَّاجِ أنَّه يَقولُ ببَديلٍ للحَجِّ يُمكِنُ إتمامُه في بَيتِ المُسلمِ دونَ حاجةٍ إلى تَجَشُّمِ مَصاعِبِ السَّفرِ والطَّوافِ حَولَ الكَعبةِ. وقد تَطَرَّقَ القاضي التَّنوخيُّ إلى ذلك، فذَكَرَ أنَّ "هذا شَيءٌ مَعروفٌ عِندَ الحَلَّاجيَّةِ، وقدِ اعتَرَف لي به رَجُلٌ منهم يُقالُ: إنَّه عالمٌ لهم". وقد بَرَّرَ هذا العالمُ ذلك بأنَّ هذا رَواه الحَلَّاجُ عن أهلِ البَيتِ صَلَواتُ اللهِ عليهم) [183] ((الصلة بين التصوف والتشيع)) (ص: 396). .
وقد ذَكَرَ القاضي التَّنوخيُّ أنَّ الحَلَّاجَ أرسَل إلى بَعضِ دُعاتِه يَقولُ: (وقد آنَ الآنَ أذانُك للدَّولةِ الغَرَّاءِ الفاطِميَّةِ الزَّهراءِ المَحفوفةِ بأهلِ الأرضِ والسَّماءِ، وأذِنَ للفِئةِ الظَّاهرةِ وقوَّةِ ضَعفِها في الخُروجِ إلى خُراسانَ؛ ليَكشِفَ الحَقُّ قِناعَه، ويَبسُطَ العَدلُ باعَه) [184] ((نشوار المحاضرة)) (ص: 86). .
وقال الدُّكتورُ الشِّيبيُّ: (يَذكُرُ الخَطيبُ البَغداديُّ وابنُ كَثيرٍ أنَّ أهلَ فارِسَ كانوا يُكاتِبونَ الحَلَّاجَ بأبي عَبدِ اللهِ الزَّاهدِ.. هذه الكُنيةُ أُطلِقَت على الدَّاعيةِ الإسماعيليِّ المَشهورِ أبي عَبدِ اللهِ الشِّيعيِّ الذي ساعَدَ على قيامِ دَولةِ العُبَيديِّين قَبل تَحَوُّلِها إلى مِصرَ. فكأنَّ الإسماعيليِّينَ كانوا يَعتَمِدونَ على داعيَتَينِ يَحمِلانِ كُنيةً واحِدةً؛ أحَدُهما بالمُشرِقِ، وهو الحَلَّاجُ، والآخَرُ بالمَغرِبِ، وهو أبو عَبدِ اللهِ الشِّيعيُّ الذي يَروي الإسماعيليَّةُ أنفُسُهم سَبقَ صوفيَّتِه على إسماعيليَّتِه) [185] ((الصلة بين التصوف والتشيع)) (ص: 73). .
وقد ذَكَرَ ابنُ العِمادِ الحَنبليُّ أنَّ الحَلَّاجَ رَحَل إلى بَغدادَ سَنةَ 301ه (مَشهورًا على جَمَلٍ، وعُلِّقَ مَصلوبًا ونوديَ عليه: هذا أحَدُ القَرامِطةِ فاعرِفوه) [186] ((شذرات الذهب)) (4/5). .
وعلى الرَّغمِ من أنَّ الحَلَّاجَ قُتِل سَنةَ 309هـ فإنَّ الدَّعوةَ الفاطِميَّةَ قدِ استَفحَل خَطَرُها وشَرُّها؛ فقدِ استَطاعَ أبو طاهِرٍ الجَنَّابيُّ القِرْمِطيُّ الإسماعيليُّ حَليفُ الدَّولةِ الفاطِميَّةِ والدَّاعي إليها أن يَدخُلَ البَصرةَ سَنةَ 311هـ، والكوفةَ بَعدَ ذلك بعامَينِ. وكَذلك استَطاعَ القَرامِطةُ دُخولَ مَكَّةَ بَعدَ مَقتَلِ الحَلَّاجِ بتِسعِ سَنَواتٍ فقَط، وقَتْلَ المُسلمينَ حَولَ الكَعبةِ، وانتِزاعَ الحَجَرِ الأسودِ، وكانوا بقيادةِ أبي سَعيدٍ القِرْمِطيِّ، وكان أبو سَعيدٍ هذا زَميلًا للحَلَّاجِ الحُسَينِ بنِ مَنصورٍ على ما قيلَ [187] ((تذكرة الأولياء)) (2/ 109). .
ولذلك قال ابنُ النَّديمِ: إنَّ الحَلَّاجَ كان يُظهِرُ مَذاهِبَ الشِّيعةِ للمُلوكِ، ومَذاهِبَ الصُّوفيَّةِ للعامَّةِ، ويَدَّعي أنَّ الألوهيَّةَ قد حَلَّت فيه [188] يُنظر: ((الفهرست)) (ص: 269). .

انظر أيضا: