الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الثَّالِث: أخْذُ الأُجْرةِ مُقابِلَ الحَجِّ عن الغَيْرِ


يَجوزُ أخْذُ الأُجْرةِ مُقابِلَ الحَجِّ عن الغَيْرِ، وهو مَذهَبُ المالِكِيَّةِ [165] أجازَه المالِكيَّةُ -في المُعْتمَدِ- عن المَيِّتِ معَ الكَراهةِ. ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/4)، ((شرح الزرقاني على مختصر خليل)) (2/421)، ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (2/13،18)، ((منح الجليل)) لعليش (2/202). ، والشَّافِعِيَّةِ [166] أجازَه الشَّافِعيَّةُ عن عاجِزٍ أو مَيِّتٍ. ((فتح العزيز)) للرافعي (12/279، 280)، ((المجموع)) للنووي (7/139،120)، ويُنظَرُ: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/60). ، ورِوايةٌ عن أحْمَدَ [167] ((المغني)) لابن قُدامةَ (3/224)، ((الفروع)) لمحمد بن مفلح (5/269، 270)، ((الإنصاف)) للمرداوي (6/35). ، وهو اخْتِيارُ ابنِ بازٍ [168] سُئِلَ ابنُ بازٍ: هل يَجوزُ أن أَستَأجِرَ مَن يقومُ بأداءِ الحَجِّ لوالِدي؟ فأجابَ: (لا حَرَجَ عليكِ أن تَسْتأجِري مَن يَحُجَّ عن أبيك وإن كُنْتِ لم تَحُجِّي عن نفْسِكِ، أمَّا أنتِ فليس لكِ الحَجُّ عن أبيكِ إلَّا بَعْدَ أن تَحُجِّي عن نفْسِكِ، ولا مانِعَ أن يَحُجَّ عن أبيكِ مَن قد حَجَّ عن نفْسِه في السَّنةِ الَّتي تَحُجِّينَ فيها عن نفْسِك). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/412). ، وابنِ عُثَيْمينَ [169] اشْتَرَط ابنُ عُثَيْمينَ أن يكونَ عاجِزًا عَجْزًا لا يُرْجى زَوالُه. قالَ ابنُ عُثَيْمينَ: (هل يَجوزُ الاسْتِئْجارُ على الحَجِّ، مِثلُ: أن يَسْتأجِرَ شَخْصًا ليَحُجَّ عنه أو لا؟ نقولُ: أوَّلًا: إذا كانَ الحَجُّ فَريضةً والمُسْتأجِرُ قادِرًا، فالإجارةُ لا تَصِحُّ؛ لأنَّ هذا يَجِبُ عليه أن يُؤَدِّيَ الفَرْضَ بنفْسِه؛ لأنَّه قادِرٌ بَدَنيًّا ومالِيًّا، وإذا كانَ عاجِزًا عَجْزًا لا يُرْجى زَوالُه وحَجُّه فَريضةً، قد سَبَقَ لنا في الوَكالةِ أنَّه يَجوزُ أن يُنيبَ عنه، واسْتَدْلَلْنا لذلك بحَديثِ الخثْعَميَّةِ الَّتي قالَتْ: إنَّ أبي أَدرَكَتْه فَريضةُ اللهِ على عِبادِه بالحَجِّ شَيْخًا كَبيرًا لا يَثبُتُ على الرَّاحِلةِ، أفأَحُجُّ عنه؟ فأَذِنَ لها، فهل تَجوزُ الأُجْرةُ على ذلك؟ أو نَقولُ: اتَّفِقْ معَ الَّذي أرادَ أن يُنيبَك، ولا تَبحَثْ عن المِقْدارِ سواءٌ أعْطاك عَشَرةً أو ألْفًا؟ أمَّا إذا كانَ الحَجُّ نَفلًا فقدْ سَبَقَ لنا في الوَكالةِ أيضًا أنَّه إن كانَ مَريضًا مَرَضًا لا يُرْجى بُرؤُه، فإنَّه يُمكِنُ أن يقالَ بالجَوازِ قِياسًا على الفَريضةِ، وإن كانَ صَحيحَ البَدَنِ قَوَيًّا فالَّذي نَرى أنَّه لا يَصِحُّ). ((الشرح الممتع)) (10/56). .
الأَدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِن السُّنَّةِ
عن أبي سَعيدٍ الخُدَريِّ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ ناسًا مِن أصْحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أتَوا على حَيٍّ مِن أحْياءِ العَربِ، فلم يُقْروهم، فبَيْنَما هُمْ كذلك إذ لُدِغَ سَيِّدُ أولئك، فقالوا: هلْ معَكم مِن دَواءٍ أو راقٍ؟ فقالوا: إنَّكم لم تُقْرونا، ولا نَفعَلُ حتَّى تَجْعلوا لنا جُعْلًا، فجَعلوا لهم قَطيعًا مِن الشَّاءِ، فجَعَلَ يَقرَأُ بأمِّ القُرآنِ، ويَجمَعُ بُزاقَه ويَتفُلُ، فبَرَأَ، فأتَوا بالشَّاءِ، فقالوا: لا نَأخُذُه حتَّى نَسأَلَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فسألوه فضَحِكَ، وقالَ: وما أَدْراك أنَّها رُقْيةٌ؟ خُذوها، واضْربوا لي بسَهْمٍ)) [170] أخرجه البُخارِيُّ (5736) واللَّفظُ له، ومسلم (2201). .
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الصَّحابةَ رَضِيَ اللهُ عنهم أخَذوا الجُعْلَ على الرُّقْيةِ بكِتابِ اللهِ، وأقَرَّهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على ذلك وصَوَّبَهم [171] ((المغني)) لابن قُدامةَ (3/224). ؛ فدَلَّ ذلك على جَوازِ أخْذِ الأُجْرةِ على الأعْمالِ الَّتي تَدخُلُها النِّيابةُ كالحَجِّ.
ثانيًا: لأنَّ عَقْدَ الإجارةِ على الحَجِّ يَصِحُّ إلْحاقًا له بسائِرِ العُقودِ المُباحةِ [172] ((حاشية الشلبي على تبيين الحقائق للزيلعي)) (2/88). .
ثالِثًا: لأنَّه عَمَلٌ تَدخُلُه النِّيابةُ، فجازَ أخْذُ العِوَضِ عليه، كتَفْرقةِ الصَّدَقةِ، وغَيْرِها مِن الأعْمالِ [173] ((المجموع)) للنووي (7/139). .
رابِعًا: لأنَّه يَجوزُ أخْذُ النَّفَقةِ عليه، فجازَ الاسْتِئْجارُ عليه، كبِناءِ المَساجِدِ [174] ((المغني)) لابن قُدامةَ (3/224). .

انظر أيضا: