الموسوعة الفقهية

المَطْلَبُ الأوَّلُ: شُروطُ رأسِ مالِ السَّلَمِ


الفَرعُ الأوَّلُ: ألَّا يَجمَعَ البَدلَينِ أحَدُ وَصْفَي عِلَّةِ رِبا الفضْلِ في مالِ السَّلَمِ كأنْ يكونَ رأسُ مالِ السَّلَمِ مِن التَّمرِ، فلا يجوزُ أنْ يكونَ المسْلَمُ فيه تَمرًا أو شَعيرًا أو مِلحًا ممَّا يَتَّفِقُ في عِلَّةِ الرِّبا.
يُشترَطُ في رأْسِ مالِ السَّلَمِ ألَّا يَجمَعَ البَدَلينِ أحَدُ وَصْفَي عِلَّةِ رِبا الفضْلِ في مالِ السَّلَمِ، باتِّفاقِ المذاهبِ الفِقهيَّةِ الأربعةِ: الحنَفيَّةِ ((الفتاوى الهندية)) (3/ 179- 180)، ((الدر المختار وحاشية ابن عابدين)) (5/ 217)، ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) (5/ 214). ، والمالكيَّةِ ((الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي)) (3/ 200)، ويُنظر: ((الرسالة)) لابن أبي زيد القيرواني (ص: 108). ، والشَّافعيَّةِ ((العزيز شرح الوجيز)) للرَّافعي (8/166). ، والحنابِلةِ ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (2/ 89)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (3/211). ؛ وذلك لأنَّ العقدَ الذي فيه رِبًا فاسدٌ يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/214).
الفَرعُ الثاني: كَونُ رأسِ مالِ السَّلَمِ مَعلومَ الجِنسِ
يُشترَطُ في رأسِ مالِ السَّلَمِ أنْ يكونَ مَعلومَ الجِنسِ؛ كَونَه دَراهمَ أو دَنانيرَ.
الدَّليلُ مِن الإجماعِ:
نقَلَ الإجماعَ على ذلك: ابنُ المنذِرِ قال ابنُ المنذِرِ: (أجْمَعوا على أنَّ السَّلَمَ الجائزَ أنْ يُسْلِمَ الرَّجلُ صاحبَه في طَعامٍ مَعلومٍ مَوصوفٍ، مِن طعامِ أرضٍ عامَّةٍ، لا يُخطِئُ مِثلُها، بكَيلٍ مَعلومٍ أو وزْنٍ مَعلومٍ، إلى أجَلٍ مَعلومٍ، ودَنانيرَ ودَراهمَ مَعلومةٍ) ((الإجماع)) (ص: 989). ، والقُرْطبيُّ قال القُرْطبيُّ: (أمَّا الثَّلاثةُ الَّتي في رأْسِ مالِ السَّلَمِ: فأنْ يكونَ مَعلومَ الِجنسِ، مُقدَّرًا، نقْدًا. وهذه الشُّروطُ الثَّلاثةُ الَّتي في رأْسِ المالِ مُتَّفقٌ عليها إلَّا النَّقدَ)، ((تفسير القرطبي)) (3/379).
الفَرعُ الثَّالثُ: كونُ رأسِ مالِ السَّلَمِ مَعلومَ القدْرِ
يُشترَطُ في رأْسِ المالِ أنْ يكونَ مَعلومَ القدْرِ المالكيَّةُ يُجِيزون أنْ يكونَ رأسُ المالِ جُزافًا. يُنظر: ((التاج والإكليل)) للموَّاق (4/516)، ((مواهب الجليل)) للحطَّاب (6/480)، ((شرح الزرقاني على مختصر خليل)) (5/368). ، وهو مَذهَبُ الحنابِلةِ يُنظر: ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (3/ 227). ، وقولُ أبي حَنيفةَ ((البحر الرائق)) لابن نُجَيم (6/175)، ((الفتاوى الهندية)) (3/ 178). ، وبه قال الشَّافعيَّةُ إذا كان رأْسُ المالِ في الذِّمَّةِ ((روضة الطالبين)) للنَّوَوي (4/ 5)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (5/ 5). ؛ وذلك لأنَّ جَهالةَ ذلك تُؤدِّي إلى جَهالةِ المقبوضِ يُنظر: ((الجوهرة النيرة)) لأبي بكر الحداد (1/ 219).
الفَرعُ الرَّابعُ: كوْنُ رأسِ مالِ السَّلَمِ مَعلومَ الصِّفةِ
المسألةُ الأُولى: إذا كان رأْسُ مالِ السَّلَمِ مُعيَّنًا
يُشترَطُ في رأْسِ مالِ السَّلَمِ إذا كان مُعيَّنًا أنْ يكونَ مَعلومَ الصِّفةِ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: الحنَفيَّةِ ((الفتاوى الهندية)) (3/ 178)، ((البحر الرائق)) لابن نُجَيم (6/174). ، والمالكيَّةِ ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (2/ 177). ، والحنابِلةِ (( كشاف القناع)) للبُهُوتي (3/ 304)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (3/ 227)، ويُنظر: ((الشرح الكبير على متن المقنع)) (4/ 337). ، وقولٌ للشَّافعيةِ ((روضة الطالبين)) للنَّوَوي (4/ 5)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (5/ 5).
وذلك للآتي:
أولًا: لأنَّه عقْدٌ لا يُمكِنُ إتمامُه في الحالِ، ولا تَسليمُ المعقودِ عليه، ولا يُؤمَنُ انفساخُه، فوَجَبَت مَعرِفةُ رأْسِ مالِ السَّلَمِ فيه؛ ليَرُدَّ بَدَلَه كالقَرْضِ يُنظر: ((الشرح الكبير على متن المقنع)) (4/337).
ثانيًا: لأنَّه لا يُؤمَنُ أنْ يَظهَرَ بعضُ الثَّمنِ مُسْتحَقًّا، فيَنفسِخُ العقدُ في قدْرِه، فلا يُعلَمُ في كمْ بَقِي وكمِ انفسَخَ يُنظر: ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (3/ 227).
المسألةُ الثَّانيةُ: إذا كان رأْسُ مالِ السَّلَمِ مَوصوفًا في الذِّمَّةِ مِثلَ أنْ يَصِفَ جِنسَ النَّقدِ الذي سيُسلِّمُه: رِيالٌ، أو دِينارٌ، أو جُنَيه، أو دُولارٌ.
يُشترَطُ في رأسِ مالِ السَّلَمِ أنْ يكونَ مَعلومَ الصِّفةِ إذا كان مَوصوفًا في الذِّمَّةِ.
الأدلَّةُ:
أوَّلًا: مِن الإجماعِ
نقَلَ الإجماعَ على ذلك: ابنُ قُدامةَ قال ابنُ قُدامةَ: (لا خِلافَ في اشتراطِ مَعرِفةِ صِفتِه إذا كان في الذِّمَّةِ) ((المغني)) (4/225). ، والقُرْطبيُّ قال القُرْطبيُّ: (أمَّا الثَّلاثةُ الَّتي في رأْسِ مالِ السَّلَمِ: فأنْ يكونَ مَعلومَ الِجنسِ، مُقدَّرًا، نقْدًا. وهذه الشُّروطُ الثَّلاثةُ الَّتي في رأْسِ المالِ مُتَّفقٌ عليها إلَّا النَّقدَ) ((تفسير القرطبي)) (3/379). ، وشَمسُ الدِّينِ ابنُ قُدامةَ قال شَمسُ الدِّينِ ابنُ قُدامةَ: (لا خِلافَ في اشتراطِ مَعرِفةِ صِفتِه إذا كان في الذِّمَّةِ) ((الشرح الكبير على متن المقنع)) (4/337).
ثانيًا: لأنَّه أحدُ عِوَضَي السَّلَمِ، فيُشترَطُ مَعرفةُ صِفتِه يُنظر: ((المغني)) لابن قُدامةَ (4/225).
الفَرعُ الخَامِس: تَسليمُ رأْسِ مالِ السَّلَمِ في مَجلِسِ العقدِ
يُشترَطُ في رأْسِ مالِ السَّلَمِ أنْ يُسلَّمَ في مَجلِسِ العقدِ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ أجاز المالكيَّةُ تَأخيرَ قبْضِ رأسِ مالِ السَّلَمِ يَومينِ أو ثلاثةً. يُنظر: ((منح الجليل)) لعُلَيْش (5/332). : الحنَفيَّةِ ((تبيين الحقائق)) للزَّيلَعي (4/117)، ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/202). ، والشَّافعيَّةِ ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (5/4)، ((مغني المحتاج)) للشِّربيني (2/ 102). ، والحنابِلةِ ((كشاف القناع)) للبُهُوتي (3/304)، وينظر: ((الكافي)) لابن قُدامةَ (2/66). ، وحُكِي الإجماعُ على ذلك قال الطَّبَريُّ: (أجْمَعوا جميعًا أنَّه لا يَجوزُ السَّلَمُ حتَّى يَستوفي المُسْلَمُ إليه ثَمَنَ المُسْلَمِ فيه في مَجلِسِهما الَّذي تَبايَعا فيه) ((اختلاف الفقهاء)) (ص: 99). وقال ابنُ المنذِرِ: (أجْمَعوا على أنَّ السَّلَمَ الجائزَ أنْ يُسْلِمَ الرَّجلُ صاحبَه في طَعامٍ مَعلومٍ مَوصوفٍ، مِن طعامِ أرضٍ عامَّةٍ، لا يُخطِئُ مِثلُها، بكَيلٍ مَعلومٍ أو وزْنٍ مَعلومٍ، إلى أجَلٍ مَعلومٍ، ودَنانيرَ ودَراهمَ مَعلومةٍ، بدَفْعِ ثَمنِ ما أسْلَمَ فيه قبْلَ أنْ يَتفرَّقَا مِن مَقامِهما الذي تَبايَعا فيه، ويُسمِّيانِ المكانَ الذي يُقبَضُ فيه الطَّعامُ، فإذا فَعَلا ذلك، وكانا جائزَيِ الأمرِ؛ كان صَحيحًا) ((الإجماع)) (ص: 98).
الأدلَّةُ:
أوَّلًا: مِن السُّنَّةِ
عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِي اللهُ عنهما قال: ((قَدِم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المدينةَ وهمْ يُسلِفون في الثِّمارِ السَّنةَ والسَّنتينِ، فقال: مَن أسلَفَ في تمْرٍ، فلْيُسلِفْ في كَيلٍ مَعلومٍ، ووزْنٍ مَعلومٍ، إلى أجَلٍ مَعلومٍ )) أخرجه البخاري (2240)، ومسلم (1604) واللفظ له.
وَجهُ الدَّلالةِ:
قولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ((مَن أسلَفَ في تمْرٍ، فلْيُسلِفْ )) أي: فلْيُعْطِ؛ لأنَّه لا يقَعُ اسمُ السَّلَفِ فيه حتَّى يُعطِيَه ما أسْلَفَه قبْلَ أنْ يُفارِقَ مَن أسْلَفَه يُنظر: ((الأم)) للشافعي (3/95)، ((كشاف القناع)) للبُهُوتي (3/304).
ثانيًا: إنَّما سُمِّي سَلَمًا لِما فيه مِن تَسليمِ رأْسِ المالِ، فإذا تأخَّر لم يكُنْ سَلَمًا، فلم يَصِحَّ يُنظر: ((المجموع شرح المهذب)) تكملة المطيعي (13/ 144).

انظر أيضا: