الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الخامِسُ: اشْتِراطُ المُقتَرِضِ التَّأجيلَ في سَدادِ القَرْضِ


 يَتأجَّلُ القَرْضُ بالتَّأجيلِ إذا اشْتَرَطَ المُقتَرِضُ التَّأجيلَ في سَدادِ القَرْضِ، وهو مَذهَبُ المالِكِيَّةِ [298] نَصَّ المالِكيَّةُ على أنَّه يَتَأجَّلُ بالشَّرْطِ أو العادةِ. ((مواهب الجليل)) للحطاب (6/528)، ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (5/232). ، ووَجْهٌ عنْدَ الحَنابِلةِ [299] ((الإنصاف)) للمرداوي (5/100). صَوَّبَه المَرْداويُّ [300] ((الإنصاف)) للمرداوي (5/100). ، وهو قَوْلُ طائِفةٍ مِن السَّلَفِ [301] تَرجَمَ البُخارِيُّ في صَحيحِه بقَوْلِه: (بابٌ: إذا أَقرَضَه إلى أجَلٍ مُسَمًّى، أو أجَّلَه في البَيْعِ) ثُمَّ أَورَدَ الآثارَ الآتيةَ: (قالَ ابنُ عُمَرَ في القَرْضِ إلى أَجَلٍ: «لا بَأسَ به، وإن أُعْطِيَ أَفضَلَ مِن دَراهِمِه ما لم يَشتَرِطْ»، وقالَ عَطاءٌ، وعَمْرُو بنُ دينارٍ: «هو إلى أجَلِه في القَرْضِ»). ((صحيح البُخارِيِّ)) (3/119). وقالَ المَرْداويُّ: (واخْتارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ صِحَّةَ تَأجيلِه ولُزومَه إلى أجْلِه، سواءٌ كانَ قَرْضًا أو غَيْرَه، وذَكَرَه وَجْهًا. قُلْتُ: وهو الصَّوابُ، وهو مَذهَبُ مالِكٍ واللَّيْثِ، وذَكَرَه البُخارِيُّ في صَحيحِه عن بعضِ السَّلَفِ). ((الإنصاف)) (5/100). ، واخْتارَه ابنُ تَيْمِيَّةَ [302] ((الإنصاف)) للمرداوي (5/100). ، وابنُ القَيِّمِ [303] قالَ ابنُ القَيِّمِ: (إذا أَقرَضَه مالًا وأجَّلَه لَزِمَ تَأجيلُه على أَصَحِّ المَذهَبينِ، وهو مَذهَبُ مالِكٍ، وقَوْلٌ في مَذهَبِ أحْمَدَ). ((إغاثة اللهفان)) (2/47). ، وابنُ عُثَيْمينَ [304] قالَ ابنُ عُثَيْمينَ: (إذا شَرَطَ التَّأجيلَ كانَ شَرْطًا مُنافِيًا لمُقْتَضى العَقْدِ، وكلُّ شَرْطٍ يُخالِفُ مُقْتَضى العَقْدِ فهو شَرْطٌ فاسِدٌ، وكلُّ شَرْطٍ فاسِدٍ فهو حَرامٌ، وهذا مِن حيثُ الحُكْمُ التَّكْلِيفيُّ، هذا ما ذَهَبَ إليه المُؤلِّفُ. والصَّحيحُ: أنَّه إذا أجَّلَه ورَضيَ المُقرِضُ فإنَّه يَثبُتُ الأجَلُ، ويكونُ لازِمًا، ولا يَحِلُّ للمُقرِضِ أن يُطالِبَ المُستَقْرِضَ حتَّى يَحِلَّ الأجَلُ). ((الشرح الممتع)) (9/99). .
الأَدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِن الكِتابِ
1- قَوْلُه سبحانه وتَعالى: إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ [البقرة: 282] .
وَجْهُ الدَّلالةِ:
الآيةُ فيها دَلالةٌ على جَوازِ التَّأجيلِ في القُروضِ؛ إذ لم تُفرِّقْ بَيْنَ القَرْضِ وسائِرِ العُقودِ في المُدايَناتِ [305] ((تفسير القرطبي)) (3/377)، ((المحلى)) لابن حَزْمٍ (6/362). .
2 - قَوْلُه تَعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة: 1] .
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ القَرْضَ عَقْدٌ، وإذا شُرِطَ فيه التَّأجيلُ يَجِبُ أن يُوفَى به؛ لأنَّ أمْرَ اللهِ تَعالى بالوَفاءِ بالعُقودِ يَشمَلُ الوَفاءَ بأصْلِها، والوَفاءَ بوَصْفِها [306] ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (9/100). .
ثانِيًا: مِن السُّنَّةِ
1- قالَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((المُسلِمونَ عِنْدَ شُروطِهم)) [307] أخرَجَه البُخارِيُّ مُعلَّقًا بصيغةِ الجَزْمِ قَبْلَ حَديثِ (2274)، وأخرَجَه مَوْصولًا الدَّارَقُطْنِيُّ (3/28)، والحاكِمُ بعدَ حَديثِ (2310) من حَديثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنه. ذَكَرَ ثُبوتَه ابنُ العَرَبيِّ في ((عارِضةِ الأَحْوَذِيِّ)) (3/322)، وذَكَرَ الصَّنْعانيُّ في ((العُدَّةِ على الإحْكامِ)) (4/87) أنَّ له شَواهِدَ تُقَوِّي تَضعيفَه، وصَحَّحَ الحَديثَ الألْبانِيُّ في ((صَحيحِ الجامِعِ)) (6716). وقالَ مُحمَّدُ بنُ عبدِ الهادي في ((تَنْقيحِ تَحْقيقِ التَّعْليقِ)) (2/535): بهذا الإسْنادِ ضَعيفًا، وقالَ الذَّهَبِيُّ في ((تَنْقيحِ التَّحْقيقِ)) (2/80): لم يَصِحَّ. وذَكَرَ ابنُ المُلَقِّنِ في ((البَدْرِ المُنيرِ)) (6/553) أنَّ فيه خُصَيفًا: مُخْتَلَفٌ فيه. .
2 - عن أبي هُرَيْرةَ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: ((آيةُ المُنافِقِ ثَلاثٌ: إذا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذا وَعَدَ أَخلَفَ، وإذا اؤْتُمِنَ خانَ)) [308] أخرجه البُخارِيُّ (33)، ومسلم (59). .
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ المُطالَبةَ بالقَرْضِ وهو مُؤَجَّلٌ، إخْلافٌ للوَعْدِ، وإخْلافُ الوَعْدِ مِن سِماتِ المُنافِقينَ [309] ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (9/100). .
ثالِثًا: مِن الآثارِ
عن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قالَ في القَرْضِ إلى أجَلٍ: (لا بأسَ به، وإن أُعْطِيَ أَفضَلَ مِن دَراهِمِه ما لم يَشتَرِطْ) [310] أَخرَجَه البُخارِيُّ مُعلَّقًا بصيغةِ الجَزْمِ قَبْلِ حَديثِ (2404) واللَّفظُ له، وأَخرَجَه مَوْصولًا ابنُ أبي شَيبةَ (23221) عن حمَّادِ بنِ سَلَمةَ قالَ: سَمِعْتُ شَيْخًا يقالُ له المُغيرةُ، قالَ: قُلْتُ لابنِ عُمَرَ: إنِّي أُسلِفُ جيراني إلى العَطاءِ فيَقْضوني دَراهِمَ أَجوَدَ مِن دَراهمي، قالَ: لا بَأسَ ما لم تَشتَرِطْ. .
رابِعًا: لأنَّ المُتَعاقِدَينِ يَملِكانِ التَّصرُّفَ في هذا العَقْدِ بالإقالةِ والإمْضاءِ، فمَلَكا التَّأجيلَ فيه، كخِيارِ المَجلِسِ [311] يُنظَرُ: ((المغني)) لابن قُدامةَ (4/237). .
خامِسًا: لأنَّ التَّأجيلَ لا يُنافي مُقْتَضى العَقْدِ، بلْ هو مِن تَمامِ مُقْتَضى العَقْدِ؛ لأنَّ المَقْصودَ بالقَرْضِ الإرْفاقُ والإحْسانُ، والتَّأجيلُ مِن تَمامِ الإحْسانِ؛ لأنَّ الأَرفَقَ للمُقتَرِضِ التَّأجيلُ [312] ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (9/100). .

انظر أيضا: