الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الأوَّلُ: انعقادُ الكَفالةِ والضَّمانِ بما يدُلُّ على الالتِزامِ


تنعَقِدُ الكَفالةُ والضَّمانُ بكُلِّ صيغةٍ تَدُلُّ على الالتِزامِ [36] كأن يقولَ: أنا ضامِنُ فُلانٍ، أو ضمانُه عَلَيَّ، أو أنا زعيمٌ، أو أنا حميلٌ، أو تكفَّلْتُ ببَدَنِ فلانٍ، ونحوِه. وأمَّا ما لا يَدُلُّ على الالتزامِ فلا تنعَقِدُ به الكَفالةُ والضَّمانُ، كأن يقولَ: أؤدِّي المالَ، أو يقولَ: أُحضِرُ الشَّخصَ. نصَّ عليه الحَنَفيَّةُ، والشَّافعيَّةُ، والحَنابِلةُ. يُنظَر: ((حاشية ابن عابدين)) (5/303)، ((روضة الطالبين)) للنَّوَوي (4/260)، ((كَشَّاف القِناع)) للبُهُوتي (3/363). وذهَب ابنُ تَيميَّةَ وابنُ القَيِّمِ وابنُ بازٍ وابنُ عُثَيمين وغيرُهم: إلى أنَّه ينعَقِدُ بكُلِّ لفظٍ يَدُلُّ عليه: قال ابنُ تَيميَّةَ: (التَّحقيقُ أنَّ المتعاقِدَينِ إن عَرَفا المقصودَ انعقَدَت، فأيُّ لفظٍ من الألفاظِ عَرَف به المتعاقِدان مقصودَهما انعقد به العقدُ، وهذا عامٌّ في جميعِ العقودِ؛ فإنَّ الشارعَ لم يَحُدَّ في ألفاظِ العقودِ حَدًّا، بل ذكَرها مُطلَقةً، فكما تنعَقِدُ العقودُ بما يَدُلُّ عليها من الألفاظِ الفارسيَّةِ والرُّوميَّةِ وغيرِهما من الألسُنِ العَجَميَّةِ، فهي تنعَقِدُ بما يدُلُّ عليها من الألفاظِ العَرَبيَّةِ). ((مجموع الفتاوى)) (20/533). وقال ابنُ القَيِّمِ: (وأمَّا العُقودُ والمعامَلاتُ فإنَّما يُتَّبَعُ مَقاصِدُها والمرادُ منها بأيِّ لفظٍ كان؛ إذْ لم يَشرَعِ اللهُ ورسولُه لنا التَّعَبُّدَ بألفاظٍ مُعَيَّنةٍ لا نتعَدَّاها). ((إعلام الموقعين)) (1/ 221).  وقال ابنُ بازٍ: (ومن محاسِنِ هذه الشَّريعةِ وعَظَمتِها وصلاحِها لكُلِّ أمَّةٍ ولكُلِّ زمانٍ ومكانٍ: أنْ عَلَّق سُبحانَه وتعالى معامَلاتِهم على جِنسِ العُقودِ وجِنسِ البيعِ وجِنسِ الإجارةِ ونحوِ ذلك، من دونِ أن يحَدِّدَ لهذه العقودِ ألفاظًا مُعَيَّنةً خاصَّةً؛ حتَّى يتعامَلَ كُلُّ قومٍ وكُلُّ أمَّةٍ بما تقتضيه عوائِدُهم وعُرفُهم ومقاصِدُهم ولُغتُهم، وما يقتضيه النَّظَرُ في العواقِبِ؛ فجَعَل لمعاملاتِهم عُقودًا شرَعَها لهم سُبحانَه وتعالى، ولم يحَدِّدْ ألفاظًا، بل جعَلَها مُطلَقةً). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (2/ 240). وقال ابنُ عُثَيمين: (فالقاعِدةُ أنَّ جميعَ العُقودِ تنعَقِدُ بما دَلَّ عليها عُرفًا، سواءٌ كانت باللَّفظِ الوارِدِ أو بغيرِ اللَّفظِ الوارِدِ، وسواءٌ كان ذلك في النِّكاحِ أو في غيرِ النِّكاحِ، هذا هو القولُ الصَّحيحُ). ((الشرح الممتع)) (12/ 40). ، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ [37] ((العناية شرح الهداية)) للبابَرْتي (7/ 166)، ((حاشية ابن عابدين)) (5/ 286). ، والمالِكيَّةِ [38] ((الشرح الصغير للدَّرْدير مع حاشية الصَّاوي)) (3/ 431). ، والشَّافِعيَّةِ [39] ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (5/ 267). ، والحَنابِلةِ [40] ((كَشَّاف القِناع)) للبُهُوتي (3/ 363). ؛ وذلك لأنَّها تُشعِرُ بإلزامِ الذِّمَّةِ بحَقٍّ [41] يُنظَر: ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (5/ 267)، ((كَشَّاف القِناع)) للبُهُوتي (3/ 363)، ((الشرح الصغير للدَّرْدير مع حاشية الصَّاوي)) (3/ 431). .

انظر أيضا: