الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الأوَّلُ: ما يُضبَطُ بالكَيلِ أو بالوَزنِ في البُيوعِ الرِّبويَّةِ فيما ورَدَ فيه النَّصُّ


يُضبَطُ بالكَيلِ أو بالوَزنِ في البُيوعِ الرِّبويَّةِ ما نصَّ عليه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وهي في الأصْنافِ الأرْبَعةِ -البُرِّ والشَّعيرِ، والتَّمرِ والمِلحِ-كَيْلًا، وفي الذَّهبِ والفِضَّةِ وَزنًا فلا يَجوزُ بيعُ المَكيلِ بالمَكيلِ من جِنسِه وَزنًا، ولا بيعُ المَوْزونِ بالمَوْزونِ من جنسِه كَيلًا فيما وردَ فيه النَّصُّ. ، وذلك باتِّفاقِ المذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأرْبَعةِ: الحَنفيَّةِ ((العناية)) للبابَرْتي (7/14، 15)، ((البحر الرائق)) لابن نُجَيم (6/140). ، والمالِكيَّةِ ((التاج والإكليل)) للموَّاق (4/360)، ((حاشية العَدَوي على كفاية الطالب الرباني)) (2/142)، ((منح الجليل)) لعُلَيش (5/24). ، والشَّافعيَّةِ ((منهاج الطالبين)) للنَّوَوي (ص: 96)، ((مغني المحتاج)) للشِّربيني (2/24). ، والحَنابِلةِ ((كشَّاف القناع)) للبُهُوتي (3/262).
الأدلَّةُ:
أوَّلًا: منَ السُّنَّةِ
1- عن أبي سَعيدٍ الخُدْريِّ رَضيَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: ((لا تَبيعوا الذَّهَبَ بالذَّهَبِ، ولا الوَرِقَ بالوَرِقِ؛ إلَّا وَزنًا بوَزنٍ، مِثلًا بمِثلٍ، سَواءً بسَواءٍ )) أخرَجه البخاريُّ (2176) مختصرًا، ومسلمٌ (1584) واللَّفظُ له.
2- عن عُبادةَ بنِ الصَّامِتِ رَضيَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: ((الذَّهَبُ بالذَّهَبِ تِبْرُها وعَينُها، والفِضَّةُ بالفِضَّةِ تِبرُها وعَينُها، والبُرُّ بالبُرِّ مُدْيٌ بمُدْيٍ، والشَّعيرُ بالشَّعيرِ مُدْيٌ بمُدْيٍ، والتَّمرُ بالتَّمرِ مُدْيٌ بمُدْيٍ، والمِلحُ بالمِلحِ مُدْيٌ بمُدْيٍ، فمَن زادَ أو ازْدادَ فقدْ أرْبى، ولا بأْسَ ببَيعِ الذَّهبِ بالفِضَّةِ، والفِضَّةُ أكثرُهما يَدًا بيَدٍ، وأمَّا نَسيئةً فلا، ولا بأْسَ ببَيعِ البُرِّ بالشَّعيرِ، والشَّعيرُ أكثرُهما يَدًا بيَدٍ، وأمَّا نَسيئةً فلا )) أخرَجه أبو داود (3349) واللَّفظُ له، والتِّرمذيُّ (1240)، والنَّسائيُّ (4564)، وأحمدُ (22683). استحسَنَه الإمامُ أحمدُ كما في ((سُنن الدارَقُطني)) (2/590)، وقال التِّرمذيُّ: حسنٌ صحيحٌ، وقال الطَّحاويُّ في ((شرح معاني الآثار)) (4/66): الآثارُ مُتواترةٌ بذلك، وقال ابنُ عبد البرِّ في ((الاستذكار)) (5/402): رُويَ من طرُقٍ كثيرةٍ جدًّا، وقال ابنُ العربيِّ في ((عارضة الأحوذي)) (3/200): أصلٌ من أصولِ الشَّريعةِ، وصحَّحَه الألبانيُّ في ((صحيح سنن الترمذي)) (1240)، وصحَّحَ إسنادَه ابنُ الملقِّنِ في ((البدر المنير)) (6/470)، وشُعيبٌ الأرناؤوطُ في تخريج ((سنن أبي داود)) (3349). والحديثُ أصلُه في ((صحيحِ مسلمٍ)) (1587).
وَجهُ الدَّلالةِ منَ الحَديثَينِ:
أنَّ الشَّارعَ اعتبَرَ المساواةَ في المَوْزوناتِ بالوزنِ، وفي المَكيلاتِ بالكَيلِ، فمَن خالَفَ ذلك خرَجَ عنِ المشروعِ المأْمورِ به؛ إذِ المُساواةُ المُعتَبَرةُ فيما يَحرُمُ فيه التَّفاضُلُ، هي المُساواةُ في مِعْيارِه الشَّرعيِّ ((مطالب أولي النهى)) للرُّحَيْباني (3/159)، ويُنظَر: ((إحكام الأحكام)) لابن دقيق العيد (ص: 370).
3- عنِ ابنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((الوَزنُ وَزنُ أهْلِ مكَّةَ، والمِكْيالُ مِكْيالُ أهْلِ المدينةِ )) أخرَجه أبو داود (3340) واللَّفظُ له، والنَّسائيُّ (2520). صحَّحه الدارَقُطنيُّ، كما في ((التلخيص الحبير)) لابن حَجَر (2/759)، وابنُ حزمٍ في ((المحلَّى)) (11/353)، وابنُ الملقِّنِ في ((البدر المنير)) (5/562)، والألبانيُّ في ((صحيح سنن أبي داود)) (2520)، والوادِعي على شرط الشيخَين في ((الصحيح المسنَد)) (782)، وصحَّح إسنادَه النَّوَويُّ في ((المجموع)) (6/2) وقال: على شرط الشيخَين، وشُعيبٌ الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (3340).
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ كَلامَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إنَّما يُحمَلُ على تَبْيينِ الأحْكامِ؛ فما كان مِكْيالًا بالمدينةِ في زَمَنِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ انصرَفَ التَّحريمُ بتَفاضُلِ الكَيلِ إليه، فلا يَجوزُ أنْ يَتغيَّرَ بعْدَ ذلك، وهكذا المَوْزونُ هذا دليلُ الحنابلةِ على اعتبارِ النَّصِّ في ضبْطِ المَكيلِ والمَوْزونِ. يُنظر: ((كشَّاف القناع)) للبُهوتي (3/262).
ثانيًا: لأنَّ النَّصَّ أقْوى مِن العُرفِ؛ لكَوْنِه حُجَّةً على مَن تَعارَفَ، وعلى مَن لم يَتَعارَفْ، والعُرفُ ليْس بحُجَّةٍ إلَّا على مَن تَعارَفَ به، والأقْوى لا يُترَكُ بالأدْنى يُنظر: ((العناية)) للبابَرْتي (7/15).
ثالثًا: لأنَّ الشَّيءَ إذا لم يكنْ مَحْدودًا في الشَّرعِ ولا في اللُّغةِ، كان الرُّجوعُ فيه إلى عادةِ النَّاسِ، كالقَبْضِ والحَرزِ يُنظر: ((مغني المحتاج)) للشِّربيني (2/24).

انظر أيضا: