الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الثَّالِثُ: انْتِهاءُ عَقْدِ الإجارةِ بالفَسْخِ بالأعْذارِ الطَّارِئةِ على المُسْتَأجِرِ


يَجوزُ فَسْخُ الإجارةِ إذا حَصَلَ عُذْرٌ طارِئٌ للمُسْتأجِرِ يَمنَعُ مِنَ الانْتِفاعِ بالعَيْنِ [610] كأنْ يَسْتأجِرَ دُكَّانًا مِن أجْلِ أن يَبيعَ فيه، فتَحْترِقَ البِضاعةُ أو تُسرَقَ البِضاعةُ، أو يُفلِسَ ولم يَعُدْ بحاجةٍ للدُّكَّانِ، أو كأنْ يَسْتأجِرَ شَقَّةً ثُمَّ يُنقَلَ مِن عَمَلِه إلى مِنْطَقةٍ أخرى ولا يَسكُنَ فيها. ، وهو مَذهَبُ الحَنَفيَّةِ [611] ((الهداية)) للمرغيناني (3/250)، ((البناية)) للعيني (10/348)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (8/42). ، وقَوْلُ ابنِ حَزْمٍ [612] قالَ ابنُ حَزْمٍ: (إن اضْطُرَّ المُسْتأجِرُ إلى الرَّحيلِ عن البَلَدِ، أو اضْطُرَّ المُؤاجِرُ إلى ذلك، فإنَّ الإجارةَ تَنْفسِخُ إذا كانَ في بَقائِها ضَرَرٌ على أحَدِهما، كمَرَضٍ مانِعٍ، أو خَوْفٍ مانِعٍ، أو غَيْرِ ذلك؛ لقَوْلِ اللهِ تَعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ [الأنعام: 119] ، وقالَ تَعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج: 78] ، وهو قَوْلُ أبي حَنيفةَ). ((المحلى)) (7/10). ، واخْتارَه ابنُ تَيْمِيَّةَ [613] قالَ ابنُ تَيْمِيَّةَ: (لو تَعَذَّرَ على المُسْتأجِرِ الاسْتيفاءُ بنَفْسِه لمَرَضٍ أو تَلَفِ مالٍ أو إرادةِ سَفَرٍ ونَحْوِ ذلك، فيَنْبَغي أن يَثبُتَ له الفَسْخُ، كما لو تَعَذَّرَ تَسْليمُ المَنْفَعةِ). ((الفتاوى الكبرى)) (5/408). ، وابنُ عُثَيْمينَ [614] قالَ ابنُ عُثَيْمينَ: (اسْتأجَرَ دُكَّانًا مِن أجْلِ أن يَبيعَ فيه أمْوالًا، فاحْتَرَقَتِ الأمْوالُ...، اخْتارَ شَيْخُ الإسْلامِ رَحِمَه اللهُ أنَّها تَنْفسِخُ؛ لأنَّ هذا عُذْرٌ لا حيلةَ فيه...، وما ذَهَبَ إليه الشَّيْخُ رَحِمَه اللهُ أَولى. مِثلُه أيضًا ضَياعُ نَفَقةِ المُسْتأجِرِ، مِثلُ لو اسْتأجَرَ رَجُلٌ بَعيرًا ليَحُجَّ عليه، فأرادَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ أن تَضيعَ نَفَقَتُه، وإذا ضاعَتِ النَّفَقةُ لا يُمكِنُ أن يَحُجَّ...، والقَوْلُ الرَّاجِحُ في هذه المَسْألةِ أنَّ الإجارةَ تَنْفسِخُ). ((الشرح الممتع)) (10/72). .
الأَدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِن السُّنَّةِ
عن أبي الزُّبَيْرِ أنَّه سَمِعَ جابِرَ بنَ عَبْدِ اللهِ رَضِي اللهُ عنهما يقولُ: قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((لو بِعْتَ مِن أخيك ثَمَرًا، فأصابَتْه جائِحةٌ، فلا يَحِلُّ لك أن تَأخُذَ مِنه شَيئًا، بِمَ تَأخُذُ مالَ أخيك بغَيْرِ حَقٍّ؟!)) [615] أخرجه مسلم (1554). .
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ المُسْتأجِرَ إذا حَصَلَ له عُذْرٌ طارِئٌ ولم يَسْتَطِعْ أن يَنْتَفِعَ بالعَيْنِ، لم يَقبِضِ المَنْفَعةَ؛ لأنَّ المَنْفَعةَ في الإجارةِ تَأتي شَيئًا فشَيئًا، وهو لم يَقبِضْها وتَعَذَّرَ قَبْضُه إيَّاها بأمْرٍ لا قِبَلَ له به، فيكونُ كالثَّمَرِ الَّذي أصابَتْه جائِحةٌ [616] ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (10/72). .
ثانِيًا: لأنَّ العُذْرَ في الإجارةِ كالعَيْبِ قَبْلَ القَبْضِ في البَيْعِ، فتُفسَخُ به كالبَيْعِ؛ إذ المَعْنى المُجوِّزُ للفَسْخِ يَجمَعُ الإجارةَ والبَيْعَ جَميعًا، والمَعْنى الجامِعُ عَجْزُ العاقِدِ عن المُضِيِّ في مُوجِبِ العَقْدِ إلَّا بتَحَمُّلِ ضَرَرٍ زائِدٍ لم يُستَحَقَّ به [617] ((العناية)) للبابرتي (9/144). .
ثالِثًا: لأنَّ المُسْتأجِرَ يَتَعذَّرُ عليه أن يَسْتوفِيَ مِنها المَنْفعةَ، فتَنْفسِخُ قِياسًا على تَعَذُّرِ تَسْليمِ المَنْفعةِ [618] ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيمية (5/408). .

انظر أيضا: