الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الثَّاني: اشْتِراطُ كَوْنِ الدَّيْنِ المُحالِ به بالمُحالِ عليه مُتَماثِلًا في الصِّفةِ


اخْتَلَفَ العُلَماءُ في اشْتِراطِ كَوْنِ الدَّيْنِ المُحالِ به بالمُحالِ عليه مُتَماثِلًا في الصِّفةِ [130] كأنْ يكونَ الدَّيْنُ المُحالُ به والمُحالُ عليه مُتَماثِلًا في الجَوْدةِ والرَّداءةِ. ، على قَوْلَينِ:
القَوْلُ الأوَّلُ: يُشتَرَطُ كَوْنُ الدَّيْنِ المُحالِ به بالمُحالِ عليه مُتَماثِلًا في الصِّفةِ، وهو مَذهَبُ الجُمْهورِ: المالِكِيَّةِ [131] ((مواهب الجليل)) للحطاب (7/25)، ((منح الجليل)) لعليش (6/188). ، والشَّافِعِيَّةِ [132] ((روضة الطالبين)) للنووي (4/231)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (5/230، 231، 232)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (4/425، 426). ، والحَنابِلةِ [133] ((المبدع)) لبرهان الدِّين ابن مفلح (4/156)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/385). ، وحُكِيَ فيه الإجْماعُ [134] قالَ ابنُ رُشْدٍ الحَفيدُ: (مِن الشُّروطِ الَّتي اتُّفِقَ عليها في الجُمْلةِ كَوْنُ ما على المُحالِ عليه مُجانِسًا لِما على المُحيلِ قَدْرًا ووَصْفًا). ((بداية المجتهد)) (2/299). .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّها تَحْويلٌ للحَقِّ ونَقْلٌ له، فيُنقَلُ على صِفتِه [135] ((المغني)) لابن قُدامةَ (4/390). .
ثانِيًا: لأنَّه إذا اخْتَلَفا في الصِّفةِ كانَ بَيْعًا ولم يكنْ حَوالةً، فخَرَجَ مِن بابِ الرُّخْصةِ إلى بابِ البَيْعِ، فكانَ مِن بَيْعِ الدَّيْنِ بالدَّيْنِ، المَحْظورِ [136] يُنظَرُ: ((بداية المجتهد)) لابن رشد الحفيد (2/300). .
القَوْلُ الثَّاني: لا يُشتَرَطُ كَوْنُ الدَّيْنِ المُحالِ به بالمُحالِ عليه مُتَماثِلًا في الصِّفةِ، وهو قَوْلٌ للشَّافِعِيَّةِ [137] فتَجوزُ على هذا القَوْلِ الحَوالةُ بالقَليلِ على الكَثيرِ، وبالصَّحيحِ على المُكَسَّرِ، وبالجَديدِ على الرَّديءِ، وبالمُؤَجَّلِ على الحالِّ، وبالأَبعَدِ أَجَلًا على الأَقرَبِ؛ لأنَّ غايةَ ما فيه أنَّه تَبَرُّعٌ بالزِّيادةِ. ((روضة الطالبين)) للنووي (4/231). ،  واخْتِيارُ ابنِ عُثَيْمينَ [138] قالَ ابنُ عُثَيْمينَ (الأَمْرُ الثَّاني: الوَصْفُ، بأن يكونَ كلٌّ مِنهما جَيِّدًا أو رَديئًا أو وَسَطًا، وظاهِرُ كَلامِ المُؤَلِّفِ أنَّه لا يَصِحُّ أن يُحيلَ جَيِّدًا على رَديءٍ، ولا رَديئًا على جَيِّدٍ، وفي هذا نَظَرٌ؛ لأنَّه لا مَحْظورَ مِن ذلك، فإذا أحالَ بجَيِّدٍ على رَديءٍ، وقَبِلَ المُحالُ الرَّديءَ عن الجَيِّدِ، فما المانِعُ؟ ما دامَ الجِنْسُ واحِدًا والقَدْرُ واحِدًا، فليس فيه رِبًا ولا غَرَرٌ. فهذا الَّذي أُحيلَ بالجَيِّدِ على رَديءٍ، يقَوْلُ: أنا أُحِبُّ أن آخُذَ الرَّديءَ ولا يَبْقى حَقِّي في ذِمَّةِ هذا الرَّجُلِ الفَقيرِ أو المُماطِلِ. وكذلك العَكْسُ، لو أحالَ بمِئةِ صاعٍ رَديءٍ على مِئةِ صاعٍ جَيِّدٍ، فليس في ذلك شيءٌ؛ لأنَّ المُحيلَ الآنَ أحالَ باخْتِيارِه، كما لو أَوْفاه جَيِّدًا عن رَديءٍ. فالصَّوابُ: أنَّ الوَصْفَ إذا قُصِدَ به الرَّداءةُ والجَودةُ أنَّه لا بأسَ به). ((الشرح الممتع)) (9/213). ، وذلك لأنَّه لا مَحْظورَ فيه، فليس فيه رِبًا ولا غَرَرٌ إذا قَبِلَ المُحالُ [139] ((الشرح الممتع)) لابن عُثَيْمينَ (9/213). .

انظر أيضا: