موسوعة التفسير

سورةُ التَّوبةِ
الآيتان (34-35)

ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ

غريب الكلمات:

يَكْنِزُونَ: أي: يَجمَعونَ، والكَنْزُ: جعلُ المالِ بعضِه على بعضٍ وحفظُه. وكلُّ ما لم تؤدَّ زكاتُه فهو كنزٌ، وأَصلُ (كنز) يدلُّ على تجَمُّعٍ في الشَّيءِ [515] يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 509)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/141)، ((المفردات)) للراغب (ص: 727)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (6/42)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 224). .

المعنى الإجمالي:

يقولُ اللهُ تعالى: يا أيُّها الذين آمَنوا، إنَّ كَثيرًا مِن عُلَماءِ اليَهودِ، وعُبَّادِ النَّصارى، يتمَلَّكونَ أموالَ النَّاسِ بِغَيرِ حَقٍّ، ويُعْرِضونَ عن الحَقِّ، ويَصُدُّونَ النَّاسَ عنه، والذين يَجمَعونَ الذَّهَبَ والفِضَّةَ، ولا يُخرِجونَ حُقوقَ الله منها، ولا يُنفِقونَ منها في سَبيلِ الله فبَشِّرْهم- يا مُحمَّدُ- بعذابٍ مُوجِعٍ، يومَ يُوقَدُ على كُنُوزِهم في نارِ جَهنَّمَ، فتُكوَى بها جِباهُهم، وجُنُوبهم وظُهورُهم، ويقالُ لهم توبيخًا وتهكُّمًا: هذا ما جَمَعْتُم لأنفُسِكم، فذُوقوا عذابَ ما كُنتُم تَكنِزونَه.

تفسير الآيتين:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا ذَكَرَ اللهُ جلَّ وعلا أنَّ اليَهودَ والنَّصارى اتَّخَذوا أحبارَهم ورُهبانَهم أربابًا؛ بيَّنَ أنَّ الرُّهبانَ والأحبارَ لا ينبغي اتِّخاذُهم أربابًا؛ لأنَّ أكثَرَهم فَجَرةٌ غيرُ مُستَقيمينَ [516] يُنظر: ((العذب النمير)) للشنقيطي (5/452). .
وأيضًا لَمَّا وصَفَ اللهُ تعالى رؤساءَ اليَهودِ والنَّصارى بالتكَبُّرِ والتَّجبُّرِ، وادِّعاءِ الرُّبوبيَّةِ والترفُّعِ على الخَلقِ؛ وصَفَهم في هذه الآيةِ بالطَّمَعِ والحِرصِ على أخذِ أموالِ النَّاسِ؛ تنبيهًا على أنَّ المَقصودَ مِن إظهارِ تلك الربوبيَّةِ والتجبُّرِ والفَخرِ، أخذُ أموالِ النَّاسِ بالباطِلِ [517] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (16/33-34). ، فقال تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ.
أي: يا أيُّها المُؤمِنونَ، إنَّ كثيرًا [518] قال ابن عاشور: (أسنَدَ الحُكمَ إلى كثيرٍ منهم دونَ جمَيعِهم؛ لأنَّهم لم يَخْلُوا من وجودِ الصَّالحينَ فيهم، مثل عبدِ الله ابنِ سَلَامٍ، ومُخَيريقٍ). ((تفسير ابن عاشور)) (10/175). مِن عُلَماءِ اليهودِ وعُبَّادِ النَّصارى، يتملَّكونَ أموالَ النَّاسِ بِغَيرِ حَقٍّ [519] قال ابن عاشور: (الباطِلُ يشملُ وجوهًا كثيرةً؛ منها: تغييرُ الأحكامِ الدِّينيةِ؛ لِمُوافَقةِ أهواءِ النَّاسِ. ومنها: القضاءُ بين النَّاسِ بغيرِ إعطاءِ صاحِبِ الحَقِّ حَقَّه المُعَيَّنَ له في الشَّريعةِ. ومنها: جَحْدُ الأماناتِ عن أربابِها أو عن ورَثَتِهم. ومنها: أكلُ أموالِ اليتامى وأموالِ الأوقافِ والصَّدَقاتِ). ((تفسير ابن عاشور)) (10/175). ويُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (3/27)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (28/439، 440). ؛ فاحْذَروا التشبُّه بعُلَماءِ السُّوءِ، والعُبَّادِ الضالِّينَ، ولا تكونُوا مِثْلَهم [520] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/424)، ((البسيط)) للواحدي (10/393)، ((تفسير ابن عطية)) (3/27)، ((تفسير القرطبي)) (8/122)، ((تفسير ابن كثير)) (4/137)، ((تفسير السعدي)) (ص: 335)، ((تفسير ابن عاشور)) (10/175). .
وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ.
أي: ويُعرِضُ أولئك الأحبارُ والرُّهبانُ عن اتِّباعِ الحَقِّ، ويَمنعونَ النَّاسَ عن الدُّخولِ في الإسلامِ [521] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/424)، ((البسيط)) للواحدي (10/393)، ((تفسير ابن عطية)) (3/27)، ((تفسير القرطبي)) (8/123)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (9/41)، (28/439)، ((تفسير ابن كثير)) (4/138). قال ابنُ عاشور: (الصدُّ عن سبيلِ الله: الإعراضُ عن متابعةِ الدِّينِ الحَقِّ في خاصَّةِ النَّفسِ، وإغراءُ النَّاسِ بالإعراضِ عن ذلك، فيكون هذا بالنِّسبةِ لأحكامِ دينِهم؛ إذ يُغَيِّرونَ العمَلَ بها، ويُضَلِّلونَ العامَّةَ في حقيقَتِها، حتى يَعمَلوا بخلافِها، وهم يَحسَبونَ أنَّهم مُتَّبِعونَ لِدينِهم، ويكونُ ذلك أيضًا بالنِّسبةِ إلى دِينِ الإسلامِ؛ إذ يُنكِرونَ نُبوَّةَ مُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ويُعلِّمونَ أتباعَ مِلَّتِهم أنَّ الإسلامَ ليس بِدِينِ الحَقِّ). ((تفسير ابن عاشور)) (10/175). .
وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ.
مُناسَبتُها لِما قَبْلَها:
لما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ؛ عطَف عليه قولَه هذا، والمناسبةُ بينَهما: أنَّ كلتا الجملتين تنبيهٌ على مساوي أقوامٍ يضعُهم الناسُ في مقاماتِ الرفعةِ والسؤددِ، وليسوا أهلًا لذلك، فمضمونُ الجملةِ الأُولَى بيانُ مساوي أقوامٍ رفَع الناسُ أقدارَهم لعلمِهم ودينِهم، وكانوا منطوينَ على خبائثَ خفيةٍ، ومضمونُ الجملةِ الثانيةِ بيانُ مساوي أقوامٍ رفعَهم الناسُ لأجلِ أموالِهم، فبيَّن الله أنَّ تلك الأموالَ إذا لم تنفقْ في سبيلِ الله لا تُغني عنهم شيئًا مِن العذابِ [522]  يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (10/176). ؛ فإنَّ الناسَ عالةٌ على العلماءِ، وعلى العبَّادِ، وعلى أربابِ الأموالِ، فإذا فسَدتْ أحوالُ هؤلاء فسَدتْ أحوالُ الناسِ [523]  يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (4/138). .
النَّاسِخُ والمَنسوخُ:
قيل: هذه الآيةُ مَنسوخةٌ بقَولِه تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهمْ بِهَا [524] وهو قولُ ابنِ عُمَرَ، وعُمرَ بن عبد العزيز، وعِراكِ بنِ مالكٍ، وهبَةِ الله بن سلامة المُقري، وابن حزم، وابن البارزي، ومرعي الحنبلي. يُنظر: ((الناسخ والمنسوخ)) للمقري (ص: 99)، ((الناسخ والمنسوخ)) لابن حزم (ص: 40)، ((تفسير ابن عطية)) (3/28)، ((ناسخ القرآن العزيز ومنسوخه)) لابن البارزي (ص: 35)، ((تفسير ابن كثير)) (4/139)، ((قلائد المرجان في بيان الناسخ والمنسوخ في القرآن)) لمرعي الحنبلي (ص: 117)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (2/117). [التوبة:103] .
عن خالدِ بنِ أسلمَ، قال: (خرَجْنا مع عبدِ الله بنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عنهما، فقال أعرابيٌّ: أخبِرْني عن قَولِ الله تعالى: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّه قال ابنُ عُمَرَ رَضِيَ الله عنهما: مَن كَنَزَها فلم يُؤَدِّ زَكاتَها، فوَيلٌ له؛ إنَّما كان هذا قَبلَ أن تُنزَلَ الزَّكاةُ [525] قال ابن حجر: (قولُه: «إنَّما كان هذا قبلَ أَنْ تَنْزِلَ الزَّكاةُ» هذا مُشْعِرٌ بأنَّ الوَعيدَ على الاكْتِنازِ، وهو حَبْسُ ما فَضَلَ عَنِ الحاجَةِ عَنِ المُواساةِ به كان في أَوَّلِ الإسلامِ ثُمَّ نُسِخَ ذلك بفَرْضِ الزَّكاةِ، لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ الفُتوحَ، وقُدِّرَتْ نُصُبُ الزَّكاةِ، فعلى هذا المُرادُ بنُزولِ الزَّكَاةِ بَيانُ نُصُبِها ومَقاديرِها، لا إنْزالُ أصْلها، والله أعلم). ((فتح الباري)) (3/273). ، فلما أُنزِلَت جعَلَها اللهُ طُهرًا للأموالِ) [526] رواه البخاري (1404). قال محمد رشيد رضا: (المرادُ: أنَّ هذا الحُكمَ- وهو وجوبُ إنفاقِ كُلِّ ما يملِكُ المؤمِنُ مِن النَّقدَينِ- كان في أوَّلِ الإسلامِ، وقَبلَ فَرْضِ الزَّكاةِ، وليس معناه أنَّ آيةَ براءة هذه نزلت قبل إيجابِ الزَّكاةِ؛ لِما عليه الجمهورُ مِن أنَّ الزَّكاة فُرِضَت في السَّنَةِ الثانية من الهجرةِ، وبراءة نزَلَت سنةَ تِسعٍ). ((تفسير المنار)) (10/351). .
وقيل: الآيةُ مُحكَمةٌ، ولا نَسْخَ فيها [527] وهو قول جمهور المفسرين. يُنظر: ((البسيط)) للواحدي (10/395)، ((نواسخ القرآن)) لابن الجوزي (2/467-468). قال ابن الجوزي: (قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّه اختلف المفَسِّرون في هذه الآية على ثلاثةِ أقوال:... الثالث: أنها في المسلمينَ، قاله ابن عباس والسُّدِّي، وفي المراد بالإنفاقِ هاهنا قولان: أحدهما: إخراجُ الزكاةِ، وهذا مذهَبُ الجمهور، والآيةُ على هذا مُحكَمةٌ... والثاني: أن المرادَ بالإنفاقِ إخراجُ ما فضَلَ عن الحاجةِ، وقد زعم بعضُ نَقَلةِ التَّفسيرِ: أنَّه كان يجب عليهم إخراجُ ذلك في أوَّلِ الإسلامِ، ثم نُسِخَ بالزكاةِ، وفي هذا القَولِ بُعدٌ). ((نواسخ القرآن)) (2/467-468). وقال البغوي: (الآيةُ نزَلَت في مَنْعِ الزَّكاةِ، لا في جَمْعِ المالِ الحلالِ؛ قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «نِعْمَ المالُ الصَّالِحُ، للرَّجُلِ الصَّالِحِ»). ((تفسير البغوي)) (2/343). وقال ابن عاشور: (وجهُ مُناسَبةِ نُزولِ هذه الآيةِ في هذه السُّورةِ: أنَّ هذه السُّورةَ نَزَلت إثرَ غَزوةِ تَبوكَ، وكانت غزوةُ تَبوكَ في وقتِ عُسرةٍ، وكانت الحاجةُ إلى العُدَّةِ والظَّهرِ كثيرةً، كما أشارت إليه آيةُ: وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْه تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ [التوبة: 92] ، وقد ورد في السِّيرةِ أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حضَّ أهلَ الغِنى على النَّفَقةِ والحملانِ في سبيلِ اللهِ، وقد أنفق عثمانُ ابنُ عَفَّان ألفَ دينارٍ ذَهبًا على جيشِ غَزوةِ تَبوك، وحمَل كثيرٌ مِن أهل الغِنى، فالذين انكَمَشوا عن النَّفَقةِ هم الذين عَنَتْهم الآيةُ بـ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّه ولا شَكَّ أنَّهم من المنافقين... والوعيدُ مَنوطٌ بالكَنزِ وعَدَمِ الإنفاقِ، فليس الكَنزُ وَحْدَه بمُتَوَعَّدٍ عليه، وليست الآيةُ في مَعرِضِ أحكامِ ادِّخارِ المال، وفي مَعرِضِ إيجابِ الإنفاقِ، ولا هي في تعيينِ سُبُلِ البِرِّ والمعروفِ التي يجِبُ الإخراجُ لأجْلِها من المالِ، ولا داعيَ إلى تأويلِ الكَنزِ بالمال الذي لم تؤَدَّ زَكاتُه حين وجوبِها، ولا إلى تأويلِ الإنفاقِ بأداءِ الزَّكاةِ الواجبة، ولا إلى تأويلِ سبيلِ الله بالصَّدَقاتِ الواجبة؛ لأنَّه ليس المرادُ باسمِ الموصول العمومَ، بل أُريدَ به العهدُ، فلا حاجة إلى ادِّعاءِ أنَّها نسَخَتْها آيةُ وُجوبِ الزكاة؛ فإنَّ وُجوبَ الزَّكاةِ سابِقٌ على وقتِ نُزولِ هذه الآيةِ). ((تفسير ابن عاشور)) (10/176، 177). .
وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ.
أي: والذين يَجمَعونَ الذَّهَبَ والفِضَّةَ بعضَها إلى بعضٍ، ويُمسِكُونَها، ولا يُخرِجونَ حقوقَ الله منها- مِن الزَّكاةِ والنَّفَقاتِ الواجِبةِ، وبَذْلِها في الجهادِ- فبَشِّرْهم يا مُحمَّدُ بعذابٍ مُوجِعٍ [528] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/424، 433، 436)، ((البسيط)) للواحدي (10/395)، ((تفسير ابن عطية)) (3/27)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (28/440)، ((تفسير ابن كثير)) (4/138)، ((تفسير أبي السعود)) (4/62)، ((تفسير السعدي)) (ص: 336)، ((تفسير ابن عاشور)) (10/176، 177)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (5/456). قال الواحدي: (الأكثرونَ على أنَّ قَولَه تعالى: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ... إلى آخره، مُستأنَفٌ نازِلٌ في هذه الأمَّةِ ... واختلفوا في المرادِ بهذا الكَنزِ، وتَركِ هذا الإنفاقِ؛ فالذي عليه الأكثرونَ- وهو الإجماعُ اليَومَ- أنَّ المُرادَ بهذا الكَنزِ: هو جَمعُ المالِ الذي لا تؤدَّى زكاتُه). ((البسيط)) (10/393، 395). ويُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/424)، ((تفسير الرازي)) (16/35)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (2/118). وقال القرطبي: (قال أبو ذَرٍّ وغيرُه: المرادُ بها: أهلُ الكتابِ وغَيرُهم مِن المسلمينَ، وهو الصَّحيحُ؛ لأنه لو أراد أهلَ الكِتابِ خاصَّةً، لقال: ويَكنِزونَ، بغيرِ وَالَّذِينَ). ((تفسير القرطبي)) (8/123). ويُنظر: ((صحيح ابن خزيمة)) (4/9،10)، ((تفسير أبي حيان)) (5/411)، ((تفسير الشوكاني)) (2/406)، ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (10/349)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (2/118). وقال الشنقيطي: (كان أبو ذرٍّ رَضِيَ الله عنه عنده مذهَبٌ مَعروفٌ مُخالِفٌ لِجَميعِ أقوال الصَّحابةِ، يضيقُ في اقتناءِ المال، وكان رضي اللهُ عنه يقول: إنَّ الإنسانَ إذا ادَّخَرَ شيئًا زائدًا عن خَلَّتِه الضروريَّةِ، فهو كنزٌ يُكوى به وَجهُه وظَهرُه وجَنبُه، وكان يذكُرُ هذا للنَّاسِ؛ ومن أجلِ هذا أمَرَه عُثمانُ رَضِيَ الله عنه أيَّامَ خِلافتِه أن يخرُجَ إلى الربذةِ، وتوفِّي بها رضي الله عنه وأرضاه، وأبو ذَرٍّ معذورٌ؛ لأنه جاء النبيَّ في أوَّلِ الإسلامِ، وكان المسلمون في أوَّلِ الإسلامِ فُقَراءَ ليس عندهم شيءٌ، وكان التَّشديدُ في إمساكِ الذَّهَبِ والفضَّةِ في ذلك الوقتِ عَظيمًا، فسَمِعَ من النبيِّ شَيئًا ورجع إلى أهلِه بالباديةِ، ثم أنزل اللهُ فريضةَ الزَّكاةِ، وكثُرَ المال واتَّسعَ الأمر، وزال التَّشديدُ، ولم يَعلَمْ رَضِيَ الله عنه بشيءٍ من ذلك، فصار على التَّشديدِ الأوَّلِ؛ لأنَّه سَمِعَه من رسولِ الله، ولم يسمَعْ ما طرأ بعد ذلك). ((العذب النمير)) (5/454). .
كما قال تعالى: وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِه هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِه يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران: 180] .
وقال سبحانه: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ * الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ * كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ [الهمزة: 1- 4] .
وعن أبي ذرٍّ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((همُ الأخسَرونَ وربِّ الكعبةِ. فقلتُ: يا رسولَ الله، فِدَاك أبي وأمِّي، مَن هُم؟ قال: هم الأكثَرونَ أموالًا، إلَّا من قال هكذا وهكذا وهكذا- مِن بينِ يَدَيه ومِن خَلْفِه وعن يَمينِه وعن شِمالِه- وقليلٌ ما هم، ما مِن صاحِبِ إبلٍ ولا بقَرٍ ولا غَنَمٍ، لا يُؤدِّي زكاتَها، إلَّا جاءت يومَ القيامةِ أعظَمَ ما كانت وأسْمَنَه، تنطَحُه بِقُرونِها، وتَطَؤُه بأظلافِها، كلَّما نَفِدَت أُخْراها، عادت عليه أُولاها، حتى يُقضَى بين النَّاسِ )) [529] رواه البخاري (6638)، ومسلم (990) واللفظ له. .
وعن أبي هُريرةَ رَضِيَ الله عنه، أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَن آتاه اللهُ مالًا فلم يؤَدِّ زَكاتَه؛ مُثِّلَ له مالُه شُجاعًا أقرَعَ [530] أقرع: أي الذي لا شَعْرَ على رأسِه؛ لِكَثرةِ سَمِّه، وطُولِ عُمُرِه. يُنظر: ((مرقاة المفاتيح)) للملا الهروي (4/1267). له زَبِيبَتانِ [531] الزَّبيبةُ: نُكْتة سوداءُ فوقَ عين الحَّية وقيل غير ذلك. ينظر: ((النهاية)) لابن الأثير (2/704). ، يُطَوِّقُه يومَ القِيامةِ، يأخُذُ بلِهْزِمَتَيه- يعني بشِدْقَيه- يقولُ: أنا مالُك، أنا كَنْزُك. ثمَّ تلا هذه الآيةَ: وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ... إلى آخِرِ الآيةِ )) [532] رواه البخاري (4565). .
وعن أمِّ سَلَمةَ رَضِيَ الله عنها، قالت: ((كنتُ ألبَسُ أوْضاحًا [533] أوْضاح: جمعُ وَضَحٍ: نوعٌ من الحَلْيِ، يُعمَلُ مِن الفِضَّةِ، سُمِّيَ به لبياضِه. يُنظر: ((مرقاة المفاتيح)) للملا الهروي (4/1295). مِن ذَهَبٍ، فقُلتُ: يا رسولَ الله، أكَنْزٌ هو؟ فقال: ما بلَغَ أن تُؤدَّى زكاتُه فزُكِّيَ، فليس بكَنزٍ)) [534] رواه أبو داود (1564)، والطبراني (23/281) (613)، والحاكم (1/547)، والبيهقي (4/83) (7485). حسَّنه ابن الملقِّن في ((شرح البخاري)) (10/439)، وحسن الألبانيُّ في ((ضعيف سنن أبي داود)) (1564) المرفوع منه فقط، وحسَّن إسناده النوويُّ في ((المجموع)) (6/13)، وصحَّحه ابن باز في ((مجموع الفتاوى)) (14/104). .
وعن ثَوبانَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((لَمَّا نَزلَ في الفِضَّةِ والذَّهَبِ ما نَزلَ، قالوا: فأيَّ المالِ نتَّخِذُ؟ قال عُمَرُ: فأنا أعلَمُ لكم ذلك. فأوضَعَ على بَعيرِه، فأدرَكَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأنا في أثَرِه، فقال: يا رسولَ الله، أيَّ المالِ نَتَّخِذُ؟ فقال: ليتَّخِذْ أحدُكم قَلبًا شاكرًا، ولِسانًا ذاكرًا، وزوجةً مُؤمِنةً تُعِينُ أحَدَكم على أمْرِ الآخِرةِ )) [535] أخرجه الترمذي (3094) بنحوه، وابن ماجه (1856) واللفظ له، وأحمد (22437). حسَّنه الترمذي، وصحَّحه الألباني في ((صحيح ابن ماجه)) (1517). .
يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ (35).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لما انتهى قَوله تعالى: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ على الإجمالِ والإبهامِ في العَذابِ؛ أخَذ في التَّفصيلِ بعد الإجمالِ ، فقال تعالى:
يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ.
أي: يومَ [537] قال ابنُ جريرٍ: (فاليومُ مِن صِلَةِ العذابِ الأليمِ، كأنَّه قِيل: يُبَشِّرُهم بعذابٍ أليمٍ يُعَذِّبُهم الله به في يومِ يُحْمَى عليها). ((تفسير ابن جرير)) (11/436). وقال القرطبيُّ: («يَوْمَ» ظرفٌ، والتَّقديرُ يُعذَّبونَ يومَ يُحْمَى. ولا يصحُّ أنْ يكونَ على تقديرِ: فبشِّرْهم يومَ يُحْمَى عليها؛ لأنَّ البشارةَ لا تكونُ حينَئِذٍ). ((تفسير القرطبي)) (8/129). يُوقَدُ فيه على كُنوزِهم في نارِ جَهنَّمَ، فتُحرق بالذَّهَبِ والفِضَّةِ المَكنُوزةِ جِباهُهم وجُنوبُهم وظهورُهم [538] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/436)، ((البسيط)) للواحدي (10/402، 403)، ((تفسير القرطبي)) (8/129)، ((تفسير السعدي)) (ص: 336). قال الواحدي: (قال المفسِّرون: من كان له مالٌ في الدُّنيا لم يؤدِّ زَكاتَه، أُحمِيَ دراهمُه ودنانيرُه في نارِ جهنَّم، وكُوِيَ بها في هذه المواضِعِ؛ لا يُوضَعُ دينارٌ مكانَ دِينارٍ، ولا دِرهَمٌ مكانَ دِرهَمٍ، ولكن يُوسَّعُ جِلْدُه، فيُوضَعُ بكُلِّ دِرهمٍ ودينارٍ كَيَّةٌ على جِلْدِه»، وهذا معنى قولِ ابنِ مَسعودٍ وابنِ عبَّاسٍ). ((البسيط)) (10/403). وقال ابن عاشور: (كيفيَّةُ إحضارِ تلك الدَّراهم والدَّنانيرِ لِتُحمى؛ مِن شُؤونِ الآخرةِ الخارِقةِ للعاداتِ المألوفةِ، فبقدرةِ الله تُحضَرُ تلك الدَّنانيرُ والدَّراهمُ أو أمثالُها، كما ورد في حديثِ مانعِ الزكاةِ في المُوطَّأِ والصَّحيحين أنَّه «يُمثَّلُ له مالُه شُجاعًا أقرَعَ يأخُذُ بِلِهزِمَتَيه، يقول: أنا مالُك، أنا كَنْزُك»، وبقدرة الله يُكوى المُمتَنِعون من إنفاقِها في سبيلِ الله، وإن كانت قد تَداوَلَ أعيانَها خَلْقٌ كَثيرٌ في الدُّنيا، بانتقالها من يدٍ إلى يدٍ، ومن بلدٍ إلى بلدٍ، ومن عصرٍ إلى عصرٍ). ((تفسير ابن عاشور)) (10/179). .
عن أبي هُريرةَ رَضِيَ الله عنه، قال: قال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ما مِن صاحِبِ ذَهَبٍ ولا فِضَّةٍ، لا يؤدِّي منها حَقَّها، إلَّا إذا كان يومُ القِيامةِ، صُفِّحَت له صفائِحَ [539] صُفِّحَت له صفائِحَ: تصفيحُ الشَّيءِ: جَعْلُه عَريضًا، والصفائح: جَمعُ صَفيحةٍ؛ مِن صَفَّحْتُ الشَّيءَ: إذا بسطْتَه. يُنظر: ((الميسر في شرح مصابيح السنة)) للتوربشتي (2/409)، ((نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار)) للعيني (8/79). مِن نارٍ، فأُحمِيَ عليها في نارِ جَهنَّمَ، فيُكوى بها جَنْبُه وجَبِينُه وظَهْرُه، كُلَّما بَرُدَت أُعِيدَت له، في يومٍ كان مِقدارُه خَمسينَ ألفَ سَنَةٍ، حتى يُقضَى بين العِبادِ، فيُرى سَبيلَه؛ إمَّا إلى الجنَّةِ، وإمَّا إلى النَّارِ )) [540] رواه مسلم (987). .
وعن أبي ذَرٍّ الغِفاريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: (بَشِّرِ الكانِزينَ بِرَضْفٍ [541] الرَّضْف: الحِجَارَةُ المُحْمَاةُ على النَّار. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (2/231)، ((شرح النووي على مسلم)) (7/77). يُحْمَى عليه في نارِ جهنَّمَ، ثم يُوضَعُ على حَلَمةِ ثَدْيِ أحَدِهم حتى يَخرُجَ مِن نُغْضِ [542] النُّغْضُ: هو العَظمُ الرَّقيقُ على طَرفِ الكَتِف. يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (7/78). كَتِفِه، ويُوضَعُ على نُغْضِ كَتِفِه حتى يَخرُجَ مِن حَلَمةِ ثَدْيِه، يتزَلزَلُ [543] الزَّلْزَلَةُ في الأصْل: الحَرَكَةُ العظيمةُ والإزعاجُ الشديدُ. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (2/308). قال النوويُّ: (قولُه «يتزلزل» أي يتحرَّك. قال القاضي: قيل: معناه أنَّه بسببِ نضجِه يتحرَّك لكونِه يهتري، قال: والصوابُ أنَّ الحركةَ والتزلزلَ إنَّما هو للرضفِ، أي يتحرَّك من نغضِ كتفِه حتَّى يخرجَ مِن حلمةِ ثديِه) ((شرح النووي على مسلم)) (7/78). [544] رواه البخاري (1407) واللفظ له، ومسلم (992). .
هَـذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ.
أي: يُقالُ تَوبيخًا وتَهكُّمًا مِن الذينَ تُكوَى جِباهُهم وجُنوبُهم وظُهورُهم، بِكُنوزِهم: هذا الذي تُكْوَونَ به في النَّارِ [545] قال ابن عطية: (قوله: هَذَا مَا كَنَزْتُمْ إشارةٌ إلى المالِ الذي كُوِيَ به، ويحتملُ أن تكونَ إلى الفِعلِ النَّازلِ بهم، أي: هذا جزاءُ ما كَنَزْتُم). ((تفسير ابن عطية)) (3/29). هو ما جَمَعْتُم في الدُّنيا لأنفُسِكم، دونَ أن تُؤَدُّوا حُقوقَ الله فيه، فاطعَمُوا عذابَ هذا الذي كُنتُم تَكْنِزونَه [546] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/437)، ((البسيط)) للواحدي (10/404، 405)، ((تفسير الرازي)) (16/40)، ((تفسير القرطبي)) (8/131)، ((تفسير ابن كثير)) (4/141)، ((تفسير السعدي)) (ص: 336)، ((تفسير ابن عاشور)) (10/180). .
عن جابِرِ بنِ عبدِ الله رَضِيَ الله عنهما، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ما من صاحِبِ إبلٍ ولا بقَرٍ ولا غَنَمٍ، لا يؤدِّي حَقَّها، إلا أُقعِدَ لها يومَ القيامةِ بِقَاعٍ قَرقَرٍ [547] القَرقَر: هو المكانُ الواسِعُ المُستَوي. يُنظر: ((حاشية السيوطي على سنن النسائي)) (5/13). تطؤُه ذاتُ الظِّلْفِ بظِلْفِها [548] الظِّلفُ: هو للبَقَر والغَنَم كالحافِرِ للفَرَس والبغل، والخُفِّ للبَعيرِ. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (3/159). وتنطَحُه ذاتُ القَرنِ بِقَرنِها، ليس فيها يومَئذٍ جمَّاءُ [549] الجمَّاءُ: التي لا قَرْنَ لها. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (1/300). ولا مَكسورةُ القرْنِ. قلْنا: يا رسولَ الله، وما حَقُّها؟ قال: إطراقُ فَحْلِها [550] إطراقُ فَحلِها: أي: إنزاؤُه. يقال: طرَقَ الفَحلُ النَّاقةَ: إذا نزا عليها. يُنظر: ((غريب الحديث)) لابن قتيبة (1/420). ، وإعارةُ دَلْوِها، ومَنِيحَتُها [551] المنيحةُ: ناقةٌ أو بقَرةٌ أو شاةٌ ينتفِعُ بلَبَنِها ووَبَرِها وصُوفِها وشَعرِها زمانًا ثم يردُّها. يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (7/72). ، وحَلْبُها على الماءِ، وحَملٌ عليها في سبيلِ الله. ولا مِن صاحِبِ مالٍ لا يُؤَدِّي زكاتَه، إلَّا تَحوَّلَ يومَ القِيامةِ شُجاعًا أقرَعَ، يَتْبَعُ صاحِبَه حيثما ذهَبَ، وهو يفِرُّ منه، ويُقال: هذا مالُك الذي كنْتَ تَبخَلُ به، فإذا رأى أنَّه لا بُدَّ منه، أدخَلَ يدَه في فِيه، فجعَلَ يَقضَمُها [552] يَقضَمُها: أي: يأكُلُها. يُنظر: ((إكمال المعلم بفوائد مسلم)) للقاضي عياض (3/500). كما يَقْضَمُ الفَحلُ )) [553] رواه مسلم (988). .

الفوائد التربوية:

1- قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الأحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّه وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّه فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ... هذا تحذيرٌ مِن الله تعالى لعبادِه المؤمنينَ عن كثيرٍ مِن العُلَماءِ والعُبَّادِ، الذين يأكلونَ أموالَ النَّاسِ بِغَيرِ حقٍّ، ويصُدُّونَ عن سَبيلِ الله؛ فإنَّهم إذا كانت لهم رواتِبُ مِن أموالِ النَّاسِ، أو بذَلَ النَّاسُ لهم من أموالِهم، فإنَّه لأجْلِ عِلْمِهم وعِبادَتِهم، ولأجْلِ هُداهم وهدايَتِهم، وهؤلاءِ يأخُذُونها، ويصُدُّونَ النَّاسَ عن سبيل الله، فيكونُ أخْذُهم لها على هذا الوَجه سُحتًا وظُلمًا؛ فإنَّ النَّاسَ ما بَذَلوا لهم مِن أموالِهم، إلَّا لِيَدُلُّوهم إلى الطَّريقِ المستقيمِ، ومِن أخْذِهم لأموالِ النَّاسِ بِغَيرِ حَقٍّ: أن يُعطُوهم لِيُفتُوهم، أو يَحكُموا لهم بِغَيرِ ما أنزَلَ اللهُ، فهؤلاءِ الأحبارُ والرُّهبانُ، لِيُحذَرْ منهم هاتانِ الحالتانِ: أخْذُهم لأموالِ النَّاسِ بغَيرِ حَقٍّ، وصَدُّهم النَّاسَ عن سَبيلِ الله [554] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 335، 336). .
2- قَولُ الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّه وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّه فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ذكَرَ اللهُ هنا انحرافَ الإنسانِ في مالِه، وذلك بأحَدِ أمرَينِ: إمَّا أن يُنفِقَه في الباطِلِ الذي لا يُجدِي عليه نَفعًا، بل لا يَنالُه منه إلَّا الضَّرَرُ المَحْضُ، وذلك كإخراجِ الأموالِ في المعاصِي والشَّهَواتِ، التي لا تُعِينُ على طاعةِ الله، وإخراجِها للصَّدِّ عن سبيلِ الله. وإمَّا أن يُمسِكَ مالَه عن إخراجِه في الواجِباتِ [555] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص:335). .
3- قَولُ الله تعالى: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّه فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ فيه تحذيرُ المُؤمِنينَ مِن حالِ الذين صار جمْعُ الأموالِ، والافتِتانُ بِكَثرَتِها، وخَزْنُها في الصَّناديقِ، أعظَمَ هَمِّهم في الحياةِ [556] يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (10/349). .
4- قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّه فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ إنْ قيل: مَن لم يكْنِزْ ولم يُنفِقْ في سبيلِ الله، وأنفَقَ في المعاصي، هل يكونُ حُكمُه في الوعيدِ حُكمَ مَن كنَزَ ولم يُنفِقْ في سبيلِ الله؟
 قيل له: إنَّ ذلك أشَدُّ؛ فإنَّ مَن بذَّرَ مالَه في المعاصِي، عصى من جِهَتينِ: بالإنفاقِ والتَّناوُلِ، كشِراءِ الخَمرِ وشُربِها. بل من جهاتٍ إذا كانت المعصيةُ ممَّا تتعَدَّى، كمن أعان على ظُلمِ مُسلمٍ؛ مِن قَتلِه أو أخْذِ مالِه، إلى غيرِ ذلك. والكانِزُ عصى من جِهَتينِ، وهما منعُ الزَّكاةِ، وحَبسُ المالِ لا غيرُ، وقد لا يُراعى حبسُ المالِ. واللهُ أعلمُ [557] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (8/128). .
5- قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّه هذا يندرِجُ فيه مَن كنَزَ المالَ عن النَّفَقةِ الواجبةِ في سبيل الله. والجهادُ أحَقُّ الأعمالِ باسمِ سَبيلِ الله، سواءٌ كان مَلِكًا أو مُقَدَّمًا، أو غَنِيًّا أو غيرَ ذلك. وإذا دخَلَ في هذا ما كُنِزَ من المالِ المَورُوثِ والمكسوبِ، فما كُنِزَ مِن الأموالِ المُشتَرَكةِ التي يستحِقُّها عمومُ الأمَّةِ- ومُستَحَقُّها: مصالِحُهم- أَوْلى وأَحْرى [558] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (28/440). .
6- في قَولِه تعالى: وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّه فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ذمٌّ ووعيدٌ لِمَن يمنعُ حقوقَ مالِه الواجبةَ، مِن الزَّكاةِ وصِلَةِ الرَّحِمِ، وقِرَى الضَّيفِ، والإنفاقِ في النَّوائِبِ [559] يُنظر: ((مجموع رسائل ابن رجب)) (1/336). .
7- في قَولِه تعالى: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ... حُجَّةٌ لِمَن قال: إنَّ الكُفَّارَ مُخاطَبونَ بفُروعِ الشَّريعةِ؛ وذلك على القولِ بأنَّ الآيةَ نزَلَت في أهلِ الكِتابِ [560] يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (3/275). .
8- من أحَبَّ شَيئًا وقَدَّمَه على طاعةِ الله، عُذِّبَ به؛ قال تعالى: يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ؛ فهؤلاء لَمَّا كان جمعُ هذه الأموالِ آثَرَ عِندَهم مِن رِضا الله عنهم، عُذِّبوا بها [561] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (4/141). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قَولُ الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّه إسنادُ هذه الجريمةِ المُزرِيةِ إلى الكَثيرينَ منهم دونَ جَميعِهم، مِن دقائِقِ تَحرِّي الحَقِّ في عباراتِ الكتابِ العَزيزِ؛ فهو لا يحكُمُ على الأمَّةِ الكبيرةِ بِفَسادِ جَميعِ أفرادِها، أو فِسْقِهم أو ظُلْمِهم، بل يُسنِدُ ذلك إلى الكثيرِ أو الأكثَرِ، أو يُطلِقُ اللَّفظَ العامَّ ثمَّ يستثني منه [562] يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (10/344). .
2- قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّه إطلاقُ الأكلِ على أخْذِ مالِ الغَيرِ، إطلاقٌ شائِعٌ؛ قال تعالى: وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا [563] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (10/175). [الفجر: 19] .
3- قَولُ الله تعالى: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّه فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيم أفرَدَ الضَّميرَ في يُنْفِقُونَهَا مع تقدُّمِ اثنَينِ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ؛ لِيدُلَّ على الأنواعِ الكثيرةِ، أي: يُنفِقونَ ما وجَبَ عليهم من هذه الأموالِ التي جَمَعوها من هَذينِ النَّوعَينِ مُجتَمِعَينِ أو مُنفَرِدَينِ. ولو ثَنَّى لأوهَمَ أنَّ اجتماعَهما شَرطٌ للتَّرهيبِ. وقيل: يجوزُ أن يعودَ الضَّميرُ إلى الفِضَّةِ؛ لأنَّ الذَّمَّ على كَنْزِها، والحاجةَ إليها- لِكَثرَتِها- أقَلُّ، فالذَّمُّ على كَنزِ الذَّهَبِ مِن بابِ الأوْلى؛ لأنَّه أعلى منها وأعَزُّ. وقيل: الضَّميرُ يعودُ إلى المعنى دونَ اللَّفْظِ؛ لأنَّ المكنوزَ دراهمُ ودَنانيرُ، لأنَّ كُلَّ واحدٍ مِنْهما جُمْلةٌ وافيةٌ، وعِدةٌ كثيرةٌ ودنانيرُ ودراهمُ؛ فهو كقولِه تعالى: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا [564] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/268)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (8/447)، ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص:228). .
4- قَولُ الله تعالى: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّه فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيم أي: فأخبِرْهم على سبيلِ التهَكُّمِ؛ لأنَّ الذينَ يكنِزونَ الذَّهَبَ والفِضَّةَ، إنَّما يكنِزونَهما ليتَوَسَّلوا بهما إلى تحصيلِ الفَرَجِ يومَ الحاجةِ. فقيل: هذا هو الفَرَجُ [565] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (16/38). .
5- قولُه تعالى: يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ قدَّمَ الجِباهَ ثمَّ الجُنُوبَ؛ لأنَّ مانِعَ الصَّدَقةِ في الدُّنيا كان يَصرِفُ وَجْهَه أوَّلًا عن السَّائِلِ، ثم يَنُوءُ بِجانبِه، ثمَّ يتولَّى بِظَهْرِه [566] يُنظر: ((البرهان في علوم القرآن)) للزركشي (3/268). .

بلاغة الآيتين:

1- في قولِه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ افْتِتاحُ الجُمْلةِ بالنِّداءِ، واقْتِرانُها بحَرْفَي التَّأكيدِ (إنَّ، واللام)؛ للاهْتِمامِ بِمَضْمونِها، ورفْعِ احْتِمالِ المُبالغةِ فيه لَغَرابتِه [567] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (10/174 ). .
- وقولُه: لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ فيه التَّعبيرُ بالأَكْلِ؛ بِناءً على أنَّهُ مُعْظَمُ الغَرَضِ مِنَ المالِ، وتَقْبيحًا لحالِهم، وتَنْفيرًا للسَّامِعينَ عنهم [568] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/62). .
- قولُه: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّه... على القول بأنَّ الاسمَ الموصولَ (الذين) عِبارةٌ عَنِ الكثيرِ مِنَ الأَحْبارِ والرُّهبانِ؛ فيَكونُ مبالغةً في الوَصْفِ بالحِرْصِ والضَّنِّ بهما بَعْدَ وَصْفِهمْ بما سَبَقَ مِنْ أخْذِ الرِّشا [569] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/62). .
- وعلى القولِ بأنَّ الموصولَ (الذين) عِبارةٌ عَنِ الكانزينَ مِنَ المُسلِمينَ؛ فيَكونُ قَرَنَ في النَّظْمِ بين الكانِزينَ مِنَ المُسلِمينَ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ، وبَيْنَ المُرْتَشينَ مِنَ الأحبارِ والرُّهبانِ إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ؛ تَغليظًا ودَلالةً على أنَّهم سواءٌ في التَّبشيرِ بالعذابِ في قولِه: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [570] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (5/411)، ((تفسير أبي السعود)) (4/62). .
- وفيه تَخْصيصُ الذَّهبِ والفِضَّةِ بالذِّكْرِ مِنْ بين سائرِ الأموالِ؛ لأنَّهما قِيَمُ الأموالِ وأَثْمانُها وقانونُ التَّموُّلِ وأثمانُ الأشياءِ، وهما لا يُكْنَزانِ إلَّا عَنْ فَضْلةٍ عَنِ الحاجةِ وعن كَثْرةٍ، ومَنْ كَثُرَا عِنْدَهُ حتَّى يَكْنِزَهُما لَمْ يَعْدَمْ سائرَ أَجْناسِ المالِ؛ فكان ذِكْرُ كَنْزِهما دليلًا على ما سِواهما [571] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/268)، ((تفسير أبي حيان)) (5/412)، ((تفسير أبي السعود)) (4/63). .
2- يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ
- قولُه: يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى ... فيه إسْنادُ الفِعْلِ المبنيِّ للمَفْعولِ يُحْمَى إلى المَجْرورِ عليها؛ لعَدَمِ تَعلَّقُ الغَرَضِ بذِكْرِ المفعولِ المَحْميِّ لظُهورِه؛ إذ هو النَّارُ التي تُحْمى؛ ولذَلِكَ لَمْ يُقْرَنْ بعلامةِ التَّأنيثِ، فكأنَّه قيل: يومَ يَحمِي الحامونَ عليها، وعُدِّي بـ(على)؛ لإفادةِ أنَّ الحَمْيَ تَمَكَّنَ مِنَ الأموالِ بحيثُ تَكْتَسِبُ حرارةَ المَحميِّ كُلَّها، ثُمَّ أُكِّدَ مَعْنى التَّمكُّنِ بمعنى الظَّرفيَّةِ التي في قولِه: فِي نَارِ جَهَنَّمَ؛ فصارتِ الأموالُ مَحميَّةً عليها النَّارُ، ومَوضوعةً في النَّارِ [572] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/62)، ((تفسير ابن عاشور)) (10/178 ). .
- قولُه: هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فيه تَوبيخٌ لهم؛ إذْ مَعْنى لِأَنْفُسِكُمْ: لِتَنْتَفِعَ بِه أَنْفُسُكم وتَلْتَذَّ، فصار عذابًا لكم، وزيادةُ قولِه: لِأَنْفُسِكُمْ؛ للتَّنديمِ والتَّغليظِ [573] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/269)، ((تفسير أبي حيان)) (5/413)، ((تفسير ابن عاشور)) (10/179). .
- وجُمْلةُ: فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ توبيخٌ وتنديمٌ، والفاءُ في فَذُوقُوا لتَفْريعِ مَضمونِ جُمْلةِ التَّوبيخِ على جُمْلةِ التَّنديمِ الأُوْلى هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ [574] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (10/179). .
- وفي قولِه: فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ سُلوكُ مَسْلَكِ الإطنابِ بالتَّعدادِ في التَّعبيرِ عَنِ التَّعميمِ؛ لاسْتِحضارِ حالةِ ذَلِكَ العِقابِ الأليمِ؛ تهويلًا لشأنِه؛ فلذلك لم يَقُلْ: (فتُكْوى بها أجسادُهُمْ) [575] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (10/179). .
- قوله: مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ فيه التَّعبيرُ بالموصوليَّةِ مَا؛ للتَّنبيه على غَلَطِهم فيما كَنَزوا؛ لقَصْدِ التَّنديمِ [576] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (10/180). . وفيه إيجازٌ؛ حيثُ أُضْمِرَ القولُ في هَذَا مَا كَنَزْتُمْ، أي: يُقالُ لهم وَقْتَ الكَيِّ [577] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (5/413). .