موسوعة التفسير

سُورةُ الشَّمسِ
الآيات (11-15)

ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ

غريب الكلمات:

بِطَغْوَاهَا: أي: بِطُغْيانِها، والطَّغْوى: اسمٌ مِن الطُّغْيانِ، وأصْلُه مُجاوَزةُ الحَدِّ في العِصْيانِ [65] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 530)، ((تفسير ابن جرير)) (24/446)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/412)، ((الوسيط)) للواحدي (4/498)، ((المفردات)) للراغب (ص: 520)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 455)، ((تفسير القرطبي)) (20/78). .
انْبَعَثَ: أي: نَهَض، وخَرَج بسُرعةٍ ونَشاطٍ، والانبِعاثُ هو الإسْراعُ فِي الطَّاعةِ للباعِثِ، وأصلُ (بعث): الإِثارةُ [66] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 530)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 116)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/266)، ((تفسير القرطبي)) (20/78)، ((تفسير ابن جزي)) (2/487). .
فَعَقَرُوهَا: أي: نَحَروها وقَتَلوها، وأصلُ (عقر): يدُلُّ على جَرْحِ شَيْءٍ [67] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/90)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 113)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 662). قال ابنُ عاشور: (العَقرُ: أصلُه: ضَربُ البَعيرِ بالسَّيفِ على عراقيبِه؛ لِيَسقُطَ إلى الأرضِ جاثيًا، فيتَمكَّنَ النَّاحِرُ مِن نَحْرِه، وغلَب إطلاقُه على قتلِ البعيرِ ...). ((تفسير ابن عاشور)) (27/202). .
فَدَمْدَمَ: أي: دَمَّر عليهم وأهلَكَهم، والدَّمْدَمةُ: إهلاكٌ باستئصالٍ، ودَمدَمَ مُكَرَّرُ دَمَّمَ؛ للمُبالَغةِ، وأصلُ (دمم): يدُلُّ على غِشْيانِ الشَّيءِ، ومنه الدَّمْدَمةُ بمعنى الإهلاكِ، وذلك لِمَا غَشَّاهم به مِن العذابِ، والإهلاكِ [68] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/260)، ((المفردات)) للراغب (ص: 318)، ((تفسير البغوي)) (8/440)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 455)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 465)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/375). .
عُقْبَاهَا: أي: عاقِبَتَها وتَبِعَتَها، وأصلُ (عقب) هنا: يدُلُّ على تأخيرِ شَيءٍ، وإتيانِه بَعْدَ غَيرِه [69] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/77)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 455)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 661). .

مشكل الإعراب:

قَولُه تعالى: فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا
قَولُه تعالى: نَاقَةَ اللَّهِ: مَنصوبٌ على التَّحذيرِ بفِعلٍ محذوفٍ، أي: احْذَروا ناقةَ اللهِ، وجملةُ «احذَروا ناقةَ اللهِ» في محَلِّ نَصبٍ مَقولُ القَولِ [70] يُنظر: ((التبيان في إعراب القرآن)) للعكبري (2/1290)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (11/24)، ((الجدول في إعراب القرآن)) لمحمود صافي (30/342). .

 المعنى الإجمالي:

يقولُ تعالى مُبيِّنًا ما حَلَّ بالمكَذِّبينَ السَّابِقينَ: كذَّبتْ ثَمودُ بالحَقِّ الَّذي جاءَهم به رَسولُهم صالحٌ عليه السَّلامُ؛ بسَبَبِ طُغْيانِهم، حينَ نَهَض أشقى قَومِ ثَمودَ لعَقرِ النَّاقةِ، فقال لهم رَسولُهم صالحٌ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: احذَروا ناقةَ اللهِ أن تَمَسُّوها بسُوءٍ، واحذَروا أن تمنَعوها مِن شُربِ الماءِ في يَومِها الَّذي جعَلَه اللهُ نصيبًا لها، فكَذَّبوا نَبيَّهم صالِحًا؛ فذبَحوا النَّاقةَ كُفرًا وعِنادًا، فأطبَقَ اللهُ على ثَمودَ العُقوبةَ بسبَبِ عَقْرِهم النَّاقةَ، فسَوَّى بيْنَهم جميعًا في الهَلاكِ، وعَمَّهم بالعذابِ، ولا يَخافُ اللهُ سُبحانَه ما يكونُ مِن عاقِبةِ وتَبِعةِ إهلاكِه لثَمودَ.

تفسير الآيات:

كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا (11).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا ذَكَر تعالى خَيبةَ مَن دَسَّى نَفْسَه؛ ذكَرَ فِرقةً فعَلَت ذلك؛ ليُعتبَرَ بهم [71] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (10/489). .
كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا (11).
أي: كذَّبت ثمودُ بالحَقِّ الَّذي جاءَهم به رَسولُهم صالحٌ عليه السَّلامُ؛ بسَبَبِ طُغيانِهم [72] يُنظر: ((الوسيط)) للواحدي (4/498)، ((تفسير القرطبي)) (20/78)، ((تفسير أبي حيان)) (10/489)، ((تفسير ابن كثير)) (8/413)، ((تفسير السعدي)) (ص: 926)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/372)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 223، 224). .
كما قال تعالى: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [فصلت: 17] .
إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا (12).
أي: حينَ نَهَض أشقى قومِ ثَمودَ لعَقرِ النَّاقةِ الَّتي جعَلَها اللهُ آيةً عَظيمةً لهم [73] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/448)، ((تفسير الرازي)) (31/179)، ((تفسير القرطبي)) (20/78)، ((تفسير ابن كثير)) (8/414)، ((تفسير الشوكاني)) (5/547، 548)، ((تفسير السعدي)) (ص: 926)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 224). قال الشوكاني: (إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا العامِلُ في الظَّرفِ كَذَّبَتْ، أو بِطَغْوَاهَا). ((تفسير الشوكاني)) (5/547). .
كما قال تعالى: وَآَتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا [الإسراء: 59] .
وقال سُبحانَه: إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ * وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ * فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ [القمر: 27 - 29].
وعن عبدِ اللهِ بنِ زَمْعةَ رضيَ الله عنه، قال: ((خطَبَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فذكَرَ النَّاقةَ، وذكَرَ الَّذي عقَرَها، فقال: إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا: انبَعَث بها رجُلٌ عزيزٌ عارِمٌ مَنيعٌ في رَهْطِه، مِثلُ أبي زَمْعةَ [74] العَزيزُ: الغالِبُ القَليلُ المِثْلِ. والعارِمُ: الجَبَّارُ الصَّعْبُ على مَن يُريدُه. والمَنيعُ في رَهْطِه: المُمتَنِعُ بسُلطانِه وعَشيرتِه. وأبو زَمْعةَ: هو الأسوَدُ بنُ المُطَّلِبِ بنِ أسَدِ بنِ عَبدِ العُزَّى، وهو جَدُّ عَبدِ اللهِ بنِ زَمْعةَ بنِ الأسودِ؛ راوي الحديثِ المَذْكورِ، وكان الأسْوَدُ أحدَ المُستَهزِئينَ برَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومات على كُفْرِه بمكَّةَ، وقُتِلَ ابنُه زَمْعةَ يومَ بَدرٍ كافِرًا أيضًا. يُنظر: ((المفهم لما أَشْكَل من تلخيص كتاب مسلم)) لأبي العباس القرطبي (7/429)، ((فتح الباري)) لابن حجر (1/296). ) [75] رواه البخاريُّ (4942)، ومسلمٌ (2855) واللَّفظُ له. .
فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (13).
أي: فقال لهم رَسولُ اللهِ صالحٌ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: احذَروا ناقةَ اللهِ أن تَمَسُّوها بسُوءٍ، واحذَروا أن تَمنَعوها مِن شُربِ الماءِ في يَومِها الَّذي جعَلَه اللهُ نَصيبًا لها [76] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/449)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 1207)، ((تفسير القرطبي)) (20/78)، ((تفسير ابن كثير)) (8/414). .
كما قال تعالى: وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [الأعراف: 73] .
وقال سُبحانَه: قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ * وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ [الشعراء: 155-156] .
وقال عزَّ وجَلَّ: وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ [القمر: 28].
فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14).
فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا.
أي: فكَذَّب كُفَّارُ ثمودَ نَبيَّهم صالِحًا؛ فذبَحوا النَّاقةَ كُفرًا وعِنادًا [77] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/449)، ((الوسيط)) للواحدي (4/500)، ((تفسير القرطبي)) (20/79)، ((تفسير ابن كثير)) (8/414)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 224). قال ابنُ جريرٍ: (فكَذَّبوا صالحًا في خبرِه الَّذي أخبَرَهم به مِن أنَّ اللهَ الَّذي جَعَل شِرْبَ النَّاقةِ يومًا، ولهم شِرْبُ يومٍ معلومٍ، وأنَّ اللهَ يُحِلُّ بهم نِقمَتَه إنْ هم عَقَروها... وقد يحتَمِلُ أن يكونَ التَّكذيبُ بالعَقْرِ). ((تفسير ابن جرير)) (24/449). وقال الواحِديُّ: (فكَذَّبوه بتَحذيرِه إيَّاهم العَذابَ بعَقْرِها، فعَقَروها). ((الوسيط)) (4/500). وقال ابنُ كثيرٍ: (كَذَّبوه فيما جاءهم به؛ فأعقَبَهم ذلك أنْ عَقَروا النَّاقةَ). ((تفسير ابن كثير)) (8/ 414). .
كما قال الله تبارك وتعالى: فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ * فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ [الأعراف: 77-78] .
فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا.
أي: فأطبَقَ اللهُ على ثَمودَ العُقوبةَ بسبَبِ عَقْرِهم النَّاقةَ، فسَوَّى بيْنَهم جميعًا في الهَلاكِ، وعَمَّهم بالعذابِ؛ فلم يَنْجُ منهم أحَدٌ [78] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/450)، ((معاني القرآن)) للزجاج (5/333)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 1207)، ((تفسير ابن عطية)) (5/489)، ((تفسير القرطبي)) (20/79)، ((تفسير السعدي)) (ص: 926)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 224، 225). قال ابنُ جُزَي: (فَدَمْدَمَ عبارةٌ عن إنزالِ العَذابِ بهم، وفيه تهويلٌ بِذَنْبِهم، أي: بسَبَبِ ذَنْبِهم، وهو التَّكذيبُ أو عَقْرُ النَّاقةِ فَسَوَّاهَا قال ابنُ عَطيَّةَ: معناه: فسَوَّى القَبيلةَ في الهلاكِ، لم يُفلِتْ أحَدٌ منهم. وقال الزَّمَخْشريُّ: الضَّميرُ للدَّمْدَمةِ، أي: سوَّاها بيْنَهم). ((تفسير ابن جزي)) (2/487). ويُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/761)، ((تفسير ابن عطية)) (5/489). قال ابنُ عاشور: (المرادُ بهذه الدَّمْدَمةِ صوتُ الصَّاعقةِ والرَّجفةِ الَّتي أُهلِكوا بها... وقال أكثَرُ المفسِّرينَ: دَمْدَمَ عليهم: أطبَقَ عليهم الأرضَ... ومَن فَسَّروا «دَمْدَمَ» بمعنى: أطبَقَ عليهم الأرضَ، قالوا: معنى «سَوَّاها»: جعَلَ الأرضَ مُستويةً عليهم، لا تظهَرُ فيها أجسادُهم ولا بلادُهم، وجعَلوا ضميرَ المؤنَّثِ عائدًا إلى الأرضِ المفهومةِ مِن فِعْلِ «دمدم»). ((تفسير ابن عاشور)) (30/375). ويُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (22/83). وقال الماوَرْديُّ: (فَسَوَّاهَا فيه وَجهانِ؛ أحَدُهما: فسَوَّى بيْنَهم في الهلاكِ، قاله السُّدِّيُّ، ويحيى بنُ سلَّامٍ. الثَّاني: فسوَّى بهم الأرضَ، ذكَرَه ابنُ شَجَرةَ. ويحتَمِلُ ثالثًا: فسوَّى مَن بَعْدَهم مِنَ الأُمَمِ). ((تفسير الماوردي)) (6/285). ممَّن اختار القَولَ الأوَّلَ: ابنُ جَريرٍ، والسَّمَرْقَنديُّ، والثَّعْلبيُّ، ومَكِّيٌّ، والواحِديُّ، والبَغَويُّ، والزَّمَخْشريُّ، وابنُ الجَوزيِّ، والرَّسْعَنيُّ، والنَّسَفيُّ، والخازِنُ، وابنُ كثيرٍ، وجلالُ الدِّينِ المحلِّي، والبِقاعيُّ، والعُلَيميُّ، وابنُ عثُيَمين. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/450)، ((تفسير السمرقندي)) (3/586)، ((تفسير الثعلبي)) (10/215)، ((الهداية إلى بلوغ النهاية)) لمكي (12/8303)، ((الوسيط)) للواحدي (4/500)، ((تفسير البغوي)) (5/261)، ((تفسير الزمخشري)) (4/761)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 455)، ((تفسير الرسعني)) (8/651)، ((تفسير النسفي)) (3/649)، ((تفسير الخازن)) (4/433)، ((تفسير ابن كثير)) (8/414)، ((تفسير الجلالين)) (ص: 810)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (22/83)، ((تفسير العليمي)) (7/376)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 225). وقال مقاتِلُ بنُ سُلَيمانَ: (قَولُه: فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا يعني: فسَوَّى بيوتَهم على قُبورِهم). ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (4/714). .
كما قال تعالى: وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ * كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ [هود: 67-68] .
وقال سُبحانَه: فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ [الحجر: 83] .
وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا (15).
أي: ولا يَخافُ اللهُ ما يكونُ مِن عاقِبةِ وتَبِعةِ إهلاكِه لثَمودَ [79] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (20/79)، ((تفسير ابن جزي)) (2/487)، ((تفسير ابن كثير)) (8/415)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 225). قال ابنُ كثيرٍ: (قال ابنُ عبَّاسٍ: لا يَخافُ اللهُ مِن أحَدٍ تَبِعةً. وكذا قال مجاهِدٌ، والحَسَنُ، وبَكرُ ابنُ عبدِ اللهِ المُزَنيُّ، وغَيرُهم. وقال الضَّحَّاكُ والسُّدِّيُّ: وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا أي: لم يخَفِ الَّذي عَقَرها عاقِبةَ ما صنَعَ. والقَولُ الأوَّلُ أَوْلى؛ لدَلالةِ السِّياقِ عليه. واللهُ أعلَمُ). ((تفسير ابن كثير)) (8/415). .

الفوائد التربوية:

في قَولِه تعالى: فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ تخويفٌ مِن عاقِبةِ الذُّنوبِ [80] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (10/490). ، وإنذارٌ عَظيمٌ بعاقِبةِ الذَّنْبِ، فعلى كلِّ مُذنبٍ أنْ يَعتبِرَ ويَحذَرَ [81] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/761). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قال تعالى: نَاقَةُ اللَّهِ والمضافُ إلى الله سبحانَه نوعانِ: صفاتٌ لا تقومُ بأنفسِها، كالعِلمِ والقُدرةِ والكلامِ والسَّمعِ والبصرِ، فهذه إضافةُ صفةٍ إلى الموصوفِ بها، فعلمُه وكلامُه وإرادتُه وقدرتُه وحياتُه صفاتٌ له غيرُ مخلوقةٍ، وكذلك وجهُه ويدُه سبحانَه.
والثاني: إضافةُ أعيانٍ منفصلةٍ عنه، كالنَّاقةِ والبيتِ والعبدِ والرَّسولِ والرُّوحِ، فهذه إضافةُ مخلوقٍ إلى خالقِه، ومصنوعٍ إلى صانعِه، لكنَّها إضافةٌ تقتضي تخصيصًا وتشريفًا يتميَّزُ به المضافُ عن غيرِه، كبيتِ الله، وإن كانت البيوتُ كلُّها مِلكًا له، وكذلك ناقةُ الله، والنُّوقُ كلُّها مِلكُه وخلقُه، لكنْ هذه إضافةٌ إلى إلهيتِه تقتضي محبتَه لها وتكريمَه وتشريفَه، بخلافِ الإضافةِ العامَّةِ إلى ربوبيتِه حيثُ تقتضي خلقَه وإيجادَه [82] يُنظر: ((الروح)) لابن القيم (ص: 154). .
2- في قَولِه تعالى: فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ أنَّ القومَ لَمَّا كانوا راضِينَ، ونادَوا العاقِرَ فعَقَرَها وَحْدَه؛ كان هذا باسمِ الجَميعِ [83] يُنظر ما يأتي في البلاغةِ (ص: 394). ، فكانت العقوبةُ باسمِ الجَميعِ، ويؤخَذُ مِن هذا قَتْلُ الجماعةِ بالواحِدِ، وعقوبةُ الرَّبيئةِ [84] الرَّبِيئة: هو العَينُ والطَّليعةُ الَّذي يَنظُرُ للقَومِ؛ لئَلَّا يَدهَمَهم عَدُوٌّ. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (2/179). مع الجاني [85] يُنظر: ((تتمة أضواء البيان)) لعطية سالم (8/543). قال الشِّنقيطيُّ: (اللهُ مَرَّةً نَسَب العَقْرَ إلى واحِدٍ، وهو قَولُه: فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ، وتارةً نسَبَ العَقْرَ إلى الجَميعِ؛ قالوا: لأنَّهم كُلَّهم متمالِئون، وأنَّه لم يذهَبْ لعَقْرِها حتَّى اتَّفَق جميعُهم، حتَّى إنَّه لَيستأذِنُ المرأةَ في خِدْرِها، فتقولُ: نعم. فوافقوا جميعًا على عَقْرِها، والمتمالِئونَ على شَيءٍ المتَّفِقون عليه، كأنَّهم فَعَلوه كُلُّهم، وإنْ كان المباشِرُ واحِدًا منهم. هكذا قاله بعضُ العُلَماءِ، مع أنَّ عادةَ اللُّغةِ العرَبيَّةِ إسنادُ الفِعْلِ للنَّاسِ وفاعِلُه بَعْضُهم، وهو معروفٌ في كلامِ العَرَبِ، وكثيرٌ في القُرآنِ العظيمِ). ((العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير)) (3/517). ويُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/450). .
3- الإنسانُ يُصابُ بالمصائبِ مِن عندِ نفْسِه؛ لهذا قال تعالى: فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ، أي: بسبَبِ ذَنْبِهم [86] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 225). .

بلاغة الآيات:

1- قولُه تعالَى: كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا * إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا
- إنْ كانت جُملةُ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ... [الشمس: 9] إلخ مُعترِضةً، كانتْ جُملةُ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا جَوابًا للقَسَمِ باعتِبارِ ما فُرِّعَ عليها بقولِه: فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ، أي: حقًّا لقدْ كان ذلِك لذلِك. ولامُ الجوابِ مَحذوفٌ تَخفيفًا لاستِطالةِ القسَمِ، والمَقصودُ التَّعريضُ بتَهديدِ المُشركين الَّذين كذَّبوا الرَّسولَ طُغيانًا هم يَعلَمونه مِن أنفُسِهم، كما كذَّبَت ثَمودُ رَسولَهم طُغيانًا، وذلك هو المحتاجُ إلى التَّأكيدِ بالقسَمِ؛ لأنَّ المشرِكين لم يَهْتَدوا إلى أنَّ ما حلَّ بثَمودَ مِن الاستِئصالِ كان مِن أجْلِ تَكذيبِهم رَسولَ اللهِ إليهم، فنَبَّهَهم اللهُ بهذا ليَتدَبَّروا، أو لتَنزيلِ عِلْمِ مَن عَلِمَ ذلك منهم مَنزِلةَ الإنكارِ؛ لعدمِ جَرْيِ أمْرِهم على مُوجَبِ العِلمِ، فكأنَّه قيل: أُقسِمُ لَيُصيبُكم عَذابٌ كما أصاب ثَمودَ. وإنْ كانت جُملةُ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا جَوابَ القسَمِ، فجُملةُ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا في مَوقعِ الدَّليلِ لمَضمونِ جُملةِ وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا، أي: خاب كخَيبةِ ثَمودَ [87] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/371، 372). .
- وقيل: قولُه: كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا كَلامٌ مُستأنَفٌ مَسوقٌ لتَقريرِ ما ذُكِرَ مِن فَلاحِ مَن زكَّى نفْسَه، أو زكَّاها اللهُ، وخَيْبةِ مَن دسَّى نفْسَه أو دسَّاها اللهُ [88] يُنظر: ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/497). .
- وفي قولِه: كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا فيه تَعريضٌ بتَنظيرِ مُشرِكي قُرَيشٍ في تَكذيبِهم بثَمودَ في أنَّ سَببَ تَكذيبِهم هو الطُّغيانُ والتَّكبُّرُ عن اتِّباعِ مَن لا يَرَون له فضْلًا عليهم [89] يُنظر: ((إعراب القرآن)) لدرويش (30/372، 373). .
- ومَفعولُ كَذَّبَتْ مَحذوفٌ؛ لدَلالةِ قولِه بعْدَه: فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ، والتَّقديرُ: كذَّبوا رسولَ اللهِ [90] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/372). .
- وكلٌّ مِن الطَّغوى والطُّغيانِ مَصدرٌ، والطُّغيانُ: فَرْطُ الكِبْرِ، لكنِ اختِيرَ التَّعبيرُ بالطَّغْوى؛ لأنَّه أشبَهُ برُؤوسِ الآيِ [91] يُنظر: ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/497). .
- قولُه: إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا (إِذْ) مُضافٌ إلى جُملةِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا، وقُدِّمَ ذِكرُ هذا الظَّرفِ عن مَوقعِه بعْدَ قولِه: فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ؛ لأنَّ انبعاثَ أشْقاها لعقْرِ النَّاقةِ جُزئيٌّ مِن جُزئيَّاتِ طَغْواهم، فهو أشدُّ تَعلُّقًا بالتَّكذيبِ المُسبَّبِ عن الطَّغْوى، ففي تَقديمِه قَضاءٌ لحقِّ هذا الاتِّصالِ، ولإفادةِ أنَّ انْبِعاثَ أشْقاهُم لعقْرِ النَّاقةِ كان عن إغراءٍ منهم إيَّاه، ولا يَفوتُ مع ذلك أنَّه وقَعَ بعْدَ أنْ قال لهم رسولُ اللهِ: نَاقَةَ اللَّهِ، ويُستفادُ أيضًا مِن قولِه: فَعَقَرُوهَا [92] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/373). وعلى القولِ بأنَّ الفاءَ في قولِه: فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ للتَّرتيبِ الذِّكريِّ المجرَّدِ؛ فلا ضرورةَ إلى اعتِبارِ الظَّرفِ -وهو إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا- مُقدَّمًا مِن تأخيرٍ كما سيأتي. .
- والتَّفضيلُ في الشَّقاوةِ أَشْقَاهَا؛ لأنَّ مَن تَولَّى العَقْرَ وباشَرَه كانت شَقاوتُه أظهَرَ وأبلَغَ [93] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/760). .
2- قولُه تعالَى: فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا
- الفاءُ في فَقَالَ عاطِفةٌ على كَذَّبَتْ، فتُفيدُ التَّرتيبَ والتَّعقيبَ، ويكونُ معْنى الكلامِ: كذَّبوا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فتَحدَّاهم بآيةِ النَّاقةِ، وحذَّرَهم مِن التَّعرُّضِ لها بسُوءٍ، ومِن مَنْعِهم شُرْبَها في نَوبتِها مِن السُّقيا. وعُطِفَ عليه فَكَذَّبُوهُ، أي: فيما أنْذَرَهم به، فعَقَروها بالتَّكذيبِ المذكورِ أوَّلَ مرَّةٍ غيرِ التَّكذيبِ المذكورِ ثانيًا، وهذا يَقْتضي أنَّ آيةَ النَّاقةِ أُرسِلَت لهم بعْدَ أنْ كذَّبوا، وهو الشَّأنُ في آياتِ الرُّسلِ، وهو ظاهرُ ما جاء في سُورةِ (هُودٍ)، ويجوزُ أنْ تكونَ الفاءُ للتَّرتيبِ الذِّكري المُجرَّدِ، وهي تُفيدُ عطْفَ مُفصَّلٍ على مُجمَلٍ، فيكونَ المعْنى: كذَّبَت ثَمودُ بطَغْواها إذ انبَعَث أشْقاها، ثمَّ فُصِّلَ ذلك بقولِه: فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ إلى قولِه: فَعَقَرُوهَا، والعقْرُ عندَ انبعاثِ أشْقاها، وعليه فلا ضَرورةَ إلى اعتبارِ الظَّرفِ -وهو إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا- مُقدَّمًا مِن تَأخيرٍ [94] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/373، 374). .
- وأُعِيدَت عليهم ضَمائرُ الجمْعِ باعتِبارِ أنَّهم جمْعٌ، وإنْ كانت الضَّمائرُ قبْلَه مُراعًى فيها أنَّ ثَمودَ اسمُ قَبيلةٍ [95] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/374). .
- وعُبِّرَ عن صالحٍ عليه السَّلامُ بعُنوانِ الرِّسالةِ رَسُولُ اللَّهِ؛ إيذانًا بوُجوبِ طاعتِه، وبَيانًا لغايةِ عُتُوِّهم وتَمادِيهم في الطُّغيانِ، وهو السِّرُّ في إضافةِ النَّاقةِ إلى اللهِ تعالَى في قولِه تعالَى: نَاقَةَ اللَّهِ [96] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (9/164). .
وأيضًا إضافةُ (ناقة) إلى اسمِ الجَلالةِ؛ لأنَّها آيةٌ جَعَلَها اللهُ على صِدقِ رِسالةِ صالحٍ عليه السَّلامُ، ولأنَّ خُروجَها لهم كان خارقًا للعادةِ [97] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/374). .
- والسُّقيا: اسمُ مَصدرِ (سَقى)، وهو مَعطوفٌ على التَّحذيرِ، أي: احْذَروا سَقْيَها، أي: احْذَروا غصْبَ سَقْيِها؛ فالكلامُ على حذْفِ مُضافٍ. أو أُطلِقَ السُّقيا على الماءِ الَّذي تُسْقى منه إطلاقًا للمصدرِ على المفعولِ، فيَرجِعُ إلى إضافةِ الحُكمِ إلى الذَّاتِ، والمرادُ: حالةٌ تُعرَفُ مِن المَقامِ؛ فإنَّ مادَّةَ سُقْيا تُؤذِنُ بأنَّ المُرادَ التَّحذيرُ مِن أنْ يَسْقوا إبلَهم مِن الماءِ الَّذي في يومِ نَوبتِها [98] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/374). .
3- قولُه تعالَى: فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا * وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا
- قولُه: فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا التَّكذيبُ المُعقَّبُ به تَحذيرُه إيَّاهم بقولِه: نَاقَةَ اللَّهِ تَكذيبٌ ثانٍ، وهو تَكذيبُهم بما اقتضاهُ التَّحذيرُ مِن الوعيدِ والإنذار بالعَذابِ إنْ لم يَحذَروا الاعتداءَ على تلك النَّاقةِ، وهو المُصرَّحُ به في آيةِ سُورةِ (الأعرافِ) في قولِه: وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [الأعرافِ: 73]، وبهذا الاعتبارِ استَقامَ التَّعبيرُ عن مُقابَلةِ التَّحذيرِ بالتَّكذيبِ، مع أنَّ التَّحذيرَ إنشاءٌ، فالتَّكذيبُ إنَّما يَتوجَّهُ إلى ما في التَّحذيرِ مِن الإنذارِ بالعذابِ [99] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/374). .
- والعقْرُ: جَرْحُ البَعيرِ في يَدَيه ليَبرُكَ على الأرضِ مِن الألَمِ، فيُنحَرَ في لَبَّتِه [100] لَبَّةُ البَعِيرِ: مَوضِعُ نَحْرِه، والنَّحْرُ في اللَّبَّةِ كالذَّبحِ في الحَلْقِ. يُنظر: ((مختار الصحاح)) للرازي (ص: 306)، ((المصباح المنير)) للفيومي (2/547). ؛ فالعقْرُ كِنايةٌ مَشهورةٌ عن النَّحرِ؛ لتَلازُمِهما [101] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/374). .
- وأُسنِدَ العقْرُ للجماعةِ؛ لكَونِهم راضينَ به، ومُتمالِئينَ عليه [102] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (10/490). ، فلمَّا رَضُوا بذلك كانوا كالفاعِلينَ له، فنُسِب التَّكذيبُ والعَقرُ إلى جميعِهم [103] يُنظر: ((الهداية إلى بلوغ النهاية)) لمكي بن أبي طالب (12/8302). .
- و(دمْدَمَ) مُكرَّرُ (دَممَ)؛ للمُبالَغةِ، مِثلُ كَبْكَبَ، أي: أطْبَقَ عليهم العذابَ مُكرَّرًا [104] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/761)، ((تفسير البيضاوي)) (5/316)، ((تفسير أبي السعود)) (9/165)، ((تفسير أبي حيان)) (10/490)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/375). .
- والباءُ بِذَنْبِهِمْ للسَّببيَّةِ، أي: بسَببِ ذَنْبِهم، والتَّصريحُ بذلكَ مع دَلالةِ الفاءِ عليهِ؛ للإنذارِ بعاقِبةِ الذَّنْبِ؛ ليَعتبِرَ به كلُّ مُذنِبٍ [105] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/761)، ((تفسير البيضاوي)) (5/316)، ((تفسير أبي السعود)) (9/165)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/498). .
- والعُقْبى: ما يَحصُلُ عَقِبَ فِعلٍ مِن الأفعالِ مِن تَبِعةٍ لفاعِلِه أو مَثُوبةٍ، ولَمَّا كان المذكورُ عِقابًا وغَلَبةً، وكان العُرفُ أنَّ المغلوبَ يُكنِّي في نفْسِه الأخْذَ بالثَّأرِ مِن غالِبِه، فلا يَهدَأُ له بالٌ حتى يَثأَرَ لنفْسِه؛ أخبَرَ اللهُ أنَّه الغالِبُ الَّذي لا يَقدِرُ مَغلوبُه على أخْذِ الثَّأرِ منه، وهذا كِنايةٌ عن تَمكُّنِ اللهِ مِن عِقابِ المشرِكين، وأنَّ تَأخيرَ العذابِ عنهم إمهالٌ لهم وليس عن عجْزٍ، فجُملةُ وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا تَذييلٌ للكلامِ، وإيذانٌ بالختامِ. ويَجوزُ أنْ يكونَ قولُه: وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا تَمثيلًا لحالِهِم في الاستِئصالِ بحالِ مَن لم يَترُكْ مَن يَثأَرُ له، فيكونَ المثَلُ كِنايةً عن هَلاكِهِم على بَكرةِ أبيهم لم يَبْقَ منهم أحدٌ [106] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/375). .
- وعلى قِراءةِ فَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا -بفاءِ العطْفِ [107] قرأ بها نافعٌ، وأبو جعفرٍ، وابنُ عامرٍ. وقرأ الباقونَ بالواوِ: وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (2/401). ويُنظر أيضًا: ((معاني القراءات)) للأزهري (3/150)، ((حجة القراءات)) لابن زنجلة (ص: 766). تَفريعًا على فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ- فمعْنى التَّفريعِ بالفاءِ على هذِه القِراءةِ تَفريعُ العِلمِ بانتفاءِ خَوفِ اللهِ منهم مع قُوَّتِهم؛ ليَرتَدِعَ بهذا العِلمِ أمثالُهم مِن المشرِكين [108] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/376). .