موسوعة الأخلاق والسلوك

حادِيَ عَشَرَ: مَسائِلُ مُتفَرِّقةٌ


الرَّزانةُ والوَقارُ وَسَطٌ بَيْنَ طرَفَينِ:
قال ابنُ الأثيرِ: (كُلُّ خَصلةٍ محمودةٍ فإنَّ لها طرَفَينِ مذمومَينِ، مِثلُ أنَّ السَّخاءَ وَسَطٌ بَيْنَ البُخلِ والتَّبذيرِ، والشَّجاعةَ وَسَطٌ بَيْنَ الجُبنِ والتَّهَوُّرِ، والإنسانُ مأمورٌ أن يتجَنَّبَ كُلَّ وَصفٍ مذمومٍ) [9840] ((جامع الأصول)) (1/318). .
وقال الغَزاليُّ: (الوَقارُ وَسَطٌ بَيْنَ الكِبرِ والتَّواضُعِ) [9841] ((ميزان العمل)) للغزالي (ص: 277) بتصرُّفٍ. .
ولذلك أمَر الإسلامُ الإنسانَ بأن يَسلُكَ مَسلَكَ التَّعقُّلِ والرَّزانةِ، بحيثُ لا يكونُ لَيِّنًا فيُعصَرَ، ولا يابسًا فيُكسَرَ.
وسُئِل حكيمٌ: ما العقلُ؟ فقال: (سَدادٌ، وعَقَد بَيْنَ ثلاثةٍ وعِشرينَ شيئًا، فلولا هذه العقودُ لاختلَط الجيِّدُ بالرَّديءِ. أوَّلًا: هو عَقدٌ بَيْنَ التَّوحيدِ والشِّركِ، وبَينَ الإيمانِ والكُفرِ، وبَينَ الحِقدِ والتَّهَوُّرِ، وبَينَ الإسلامِ والغَفلةِ، وبَينَ اليقينِ والشَّكِّ، وبَينَ العافيةِ والبلاءِ، وبَينَ الكَرَمِ والبُخلِ، وبَينَ حُسنِ الخُلُقِ والقباحةِ، وبَينَ التَّواضُعِ والتَّكبُّرِ، وبَينَ الصَّداقةِ والعداوةِ، وبَينَ العِلمِ والجَهلِ، وبَينَ الحياءِ والوقاحةِ، وبَينَ الحَقِّ والباطِلِ، وبَينَ الرَّزانةِ والخِفَّةِ، وبَينَ الظُّلمةِ والضِّياءِ، وبَينَ الكَرامةِ والذِّلَّةِ، وبَينَ الطَّاعةِ والمعصيةِ، وبَينَ ذِكرِ اللهِ تعالى والغَفلةِ، وبَينَ النَّصيحةِ والحَسَدِ، وبَينَ السُّنَّةِ والبِدعةِ، وبَينَ الرَّحمةِ والقَساوةِ، وبَينَ الحِلمِ والحُمقِ) [9842] ((التبر المسبوك في نصيحة الملوك)) لأبي حامد الغزالي (ص: 121). .
الفَرقُ بَيْنَ الوَقارِ والهَيبةِ وبَينَ الكِبرِ:
قال ابنُ قَيِّمِ الجَوزيَّةِ: (الفَرْقُ بَيْنَ المهابةِ والكِبرِ: أنَّ المهابةَ أثَرٌ من آثارِ امتلاءِ القَلبِ بعَظَمةِ اللهِ ومحبَّتِه وإجلالِه، فإذا امتلأ القلبُ بذلك حَلَّ فيه النُّورُ، ونزلت عليه السَّكينةُ، وأُلبِسَ رداءَ الهَيبةِ؛ فاكتسى وجهُه الحلاوةَ والمهابةَ، فأخذ بمجامِعِ القُلوبِ محبَّةً ومهابةً، فحنَّت إليه الأفئِدةُ، وقرَّت به العيونُ، وأَنِسَت به القُلوبُ؛ فكلامُه نورٌ، ومَدخَلُه نورٌ، ومخرَجُه نورٌ، وعَمَلُه نورٌ، وإنْ سَكَت علاه الوَقارُ، وإن تكَلَّم أخَذ بالقُلوبِ والأسماعِ.
وأمَّا الكِبرُ فأثَرٌ من آثارِ العُجْبِ والبَغيِ مِن قَلبٍ قد امتلأَ بالجَهلِ والظُّلمِ، ترحَّلَت منه العُبوديَّةُ، ونزل عليه المَقْتُ؛ فنظَرُه إلى النَّاسِ شَزْرٌ، ومَشيُه بَيْنَهم تَبختُرٌ، ومعاملتُه لهم معاملةُ الاستِئثارِ لا الإيثارِ ولا الإنصافِ، ذاهِبٌ بنَفسِه تِيهًا، لا يبدَأُ مَن لَقِيَه بالسَّلامِ، وإن رَدَّ عليه رأى أنَّه قد بالَغ في الإنعامِ عليه، لا ينطَلِقُ لهم وَجهُه، ولا يَسَعُهم خُلُقُه، ولا يرى لأحدٍ عليه حقًّا، ويرى حقوقَه على النَّاسِ، ولا يرى فَضْلَهم عليه، ويرى فَضْلَه عليهم، لا يزدادُ من اللهِ إلَّا بُعدًا، ومن النَّاسِ إلَّا صَغارًا وبُغضًا) [9843] ((الروح)) (ص: 235، 236). .
الوَقارُ من آدابِ العالِمِ والمُتعَلِّمِ:
قال الغَزاليُّ: (آدابُ العالِمِ: الاحتمالُ، ولُزومُ الحِلمِ، والجُلوسُ بالهَيبةِ على سَمتِ الوَقارِ مع إطراقِ الرَّأسِ، وتَركُ التَّكبُّرِ على جميعِ العِبادِ إلَّا على الظَّلَمةِ؛ زَجرًا لهم عن الظُّلمِ، وإيثارًا للتواضُعِ في المحافِلِ والمجالِسِ، وتَركُ الهَزلِ والدُّعابةِ، والرِّفقُ بالمتعَلِّمِ، والتَّأنِّي بالمتعَجرِفِ، وإصلاحُ البليدِ بحُسنِ الإرشادِ، وتَركُ الحَرَدِ عليه، ومُؤاخَذةُ نَفسِه أوَّلًا بالتَّقوى؛ ليقتديَ المتعَلِّمُ أوَّلًا بأعمالِه، ويستفيدَ ثانيًا من أقوالِه) [9844] ((بداية الهداية)) (1/21). .
وقال أبو جَعفَرٍ أحمدُ بنُ أبي سُلَيمانَ الصَّوَّافُ مُوصِيًا طالِبَ العِلمِ: (يا طالِبَ العِلمِ، إذا طلَبْتَ العِلمَ فاتَّخِذْ له قَبلَ طَلَبِه أدَبًا تستعينُ به على طَلَبِه، واتَّخِذْ له بعدَ طَلَبِه أدَبًا تستعينُ به على حَملِه. ومن أدَبِ العِلمِ: الحِلمُ، والحِلمُ كَظمُ الغَيظِ‍، وأن يَغلِبَ عِلمُك وحِلمُك هواك إذا دعاك إلى ما يَشينُك. وعليك بالوَقارِ والتَّعفُّفِ، والرَّزانةِ والصِّيانةِ، والصَّمتِ والسَّمتِ الحَسَنِ، والتَّودُّدِ إلى النَّاسِ، ومجانَبةِ مَن لا خيرَ فيه، والجُلوسِ مع الفُقَهاءِ، ومحبَّةِ الأخيارِ، ومُنابَذةِ الأشرارِ، والقَولِ الحَسَنِ في إخوانِك، والكَفِّ عمَّن ظَلَمك، ولا تهمِزْ أحَدًا بقولٍ ولا تَلمِزْه، ولا تَقُلْ فيه ولو كان عدُوَّك، فإن فعَلْتَ ذاك شَرُفْتَ عِندَ العُقَلاءِ، وعرَفَت حَقَّك الجُلَساءُ، ولحِقْتَ بالعُلَماءِ، وهابك السُّفَهاءُ، وحَلَلْتَ محلَّ الأبرارِ، وبَرِئتَ من الأشرارِ؛ فافهَمْ وتفَهَّمْ، واستَعِنْ باللهِ يُعِنْك) [9845] يُنظَر: ((رياض النفوس في طبقات علماء القيروان وإفريقية)) لأبي بكر المالكي (1/ 506). ويُنظَر: ((ترتيب المدارك)) للقاضي عياض (4/ 369). .
- وقيل: (الوَقارُ في النُّزهةِ سُخْفٌ) [9846] ((مفيد العلوم ومبيد الهموم)) لأبي بكر الخوارزمي (ص: 385). .
- وقال ذو النُّونِ: (ثلاثةٌ من أعلامِ الوَقارِ: تعظيمُ الكبيرِ، والتَّرحُّمُ على الصَّغيرِ، والتَّحَلُّمُ على الوَضيعِ) [9847] رواه البيهقي في ((شعب الإيمان)) (10989). .

انظر أيضا: