الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الثَّالِثُ: التَّوكيلُ بالقَبضِ توكيلٌ بالخُصومةِ


اختَلَف العُلَماءُ في كَونِ التَّوكيلِ بالقَبضِ توكيلًا بالخُصومةِ، على قَولَينِ:
القَولُ الأوَّلُ: التَّوكيلُ بالقَبضِ يكونُ توكيلًا بالخُصومةِ [419] كأن يوكِّلَ بقَبضِ حَقِّه من الغريمِ، فإذا جحَدَ الغريمُ يحِقُّ للوكيلِ أن يُقيمَ البَيِّنةَ على الغريمِ. ، وهو مَذهَبُ الحَنَفيَّةِ [420] وهو قولُ أبي حنيفةَ، وقال أبو يوسُفَ ومحمَّدُ بنُ الحَسَنِ: لا يكونُ وكيلًا بالخُصومةِ. ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (4/278)، ((البحر الرائق)) لابن نُجَيم (7/179)، ((الفتاوى الهندية)) (3/617). ويُنظَر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (6/25). ، والحَنابِلةِ [421] ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مُفلِح (4/257)، ((مطالب أولي النهى)) للرُّحَيباني (3/446). ، ووَجهٌ للشَّافِعيَّةِ مُقابِلَ الأصَحِّ [422] ((فتح العزيز بشرح الوجيز)) للرافعي (11/36)، ((روضة الطالبين)) للنووي (4/309). .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّه لا يتوَصَّلُ إلى القَبضِ إلَّا بالتَّثبُّتِ، فكان إذنًا فيه عُرفًا؛ لأنَّ القَبضَ لا يَتِمُّ إلَّا به، فمَلَكَه كما لو وكَّله في شِراءِ شَيءٍ مَلَك تسليمَ ثَمَنِه [423] ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مُفلِح (4/257). .
ثانيًا: لأنَّ التَّوكيلَ بالقَبضِ توكيلٌ باستيفاءِ عَينِ الحَقِّ لا بالمبادَلةِ؛ لأنَّ عينَه مقدورُ الاستيفاءِ، فلا يَملِكُ الخُصومةَ فيها إلَّا بأمرٍ جديدٍ [424] ((بدائع الصنائع)) للكاساني (6/25). .
القَولُ الثَّاني: التَّوكيلُ بالقَبضِ لا يكونُ توكيلًا بالخُصومةِ، وهو مَذهَبُ المالِكيَّةِ [425] ((مواهب الجليل)) للحطاب (7/179). ويُنظَر: ((التنبيهات المستنبطة)) للقاضي عياض (3/1671). ، والشَّافِعيَّةِ [426] ((فتح العزيز بشرح الوجيز)) للرافعي (11/36)، ((روضة الطالبين)) للنووي (4/309). ، وقولُ أبي يوسُفَ ومحمَّدِ بنِ الحَسَنِ مِن الحَنَفيَّةِ [427] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (4/278)، ((الفتاوى الهندية)) (3/617). ويُنظَر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (6/25). ، ووَجهٌ عِندَ الحَنابِلةِ [428] ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مُفلِح (4/257). ، وهو اختيارُ ابنِ عُثَيمين [429] قال ابنُ عُثَيمين: (إذا وكَّله في القبضِ فإنَّه لا يملِكُ الخُصومةَ إلَّا إذا قال: وإن احتجْتَ إلى خُصومةٍ فخاصِمْ، فإذا وكَّله في القبضِ ثمَّ ذهب إلى الغريمِ، وقال: ليس عندي شيءٌ، فهنا يرجِعُ إلى مُوَكِّلِه ويقولُ: الرَّجُلُ أنكَر، فهل توكِّلُني أن أخاصِمَ أو توكِّلُ غيري؟ لأنَّ الإنسانَ ليس مُلزَمًا إذا وكِّلَ في شيءٍ أن يُتِمَّه؛ لأنَّ الوَكالةَ عقدٌ جائزٌ، فإذا طَلَب الحَقَّ وقال المحقوقُ: ليس عندي لموكِّلِك شيءٌ، يجِبُ أن يتوقَّفَ ولا يخاصِمَ؛ لأنَّه قد يخاصِمُ فيُغلَبُ، والحقُّ معه؛ لأن صاحِبَه خَصمٌ لَدودٌ، وهو ضعيفٌ، فنقولُ: الوكيلُ في القبضِ لا يملِكُ الخُصومةَ إلَّا بإذنٍ خاصٍّ). ((الشرح الممتع)) (9/385). .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّهما مَعْنيانِ مختَلِفانِ؛ فالوكيلُ في أحَدِهما لا يكونُ وكيلًا في الآخَرِ، وكعَكسِه [430] ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مُفلِح (4/257). .
ثانيًا: لأنَّ التَّوكيلَ بقَبضِ الدَّينِ توكيلٌ باستيفاءِ عينِ الحَقِّ، فلا يتعَدَّى إلى الخُصومةِ [431] ((بدائع الصنائع)) للكاساني (6/25). .
ثالثًا: لأنَّ القَبضَ غيرُ الخُصومةِ، فلم يكُنِ الرِّضا بالقَبضِ رِضًا بالخُصومةِ؛ إذ ليس كُلُّ مَن يؤتَمَنُ على المالِ يهتدي إليها [432] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (4/278). .

انظر أيضا: