الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الثَّالثُ: اشتِراطُ العَملِ على المالِكِ فيما يلزَمُ العامِلَ


اختلَف العُلَماءُ في حُكمِ اشتِراطِ العَملِ على المالِكِ فيما يلزَمُ العامِلَ على قولَينِ:
القولُ الأوَّلُ: لا يجوزُ اشتِراطُ العَملِ على المالِكِ فيما يلزَمُ العامِلَ [119] استثنى المالِكيَّةُ جَذاذَ الثَّمَرِ وعَصرَ الزَّيتونِ، فقالوا: يجوزُ اشتراطُه على المالِكِ. وأجاز الحنابِلةُ اشتراطَ جَذاذِ الثَّمَرِ على المالِكِ. ، نصَّ عليه المالِكيَّةُ [120] ((مختصر خليل)) (ص: 201) ((الشرح الكبير)) للدردير (3/ 546)، وينظر: ((الاستذكار)) لابن عبد البر (7/49) ((بداية المجتهد)) لابن رشد (4/31). ، والحنابِلةُ [121] ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (4/398) ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/ 540). ، وقولُ أبي يوسُفَ ومُحمَّدِ بنِ الحَسنِ مِن الحنفيَّةِ [122] ((شرح مختصر الطحاوي)) للجصاص (3/ 381) ((حاشية ابن عابدين)) 6/ 292) ((الفتاوى الهندية)) (5/ 277). .
الأدلَّةُ:
أوَّلًا: مِن السُّنَّةِ
عن عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ رضِي اللهُ عنهما، قال: ((أعطى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خَيبرَ اليَهودَ أن يعمَلوها ويزرَعوها، ولهم شَطرُ ما يخرُجُ منها)) [123] أخرجه البخاري (2499) واللفظ له، ومسلم (1551). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ اشتِراطَ العامِلِ العَملَ على المالِكِ، هو خِلافُ ما جاء في الحديثِ [124] يُنظر: ((الشرح الكبير)) للدردير (3/ 546). .
ثانيًا: لأنَّه شَرطٌ يُخالِفُ مُقتضى العَقدِ؛ كالمُضارَبةِ إذا شُرِط العَملُ فيها على ربِّ المالِ [125] يُنظر: ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/ 541) .
القولُ الثَّاني: يجوزُ اشتِراطُ العَملِ على المالِكِ فيما يلزَمُ العامِلَ، وهو قولٌ مُخرَّجٌ للحنابِلةِ [126] ((المغني)) لابن قُدامةَ (5/ 298) ((التعليق على الكافي)) لابن عثيمين (6/169). ، اختاره ابنُ عُثَيمينَ [127] قال ابنُ قُدامةَ: (فإن شُرِط على أحدِهما ما يلزَمُ الآخَرَ فقد نصَّ أحمدُ رَضِيَ اللهُ عنه على أنَّ الجَذاذَ عليهما، ويَصِحُّ شَرطُه على العامِلِ، فيتخَرَّجُ في سائِرِ العمَلِ مِثلُ ذلك قياسًا عليه) وعلَّق عليه ابنُ عُثَيمين بقولِه: (التخريجُ الذي ذكَرَ المؤلِّفُ -رحمه اللهُ- صحيحٌ، وهو أنَّه إذا شَرَط أحدُهما على الآخَرِ ما يلزَمُه، أي: ما يلزَمُ الشَّارِطَ، فلا بأسَ؛ لأنَّ هذا حَقٌّ لهما، فإذا التزم أحدُهما بالقيامِ به عن الآخَرِ، فأيُّ مانعٍ في هذا؟! وبناءً على هذا نقولُ: لو قيل: إنَّه يُرجَعُ في هذا إلى العُرفِ، والأعرافُ تختَلِفُ في كُلِّ زمانٍ ومكانٍ فإذا جعَلْنا الشَّرطَ العُرفيَّ كالشَّرطِ اللَّفظيِّ كما هي القاعِدةُ، والشَّرطُ العُرفيُّ: هو أن يكونَ العُرفُ مُطَّرِدًا فيكونَ كالمشروطِ تمامًا؛ لأنَّ العقدَ المُطلَقَ ينصَرِفُ إلى المعهودِ عند العامَّةِ، وهو العُرفُ المطَّرِدُ عِندَهم. وخلاصةُ هذا الفصلِ أن يقالَ: القاعدةُ على المذهَبِ أنَّ ما يُحفَظُ به الأصلُ فهو على رَبِّ المالِ، وما يُحَفُظ به الثَّمَرةُ فهو على العامِلِ، وإنْ شَرَط أحدُهما على الآخَرِ ما يلزَمُه فهل تَصِحُّ المساقاةُ؟ الجوابُ: ذهب القاضي إلى أنَّها تَفسُدُ، والصَّحيحُ أنَّها لا تَفسُدُ، وأنَّ المرجِعَ في ذلك إلى العُرفِ) ((التعليق على الكافي)) لابن عثيمين (6/169). .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّه شَرطٌ لا يُخِلُّ بمصلحةِ العَقدِ، ولا مَفسَدةَ فيه، فصحَّ، كتأجيلِ الثَّمنِ في المبيعِ [128] يُنظر: ((المغني)) لابن قُدامةَ (5/ 298). .
ثانيًا: لأنَّ هذا حقٌّ لهما، فإذا تراضَيا بذلك فلا مانِعَ [129] يُنظر: ((التعليق على الكافي)) لابن عثيمين (6/169). .

انظر أيضا: