الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الرَّابعُ: ما يجِبُ للعامِلِ في المُزارَعةِ إذا فسَدَت


اختلَف العُلَماءُ في حُكمِ المُزارَعةِ إذا فسَدَت بَعدَ أن عَمِل فيها العامِلُ [365] أمَّا إذا فسَدت قبلَ أن يَشرَعَ في العَمَلِ فلا شيءَ للعامِلِ. ينظر: ((الشرح الكبير)) للدردير (3/ 376). ، هل يجِبُ للعامِلِ أجرةُ المِثلِ أو نَصيبُ الِمثلِ [366] لمعرفةِ الفَرْقِ بين أُجرةِ المِثْلِ ونَصيبِ المِثْلِ، يُنظَر: هامِشُ مسألةِ: ما يجِبُ للعامِلِ في المساقاةِ إذا فسَدَت ؟ على قولَينِ:
القولُ الأوَّلُ: إذا فسَدَت المُزارَعةُ بَعدَ أن عمِل فيها العامِلُ، فللعامِلِ أجرةُ المِثلِ، وهذا مَذهَبُ الحنابِلةِ [367] عندَ الحنابِلةِ: يكونُ الزَّرعُ لصاحِبِ البُذورِ. ينظر: ((الإقناع)) للحجاوي (2/ 282) ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/ 544). ، وقولُ أبي يوسُفَ ومُحمَّدِ بنِ الحَسنِ مِن الحنفيَّةِ [368] عندَ الحنفيَّةِ: يوجُدُ تفصيلٌ: إن كان البذورُ لصاحِبِ الأرضِ، فالزَّرعُ لصاحِبِ الأرضِ، وللعامِلِ أجرةُ المِثْلِ، وإن كان البذورُ للعاملِ، فالزَّرعُ للعامِلِ، ولصاحِبِ الأرضِ أجرُ مِثلِ أرضِه. ينظر: ((مختصر اختلاف العلماء)) (4/ 13)، ((شرح مختصر الطحاوي)) للجصاص (3/ 436). ، وذلك قياسًا على الإجارةِ الفاسِدةِ؛ فإنَّه يجِبُ فيها أجرةُ المِثلِ [369] يُنظر: ((الهداية)) للمرغيناني (4/ 60). .
القولُ الثَّاني: إذا فسَدَت المُزارَعةُ بَعدَ أن عَمِل فيها العامِلُ فللعامِلِ نَصيبٌ مِثلُه، وهو اختِيارُ ابنِ تيميَّةَ [370] قال ابنُ تيميَّةَ: (أمَّا جمهورُ السَّلَفِ وفقهاءُ الأمصارِ فقالوا: هذا من بابِ المُشاركةِ لا من بابِ الإجارةِ التي يُقصَدُ فيها العَمَلُ؛ فإنَّ مقصودَ كُلٍّ منهما ما يحصُلُ من الثَّمَرِ والزَّرعِ، وهما متشارِكان: هذا ببَدَنِه، وهذا بمالِه، كالمضاربةِ؛ ولهذا كان الصَّحيحُ من قولَيِ العُلَماءِ: أنَّ هذه المشاركاتِ إذا فسدت وجب نصيبُ المِثْلِ لا أجرةُ المِثلِ، فيَجِبُ من الرِّبحِ أو النَّماءِ إمَّا ثُلُثُه وإمَّا نصفُه، كما جرت العادةُ في مِثلِ ذلك، ولا يجِبُ أجرةٌ مُقَدَّرةٌ) ((مجموع الفتاوى)) (28/84). وقال: (فإنَّ الفُقَهاءَ مُتنازِعون فيما فسَد من المشاركةِ والمضاربةِ والمُساقاةِ والمزارعةِ إذا عَمِل فيها العامِلُ: هل يستحِقُّ أجرةَ المِثْلِ، أو يستَحِقُّ قِسطَ مِثلِه من الرِّبحِ؟ على قولينِ: أظهَرُهما الثَّاني) ((مجموع الفتاوى)) (30/85). ، وابنِ القيِّمِ [371] قال ابنُ القَيِّمِ: (ظَنَّ طائفةٌ من النَّاسِ أنَّ هذه المُشارَكاتِ من بابِ الإجارةِ بعِوَضٍ مجهولٍ، فقالوا: القياسُ يقتضي تحريمَها. ثمَّ منهم من حرَّم المساقاةَ والمزارعةَ وأباح المضاربةَ، استحسانًا للحاجةِ؛ لأنَّ الدَّراهِمَ لا تُؤجَّرُ، كما يقولُ أبو حنيفةَ. ومنهم من أباح المساقاةَ؛ إمَّا مُطلقًا، كقولِ مالكٍ والشَّافعيِّ في القديمِ، أو على النَّخلِ والعِنَبِ خاصَّةً، كالجديدِ له، ... وأمَّا جمهورُ السَّلَفِ والفُقَهاءِ، فقالوا: ليس ذلك من بابِ الإجارةِ في شيءٍ، بل هو من بابِ المشاركاتِ التي مقصودُ كُلٍّ منهما مثلُ مقصودِ صاحِبِه، بخلافِ الإجارةِ؛ فإنَّ هذا مقصودُه العمَلُ، وهذا مقصودُه الأجرةُ؛ ولهذا كان الصَّحيحُ أنَّ هذه المُشاركاتِ إذا فسَدَت وَجَب فيها نصيبُ المِثْلِ لا أجرةُ المِثْلِ، فيَجِبُ من الرِّبحِ والنَّماءِ في فاسدِها نظيرُ ما يجبُ في صحيحِها، لا أجرةٌ مُقَدَّرةٌ) ((الطرق الحكمية)) (ص: 211). ، وابنِ عُثَيمينَ [372] قال ابنُ عثيمين: (ما ذَكَره المؤلِّفُ رحمه اللهُ، وهو أنَّ العامِلَ يَستَحِقُّ أجرةَ المِثْلِ، فيه نظَرٌ، والصوابُ أنَّه يَستحقُّ قِسطَه من سَهمِ المِثلِ أو قِسطَه من السَّهمِ الذي جُعِل له، وهذا أقرَبُ، ويتبيَّنُ الفرقُ فيما لو كان إذا قُدِّر له أجرةُ المِثلِ فاستوعب مالًا كثيرًا أكثَرَ من سهمِه الذي كان له في الأوَّلِ، وإن كانت الأجرةُ رخيصةً نَقَص حقُّه كثيرًا، فإذا قُلْنا: إنَّ له قِسطَه من السَّهمِ الذي جُعِل له كان هذا أقرَبَ إلى العَدلِ، فيقالُ مثلًا: هو أُعطيَ نِصفَ الثَّمَرةِ إذا أكمَلَ العامَ، والآن قَطَع نِصفَ الشَّوطِ فيُعطى رُبعَ الثَّمَرةِ أي: نِصفَ نَصيبِه)  ((التعليق على الكافي)) (6/156). .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: قياسًا على البَيعِ الفاسِدِ إذا فات يجِبُ فيه ثَمنُ المِثلِ، فكذلك يجِبُ في المُزارَعةِ الفاسِدةِ نَصيبُ المِثلِ [373] ينظر: ((الطرق الحكمية)) لابن القيم (ص: 211). .
ثانيًا: لأنَّ العَقدَ وقَع على المُشارَكةِ، فيجِبُ أن يُعطى العامِلُ مِثلَ نَصيبِ مَن شارَك [374] ينظر: ((التعليق على الكافي)) لابن عثيمين (6/175). .

انظر أيضا: