الموسوعة الفقهية

مَطلَبٌ: البيعُ بيْن الذَّهبِ أو بيْن الفِضَّةِ مُتفاضِلًا مُقابلَ الصَّنعةِ


لا يَجوزُ البيعُ بيْن الذَّهبِ ولا بيْن الفِضَّةِ مُتفاضِلًا مُقابلَ الصَّنعةِكأنْ يَستبدِلَ الذَّهَبَ المُستعمَلَ بالذَّهبِ الجَديدِ، أوِ الفِضَّةَ المُستعمَلَةَ بفِضَّةٍ جَديدةٍ مع دفْعِ فرْقِ الصَّنعةِ؛ فلا يَخرُجُ بالصَّنعةِ عنْ كَونِه مالًا رِبويًّا؛ إذْ لا أثَرَ للصَّنعةِ في ذلِك.، وذلك باتِّفاقِ المذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأرْبعةِ: الحَنفيَّةِ ((المبسوط)) للسَّرَخْسي (14/4)، ((العناية)) للبابرتي (7/136)، ((البناية)) للعَيْني (8/396). ، والمالِكيَّةِ ((شرح الزُّرْقاني على مختصر خليل)) (5/82)، ((منح الجليل)) لعُلَيش (4/503، 504). ، والشَّافعيَّةِ ((فتح العزيز)) للرافعي (8/164)، ((مغني المحتاج)) للشِّربيني (2/25)، ويُنظَر: ((حاشية البجيرمي على الخطيب)) (3/21، 22). ، والحَنابِلةِ ((كشَّاف القناع)) للبُهُوتي (3/252). ، وحُكيَ الإجْماعُ على ذلك قال القاضي عِياضٌ: (قولُه: «لا تَبيعوا الذَّهبَ بالذَّهبِ، ولا الورِقَ بالورِقِ...» الحديثُ عامٌّ في جميعِ أجْناسِها؛ مِن مَشكولٍ، ومَصنوعٍ، وتِبرٍ، وجيِّدٍ، ورَديءٍ، ولا خلافَ في هذا) ((إكمال المعْلَم)) (5/262). وقال ابنُ عبدِ البَرِّ: (أجمَعَ العلماءُ على أنَّ الذَّهبَ -تِبرَه وعَينَه- سواءٌ، لا يجوزُ التَّفاضُلُ في شَيءٍ منه، وكذلك الفِضَّةُ بالفِضَّةِ؛ تِبرُها وعَينُها، ومَصنوعُ ذلك كلِّه، ومَضروبُه؛ لا يَحِلُّ التَّفاضُلُ في شَيءٍ منه، وعلى ذلك مَضى السَّلفُ منَ العُلماءِ والخَلفُ، إلَّا شيئًا يَسيرًا يُرْوى عن مُعاويةَ) ((الاستذكار)) (6/347). وقال النَّوَويُّ: (قولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «لا تَبيعوا الذَّهبَ بالذَّهبِ، ولا الورِقَ بالورِقِ إلَّا سَواءً بسواءٍ»، قال العلماءُ: هذا يَتَناوَلُ جميعَ أنْواعِ الذَّهبِ والورِقِ؛ من جيِّدٍ ورَديءٍ، وصَحيحٍ ومكسورٍ، وحُليٍّ وتِبرٍ، وغيرِ ذلك، وسواءٌ الخالصُ والمخلوطُ بغيرِه، وهذا كلُّه مجمَعٌ عليه) ((شرح النووي على مسلم)) (11/10).
الأدلَّةُ:
أوَّلًا: منَ السُّنَّةِ
1- عن أبي سَعيدٍ الخُدْريِّ رَضيَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: ((لا تَبيعوا الذَّهَبَ بالذَّهَبِ إلَّا مِثلًا بمِثلٍ، ولا تُشِفُّوا بعضَها على بَعضٍ، ولا تَبيعوا الورِقَ بالورِقِ إلَّا مِثلًا بمِثلٍ، ولا تُشِفُّوا بعضَها على بعضٍ، ولا تَبيعوا منها غائبًا بناجزٍ)) أخرَجَه البُخاريُّ (2177)، ومسلمٌ (1584).
2- عن أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((الذَّهَبُ بالذَّهَبِ وَزنًا بوَزنٍ، مِثلًا بمِثلٍ، والفِضَّةُ بالفِضَّةِ وَزنًا بوَزنٍ، مِثلًا بمِثلٍ، فمَن زادَ أوِ استَزادَ فهو رِبًا)) أخرَجَه مسلمٌ (1588).
3- عن أبي بَكْرةَ رَضيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((لا تَبيعوا الذَّهَبَ بالذَّهَبِ إلَّا سَواءً بسَواءٍ، والفِضَّةَ بالفِضَّةِ إلَّا سَواءً بسَواءٍ، وبِيعوا الذَّهَبَ بالفِضَّةِ، والفِضَّةَ بالذَّهَبِ كيْف شِئْتُم)) أخرَجَه البُخاريُّ (2175)، واللَّفظُ له، ومسلمٌ (1590).
وَجهُ الدَّلالةِ منَ الأحاديثِ:
أنَّ هذه الأحاديثَ عامَّةٌ في تَحريمِ الرِّبا بنَوْعَيْه، دونَ تَفْريقٍ بيْنَ مَصوغٍ وغيرِه يُنظر: ((كشَّاف القناع)) للبُهُوتي (3/252).
ثانيًا: منَ الآثارِ
عن مُجاهِدٍ قال: (كُنتُ معَ عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ فجاءَه صائغٌ، فقال له: يا أبا عبدِ الرَّحمنِ، إنِّي أَصوغُ الذَّهَبَ ثمُ أَبيعُ الشَّيءَ مِن ذلك بأكثَرَ مِن وَزنِه، فأستَفضِلُ مِن ذلك قَدْرَ عمَلِ يَدي؟ فنَهَى عبدُ اللهِ عن ذلك، فجعَلَ الصَّائغُ يُردِّدُ عليه المسألةَ، وعبدُ اللهِ يَنْهاه، حتَّى انْتَهى إلى بابِ المسجِدِ -أو إلى دابَّةٍ يُريدُ يَركَبُها-، ثمَّ قال عبدُ اللهِ بنُ عُمرَ: الدِّينارُ بالدِّينارِ، والدِّرهمُ بالدِّرهمِ، لا فَضْلَ بيْنَهما؛ هذا عهْدُ نَبيِّنا إلينا، وعَهدُنا إليكم) أخرَجَه مالكٌ في ((الموطأ)) (2/633)، والمُزَنيُّ في ((السنن المأثورة عن الشافعي)) (221)، والبَيْهَقي في ((السنن الكبرى)) (10491). قال الطَّحاويُّ في ((شرح معاني الآثار)) (4/66): الآثارُ متواتِرةٌ بذلك، وصحَّحَ إسنادَه العَيْنيُّ في ((نخب الأفكار)) (14/272)، وشُعيب الأرناؤوط في ((تخريج مشكل الآثار)) (6100).
وَجهُ الدَّلالةِ:
منَعَ عبدُ اللهِ بنُ عُمرَ رَضيَ اللهُ عنهما مِن بَيعِ المَصوغِ مِن الذَّهبِ بأكثَرَ مِن وَزنِه غيرَ مَصوغٍ يُنظَر: ((المنتقى شرح الموطأ)) للباجي (4/ 260).
ثالثًا: لِمَا فيها مِن رِبا الفَضلِ عندَ اتِّحادِ الجِنسَينِ، ورِبا النَّسيئةِ عندَ اخْتلافِهما يُنظر: ((شرح الزُّرْقاني على مختصر خليل)) (5/82).

انظر أيضا: