الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الرَّابِعُ: الشُّفْعةُ فيما يُملَكُ بغَيْرِ عِوَضٍ كـ (الهِبةِ والوَصِيَّةِ والصَّدَقةِ)


اخْتَلَفَ العُلَماءُ في حُكْمِ الشُّفْعةِ فيما يُملَكُ بغَيْرِ عِوَضٍ كـ (الهِبةِ والوَصِيَّةِ والصَّدَقةِ) على قَوْلَينِ:
القَوْلُ الأوَّلُ: لا تَثبُتُ الشُّفْعةُ فيما يُملَكُ بغَيْرِ عِوَضٍ كـ (الهِبةِ والوَصيَّةِ والصَّدَقةِ)، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأرْبَعةِ: الحَنَفِيَّةِ [206] ((تبين الحقائق)) للزيلعي (5/239). ويُنظَرُ: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/10، 11). ، والمالِكِيَّةِ [207] ((مواهب الجليل)) للحطاب (7/373)، ((منح الجليل)) لعليش (7/193). ويُنظَرُ: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (6/164). ، والشَّافِعِيَّةِ [208] ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (6/59، 60)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (5/200). ، والحَنابِلةِ [209] ((المبدع)) لبرهان الدِّين ابن مفلح (5/135)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (4/137). ، وذلك لأنَّه ليس له عِوَضٌ يُمكِنُ الأخْذُ به، فالأخْذُ بالشُّفْعةِ يُملَكُ على المَأخوذِ مِنه بمِثلِ ما مَلَكَ هو، فإذا انْعَدَمَ مَعْنى المُعاوَضةِ لم يُمكِنْ أخْذُه بمِثلِ ثَمَنِه؛ لأنَّه أُخِذَ مَجَّانًا [210] يُنظَرُ: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/10، 11)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (4/137). .
القَوْلُ الثَّاني: تَثبُتُ الشُّفْعةُ فيما يُملَكُ بغَيْرِ عِوَضٍ كـ (الهِبةِ والوَصيَّةِ والصَّدَقةِ)، وهو رِوايةٌ عن مالِكٍ [211] ((المعونة على مَذهَب عالم المدينة)) للقاضي عبد الوهاب (1271)، ((الجامع لمسائل المدونة)) لابن يونس (20/187). ، وقَوْلُ ابنِ أبي لَيْلى [212] ((المغني)) لابن قُدامةَ (5/234). ، وهو اخْتِيارُ ابنِ عُثَيْمينَ [213] قالَ ابنُ عُثَيْمينَ: (إذا انْتَقَلَ الشِّقْصُ بغَيْرِ عِوَضٍ بأن أَوْصى به لفُلانٍ فماتَ فانْتَقَلَ بالوَصيَّةِ إلى فُلانٍ، فالحُكْمُ فيه كالحُكْمِ في الهِبةِ، فالمَذهَبُ ليس فيه شُفْعةٌ، والصَّحيحُ أنَّ فيه شُفْعةً). ((التعليق على الكافي)) (6/503). وقالَ: (الَّذي نَرى أنَّه كلَّما خَرَجَ الشِّقْصُ بالاخْتِيارِ فإنَّ للشَّريكِ أن يَأخُذَ بالشُّفْعةِ، سواءٌ كانَ العِوَضُ مالِيًّا أو غَيْرَ ماليٍّ، فإن كانَ العِوَضُ مالِيًّا فواضِحٌ أنَّه يَأخُذُه بعِوَضِه، وإن كانَ غَيْرَ ماليٍّ قُدِّرَ بقيمتِه في السُّوقِ). ((الشرح الممتع)) (10/233). .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّ الشُّفْعةَ ثَبتَتْ لإزالةِ ضَرَرِ الشَّرِكةِ، وهذا مَوْجودٌ في الشَّرِكةِ كيفما كانَ، والضَّرَرُ اللَّاحِقُ بالموصَى له أو المَوْهوبِ أو المُتَصَدَّقِ عليه دونَ ضَرَرِ المُشْتَري؛ لأنَّ إقْدامَ المُشْتَري على شِراءِ الشِّقْصِ وبَذْلَ مالِه فيه: دَليلُ حاجتِه إليه، فانْتِزاعُه مِنه أَعظَمُ ضَرَرًا مِن أخْذِه ممَّن لم يوجَدْ مِنه دَليلُ الحاجةِ إليه [214] يُنظَرُ: ((المغني)) لابن قُدامةَ (5/234). .
ثانِيًا: لأنَّه مَلَكَه باخْتِيارِه، فوَجَبَ تَعلَّقُ الشُّفْعةِ به كالبَيْعِ [215] ((الإشراف على نكت مسائل الخلاف)) للقاضي عبد الوهاب (2/636). .

انظر أيضا: