موسوعة التفسير

سُورةُ الأنعامِ
الآيتان (91-92)

ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ

غريب الكلمات :

وَمَا قَدَرُوا: أي: ومَا عظَّموا وَمَا أَجَلُّوا، والقَدْر: مَبلغُ الشَّيءِ وكُنْهُه ونهايَتُه [1406] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 156)، ((تفسير ابن جرير)) (9/393)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/62)، ((المفردات)) للراغب (ص: 660)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (1/98)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 710). .
قَرَاطِيسَ: جمعُ قرطاسٍ، وهو الصحيفةُ أو الورقةُ، أو كلُّ ما يُكتَب فيه [1407] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 150)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 385)، ((المفردات)) للراغب (ص: 666)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 741). .
تُبْدُونَهَا: تُظْهِرونها؛ من البُدُوِّ، وهو ظهورُ الشَّيءِ [1408] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/212)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 64). .
ذَرْهُمْ: أي: اتْرُكْهم ودَعْهم؛ يقال: فلانٌ يذَرُ الشَّيءَ؛ أي: يقذِفُه لقِلَّة اعتداده به [1409] يُنظر: ((المفردات)) للراغب (ص: 862)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 989). .
مُبَارَكٌ: البَرَكَةُ من الزِّيادةِ والنَّماءِ، وهي ثُبوتُ الخيرِ الإلهيِّ في الشَّيءِ، والمباركُ ما فيه ذلِك الخيرُ، وأصل (برك): يدلُّ على ثباتِ الشَّيءِ [1410] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/227، 230)، ((المفردات)) للراغب (ص: 119)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 248). .
أُمَّ الْقُرَى: أي: مكَّةَ، وأمُّ الشَّيءِ أصلُه ومُقدَّمُه؛ وسُمِّيَت مكَّةُ (أمَّ القرى)؛ لأنَّها أقدَمُها، ولتَقَدُّمِها أمامَ جميعِها، وجَمْعِها ما سواها، وقيل: لأنَّها قِبلَةُ أَهْلِ القُرى ومَحَجُّهم ومُجْتَمَعُهم وأعظَمُ القُرى شأنًا، وقيل: لأنَّ الأَرضَ دُحِيَتْ منها [1411] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 156)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (1/95)، ((المفردات)) للراغب (ص: 85)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (1/99)، ((تفسير ابن كثير)) (1/102)، ((تفسير الشربيني)) (1/436). .

المعنى الإجمالي :

يُخبِر تعالى أنَّ الذين نَفَوْا أنَّ الله أنزَلَ على بشرٍ شيئًا أنَّهم ما عظَّموا اللهَ حَقَّ تعظيمِه؛ إذ قالوا هذا القولَ، وأَمَرَ نبيَّه محمَّدًا صلَّى الله عليه وسلَّم أن يسأَلَهم: من أنزَلَ التوراةَ التي أتى بها موسى نورًا وهدًى للنَّاسِ، يَجعلونَها قِطَعًا يكتبونَها بأيديهم، يُظْهِرونها ويُخْفونَ كثيرًا منها، وعَلَّمَهم الله ما لم يكونوا يعلمونَه هم ولا آباؤُهم، ثمَّ أمَرَ اللهُ نبيَّه محمدًا صلَّى الله عليه وسلَّم أنْ يقول لهم جوابًا عن ذلك السُّؤالِ: هو اللهُ مَن فعَلَ ذلك، ثم أمَرَه أن يترُكَهم في خَوضِهم يلعبونَ.
ويُخبِر تعالى أنَّ هذا القرآنَ الذي أنزَلَه اللهُ إلى محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم مباركٌ، وفيه تصديقٌ لِمَا سَبَقَه من الكُتُب، ولِيُنْذِرَ به النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أهلَ مَكَّةَ ومَن حَوْلها من العَرَب، وسائِر البُلدانِ، وبَيَّن تعالى أنَّ كُلَّ الذين يؤمنونَ بقيامِ السَّاعةِ والمَعاد في الآخِرَةِ؛ فإنَّهم يؤمنون بهذا القرآنِ الكريمِ، وهم على أداءِ صلاتهم مُحافِظون.

تفسير الآيتين :

وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91) .
مناسبةُ الآيةِ لما قَبلَها:
لَمَّا حَكَى عن إبراهيمَ عليه السَّلامُ أنَّه ذكَرَ دليلَ التوحيدِ، وإبطالِ الشِّرْك، وقرَّرَ تعالى ذلك الدَّليلَ بالوجوهِ الواضِحَةِ؛ شَرَعَ بعدَه في تقريرِ أَمْرِ النبوَّةِ [1412] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (13/58). .
وأيضًا لَمَّا حَصَرَ اللهُ تعالى الدَّعوةَ في الذِّكرى حين قال: إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ، وكان ذلك نفعًا للنَّاسِ، ورِفْقًا بهم؛ إذ لا تَزيدُ طاعَتُهم في مُلْكِ الله شيئًا، ولا يَنْقُص إعراضُهم من عَظَمته شَيئًا- أكَّدَ أمْرَ الرِّسالةِ بالإنكارِ على مَن جَحَدَها، وبالتنديدِ بِمُـنْكري النبوَّاتِ والرِّسالاتِ؛ فإنَّهم لا يَقْدُرونَ الله حَقَّ قَدْرِه، ولا يَعْرفونَ حِكْمةَ اللهِ ورحمَتَه وعَدْلَه [1413] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (7/183)،  فقال تعالى:
وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ.
أي: وما أَجَلَّوا [1414] يحتمِلُ أنَّ الذين فَعَلوا ذلك هم كفَّارُ قُريشٍ، ويَحتملُ أنَّهم اليهودُ. يُنظر: ((العذب النمير)) للشنقيطي (1/497-498). اللهَ تعالى حَقَّ إجلالِه، ولا عَظَّموه حقَّ تَعظيمِه، ولا عَرَفوه حقَّ مَعرِفَتِه؛ حين قالوا: لم يُنْزِلِ اللهُ على آدَمِيٍّ كتابًا ولا وَحْيًا؛ فهذا قَدْحٌ في حِكمَتِه، لا يليقُ به، وزعْمٌ بأنَّه يترُكُ عِبادَه سُدًى، لا يأمُرُهم ولا ينهاهم، ولا يجازِيهم، ونَفْيٌ لأعظَمِ نِعمةٍ امتَنَّ اللهُ بها على عبادِه، وهي نعمةُ الرِّسالَةِ، التي لا طريقَ للعبادِ إلى نَيْلِ السَّعادةِ والفلاحِ إلَّا بها [1415] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/393، 397)، ((تفسير ابن كثير)) (3/300)، ((تفسير السعدي)) (ص: 264)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (1/497-498). .
قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ.
أي: قل- يا محمَّدُ-: مَن أنزَلَ التوراةَ التي جاء بها موسى جَلاءً وضِياءً مِن ظُلْمةِ الضَّلالاتِ والشُّبُهاتِ، وهاديًا للنَّاسِ إلى الصِّراطِ المُسْتقيمِ، عِلْمًا وعَمَلًا بالصَّالحاتِ [1416] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/398)، ((تفسير ابن كثير)) (3/300)، ((تفسير السعدي)) (ص: 264)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (1/501-502). ؟
تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا.
أي: تَجعلونَ التَّوراةَ قِطَعًا تَنْسَخونها بأيديكم، وتَتصَرَّفونَ فيها بما شِئْتم؛ فما وافَقَ أهواءَكم منها أَظْهَرْتموه، وما خالَفَ ذلك أَخْفَيْتُموه وكَتَمتُموه، ومِمَّا كَتَمُوه أمْرُ محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم ونبوَّتِه [1417] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/398-399)، ((تفسير ابن كثير)) (3/300)، ((تفسير السعدي)) (ص: 264)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (1/500-501). .
وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ.
أي: وعلَّمَكم الله عزَّ وجلَّ بواسطةِ القرآنِ العَظيمِ ما لم تكونوا تَعلمونَه أنتم، ولم يَعْلَمْه آباؤُكم؛ كأخبارِ ما سَبَقَكم، وأنباءِ ما يأتي بَعدَكم [1418] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/399-400)، ((تفسير ابن كثير)) (3/300-301)، ((تفسير السعدي)) (ص: 264)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (1/503). .
ثم أمَره اللهُ أن يقولَ لهم؛ جوابًا عن سؤالِه لهم: قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ:
قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ.
أي: قلْ- يا محمَّدُ-: اللهُ أَنزَلَه على موسى، ثمَّ بعدَ أنْ تُفْحِمَهم بذلك، دَعْهُم فيما يخوضونَ فيه مِن باطِلِهم وكُفْرِهم باللهِ وآياتِه  يستهزِئونَ ويَسخرونَ؛ فإنِّي مِن ورائِهم بالْمِرصادِ؛ أُذيقُهم بَأْسِي، وأُحِلُّ بهم سَخَطي [1419] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/400-401)، ((تفسير ابن كثير)) (3/301)، ((تفسير السعدي)) (ص: 264)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (1/503). .
وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ (92)  .
مناسبةُ الآيةِ لما قَبلَها:
لَمَّا أبْطَلَ بالدَّليلِ قَوْلَ مَن قالَ: (ما أَنْزَلَ اللهُ على بَشَرٍ من شيءٍ)؛ ذَكَرَ بعدَه أنَّ القُرآنَ كتابُ اللهِ؛ أنزَلَه اللهُ تعالى على مُحمَّدٍ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ [1420] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (13/64). ، فقال:
وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ.
أي: وهذا القرآنُ الذي أوحيناه إليك- يا محمَّدُ- كتابٌ كثيرُ البَرَكاتِ والخَيْراتِ في الدُّنيا والآخِرَةِ [1421] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/402)، ((تفسير السعدي)) (ص: 264)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (1/504-505). .
مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ.
 أي: إنَّ القرآنَ مُوافِقٌ لِما قَبلَه من الكُتُب، لا يُخالِفُها، وشاهِدٌ لها بالصِّدْق [1422] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/402)، ((تفسير السعدي)) (ص: 264)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (1/505-506). .
وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا.
أي: ولِتُنْذِرَ أهْلَ مَكَّةَ ومَنْ حولَهم مِن أحياءِ العَرَبِ، ومِن سائِرِ البُلدان، فتُحَذِّرَ النَّاسَ عقوبةَ اللهِ عزَّ وجلَّ، وأخْذَه الأمَمَ، وتُحَذِّرهم ممَّا يوجِبُ ذلك [1423] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/402)، ((تفسير ابن كثير)) (3/301)، ((تفسير السعدي)) (ص: 264)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (1/506). قال الشِّنقيطيُّ: (يقول بعضُ العلماء: المعلَّل محذوف؛ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا أنزَلْنا إليك هذا الكتابَ. وبعضُ العلماء يقول: هو معطوفٌ على معنى ما قَبْلَه. والمعنى: كتابٌ أنزلناه إليكَ لأجلِ البركاتِ المشتمِل عليها؛ ولتصديقِ الذي بين يَديه، ولتنذرَ أمَّ القرى. وأكثرُ العلماء على أنَّ المعلل محذوف، والمعنى: ولِتُنذرَ أمَّ القرى أنزلناه إليك) ((العذب النمير)) (1/506). .
وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ.
أي: كلُّ مَن آمَن بقيامِ السَّاعةِ والمَعادِ في الآخِرَة إلى اللهِ تعالى، وصَدَّقَ بالثَّوابِ والعقابِ؛ آمَنَ بهذا القرآنِ العظيمِ [1424] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/404)، ((تفسير ابن كثير)) (3/301)، ((تفسير السعدي)) (ص: 264)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (1/508-511). .
وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ.
أي: وهم يَقومونَ بأداءِ الصَّلواتِ في أوقاتِها، ويُداوِمونَ عليها، ويَحْفَظونَ أرْكانَها وحُدودَها وشُرُوطَها وآدابَها، ومُكَمِّلاتِها [1425] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/404)، ((تفسير ابن كثير)) (3/301)، ((تفسير السعدي)) (ص: 264). .

الفوائد التربوية :

1- يَجبُ على المؤمِنِ أن يَقْدُرَ اللهَ حَقَّ قَدْرِه؛ يُرْشِدُنا إلى ذلك قولُ الله تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ، فالمقصودُ: اقْدُروه قَدْرَه الذي بيَّنَه لكم وأمَرَكم به، فصَدِّقُوا الرَّسولَ فيما أخْبَر، وأطيعوه فيما أوْجَبَ وأَمَرَ، فمَن جَحَد شَرْعَ اللهِ وأَمْرَه ونَهْيَه، وجَعَلَ الخَلْقَ بمنزلةِ الأنعامِ المُهْمَلَةِ؛ فقدْ طَعَنَ في مُلْك اللهِ، ولم يَقْدُرْه حقَّ قَدْرِه [1426] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (13/161)، ((بدائع الفوائد)) لابن القيم (4/165). .
2- يُرْشِدُنا قولُ اللهِ تعالى: وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ إلى أنَّ القرآنَ كثيرُ الخيرِ والبَرَكةِ؛ فهو دائمُ النَّفِعِ، يُبَشِّرُ المؤمنينَ بالثَّواب والمغفِرَةِ، ويَزْجُر عن القَبيحِ والمعصِيَةِ [1428] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (7/188). ؛ فمَن تَعلَّمَه وعَمِل به غَمرَتْه الخيراتُ في الدُّنيا والآخِرة؛ لأنَّ ما سمَّاه اللهُ مباركًا؛ فهو كثيرُ البَركاتِ والخَيراتِ قطعًا؛ لأنَّه كلامُ رَبِّ العالَمينَ؛ إذا قَرَأه الإنسانُ وتدَبَّرَ مَعانيَه؛ ففي كلِّ حَرفٍ عَشْرُ حَسَناتٍ في القراءةِ، إذا تدبَّرَ معانيَه عرَفَ منها العقائِدَ التي هي الحَقُّ، وعرَفَ أصولَ الحَلالِ والحَرامِ، ومكارِمَ الأخلاقِ، وأهلَ الجنَّةِ وأهلَ النَّارِ، وما يصيرُ إليه الإنسانُ بعد الموتِ، وما يُسبِّبُ له النَّعيمَ الأبديَّ، وما يُسبِّبُ له العذابَ الأبديَّ؛ فكُلُّه خيراتٌ وبَرَكاتٌ؛ لأنَّه نُورٌ يُنيرُ الطَّريقَ التي تُمَيِّزُ الحَسَنَ مِنَ القَبيحِ، والنَّافِعَ مِنَ الضَّارِّ، والباطِلَ مِنَ الحَقِّ، فهو كلُّه خيراتٌ وبَرَكاتٌ [1429] يُنظر: ((العذب النمير)) للشنقيطي (1/7)، وقال: (وكان بعضُ عُلماءِ التفسيرِ يقول: اشتَغَلْنا بالقرآنِ فغَمَرَتْنا البركاتُ والخيراتُ في الدُّنيا؛ تصديقًا لقوله: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ، ونرجو أنْ يكونَ لنا مِثلُ ذلك في [الآخِرةِ]). .

الفوائد العلمية واللطائف :

1- قولُه تعالى: قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى فيه إبطالُ دعوَى الخَصمِ بإثباتِ نقيضِها، فقد ادَّعَوا سلبًا كليًّا، فكذَّبهم الله بما يعترفونَ به، وهو الإيجابُ الجزئيُّ، فاليهودُ يعترفون بالتوراةِ التي بينَ أيديهم، ويفتخِرون بها على العربِ؛ بأنَّهم أصحابُ كتابٍ، ومع ذلك يقولونَ: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ وهذا تناقضٌ في الحقيقةِ، وقد تَقرَّرَ في فُنونِ المناظَرةِ: أنَّ (السَّالبة الكليَّة) إنما تنقُضُها (موجبةٌ جزئيَّة)، فهم قالوا: مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ، وهم يُسَلِّمونَ بَشَريَّةَ موسى، وموسى أُنزِلَ عليه الكتابُ، وهو التَّوراةُ، فالنتيجةُ أنَّ بعض البَشَرِ- وهو موسى- أُنزِلَ عليه الكتابُ؛ لذا قال اللهُ: قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى [1431] يُنظر:  ((العذب النمير)) للشنقيطي (1/499)، ((مناهج الجدل في القرآن الكريم)) لزاهر الألمعي (ص: 78)، ويُنظر أيضًا: ((تفسير أبي حيان)) (4/580، 581). .
2- قولُ اللهِ تعالى: قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ فيه أنَّ النَّكرةَ (شَيْء) في موضِعِ النَّفيِ تفيدُ العُمومَ؛ فلو لم تُفِدِ العُمومَ، لَمَا كان قولُه تبارَك وتعالى: قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى إبطالًا له ونقضًا عليه، وكان استدلالًا فاسدًا [1432] يُنظر: ((تفسير ابن عادل)) (8/278). .
3- قولُ الله تعالى: وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ أتى بنون العَظَمة؛ لأنَّها أدلُّ على تعظيمِه؛ أي: وليس مِن عندِ محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم مِن نَفْسِه، وإنَّما هو بإنزالِنا إيَّاه إليه وإرسالِنا له به [1433] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (7/187-188). .
4- في قولِه تعالى: وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا اقتصَرَ على الإنذارِ دونَ التَّبشيرِ؛ لأنَّ المقصودَ تخويفُ المُشركينَ؛ إذ قالوا: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ [1434] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (7/372). [الأنعام: 91] .
5- تمسَّك جماعاتٌ مِن اليهودِ بقولِه تعالى: وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا، قالوا: لم يُرسَل محمَّدٌ صلَّى الله عليه وسلَّم إلَّا إلى جزيرةِ العَرَبِ؛ لأنَّه قال له: وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا في موضعينِ، وقد دَلَّ القرآنُ العظيمُ والسُّنَّة الصحيحةُ وإجماعُ العلماءِ؛ أنَّ رسالةَ نبيِّنا صلَّى الله عليه وسلَّم شاملةٌ عامَّةٌ لجميعِ النَّاسِ، وعليه قد يَسألُ سائلٌ: ما الجوابُ عن قوله: أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا والاقتصارُ على هذا هنا، وفي قوله: وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ؟ للعلماءِ عنه جوابان:
أحدهما: أنَّ وَمَنْ حَوْلَهَا صادِقٌ بالدُّنيا كلِّها؛ لأنَّ الدُّنيا عندَ اللهِ شيءٌ بسيطٌ كأنَّها نُقطةٌ.
والجواب الثاني: ما قاله بعض العلماء: إنَّ غايةَ ما في البابِ أنَّ هذه الآيةَ الكريمةَ اقتصَرَتْ على إنذارِ أمِّ القرى ومَن حولها، وسكَتَت عمَّا سوى ذلك، وجاءت آياتٌ أُخَرُ صرَّحَت في الإنذارِ بالتَّعميمِ؛ كقوله: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا [الفرقان: 1] قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف: 158] وقال جلَّ وعلا: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ [1435] يُنظر: ((العذب النمير)) للشنقيطي (1/507، 508). [سبأ: 28] .

بلاغة الآيتين :

1- قوله: إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ
- في مقالهم: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ إفادة العمومِ؛ فإنَّه يَعُمُّ جميعَ البَشَرِ؛ لوقوعِ النكرة بَشَرٍ في سِياقِ النَّفيِ لنفي الجنس، ويعمُّ جميعَ ما أُنْزِلَ باقترانه بـمِنْ في حيِّزِ النَّفيِ؛ للدَّلالةِ على استغراقِ الجِنْس أيضًا، ويعمُّ إنزالَ اللهِ تعالى الوَحْيَ على البَشَرِ بنفيِ المُتعلِّق بهذينِ العُمومَينِ [1436] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (7/363). .
- قوله: قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ فيه افتتاحٌ بالأمرِ بالقولِ؛ للاهتمامِ بهذا الإفحامِ، والاستفهامُ في قوله: مَنْ أَنْزَلَ.. للتَّقريرِ [1437] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (7/363). .
- قوله: الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ على قراءة (تَجعلونَه- وتُبْدونَها- وتُخفُون) بتاء الخِطاب، وعلى القَوْلِ بأنَّ الخِطابَ لليهودِ؛ فيكون على طريقةِ الإدماجِ (أي: الخروجُ من خطابٍ إلى غَيرِه) تعريضًا باليهودِ، وإسماعًا لهم، وإن لم يكونوا حاضرينَ، من بابِ (إيَّاكِ أعني، واسْمَعي يا جارَةُ)، أو هو التفاتٌ من طريقِ الغَيبةِ الذي هو مقتضى المقامِ إلى طريقِ الخِطابِ [1438] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (7/364). .
- وقد تضمَّنَت هذه الآيةُ توبيخَهم على سوءِ جَهْلِهم بالتَّوراةِ، وذَمَّهم على تَجزِئَتِها؛ بإبداءِ بعضٍ انتخَبُوه وكتَبُوه في ورقاتٍ متفرِّقةٍ، وإخفاءِ بعضٍ لا يشتهونَه [1439] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (2/172). ؛ فأدرَجَ تعالى تحت الإلزامِ توبيخَهم، وإن نَعَى عليهم سوءَ حَمْلِهم لكتابِهم وتحريفَهم، وإبداءَ بعضٍ وإخفاءَ بعضٍ [1440] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (4/581). .
2- قوله: وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ:
- قوله: وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ افتتاحُ الكلامِ باسْمِ الإشارةِ (هَذَا) المفيدِ تمييزَ الكتابِ أكمَلَ تمييزٍ، وبناءُ فِعل أَنْزَلْنَاهُ على خبرِ اسمِ الإشارةِ؛ لإفادَةِ التقويةِ، كأنَّه قيل: وهذا أنزَلْناه، وجَعْل كِتَابٌ الذي حقُّه أن يكونَ مفعولَ أَنْزَلْنَا مسندًا إليه، ونَصْب فِعل أَنْزَلْنَا لضميرِه؛ لإفادَةِ تحقيقِ إنزالِه بالتَّعبيرِ عنه مرَّتين، وذلك كلُّه للتَّنويهِ بشَأْنِ هذا الكتابِ [1441] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (7/369). ، وتنكيرُ الكِتابِ هنا للتَّفخيمِ [1442] يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (7/516). .
- وفيه مناسَبَةٌ حسنةٌ؛ حيثُ جاءَ الوصْفُ الأوَّلُ للكتابِ جملةً فعليَّةً، وهي جملة أَنْزَلْنَاهُ؛ لأنَّ الإنزالَ يتجدَّد وقتًا بعد وقت، وجاء الوَصْفُ الثاني اسمًا، وهو قَوْلُه: مُبَارَكٌ، وكذلك الثَّالث، وهو قوله: مُصَدِّقُ؛ للدَّلالةِ على الثُّبوتِ والاستمرارِ، ودَيمومَةِ البركةِ؛ فلمَّا كان الإنزالُ يَتجدَّد عبَّر بالوصْفِ الذي هو فِعلٌ، ولَمَّا كان وصفُه بالبرَكَةِ والصِّدْق وصفًا لا يفارِقُ، عبَّر بالاسمِ الدَّالِّ على الثُّبوتِ؛ لأنَّ الاسمَ يدلُّ على الثُّبوتِ والاستقرارِ، وهو مقصودٌ هنا: أي أنَّ بَرَكَتَه ثابتةٌ مستقِرَّةٌ [1443] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (4/582)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (5/37- 38)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لمحيي الدين درويش (3/168). .
- قوله تعالى: وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ في تَرتيبِ هذه الصِّفاتِ مناسَبَةٌ حَسنةٌ كذلك؛ لأنَّه لَمَّا كان الإنكارُ إنَّما وقَع على الإنزالِ قدَّمَ وَصْفَه بالإنزالِ على وَصْفِه بالبركةِ، بخلاف قوله تعالى: وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ [الأنبياء: 50] ؛ لأنَّ الأَهَمَّ هنا وَصْفُه بالإنزالِ؛ حيثُ جاءَ عَقيبَ إنكارهِم أنْ يُنْزِلَ اللهُ على بَشَرٍ شيئًا، فقالوا بقولهم: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ، وقِيل: قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ؛ فكان تقديمُ وصْفِه بالإنزالِ هنا آكَدَ مِن وَصْفِه بكونِه مُباركًا؛ ولأنَّ ما أنزَلَ اللهُ تعالى فهو مبارَكٌ قطعًا، فصارتِ الصِّفَةُ بكونه مباركًا كأنَّها صِفَةٌ مُؤَكِّدةٌ؛ إذ تَضمَّنَها ما قَبْلَها. وأمَّا قَوْلُه: وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ فلم يَرِدْ في مَعْرِضِ إنكارِ أنْ يُنْزِلَ اللهُ شيئًا، بل جاءَ عَقِبَ قولِه تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِياءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ، فذَكَرَ أنَّ الذي آتاه الرَّسولَ هو ذِكرٌ مبارَكٌ [1444] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (4/582). .
- قوله: وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أخبَرَ عن المؤمنينَ بأنَّهم يُؤمنونَ بالقرآنِ؛ تعريضًا بأنَّهم غيرُ مقصودينَ بالإنذارِ، فيُعلَم أنَّهم أحقَّاءُ بضِدِّه، وهو البِشارةُ [1445] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (7/373). .
- قوله: وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ اكتفى بذِكْرِ الإيمانِ بالبَعْثِ- وهو أحَدُ الأركانِ السِّتَّة-؛ لأنَّ الإيمانَ به يستلزِمُ الإيمانَ بباقيها، ولإسماعِ كفَّار العَرَب وغيرِهم، مِمَّن لا يؤمِنُ بالبعثِ، أنَّ مَن آمَنَ بالبعْثِ آمَنَ بهذا الكتابِ وهذا الرَّسولِ، وأصلُ الدِّينِ خَوفُ العاقبةِ؛ فإنَّ مَن صَدَّق بالآخرةِ خافَ العاقِبَةَ، فمن خافَها لم يَزَلْ به الخوفُ حتى يَحمِلَه على النَّظَر والتدبُّرِ، حتى يؤمِنَ بالنبيِّ والكتابِ، ويحافِظَ على الطَّاعةِ [1446] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (2/172)، ((تفسير أبي حيان)) (4/583). .
- قوله: وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ خصَّ الصَّلاةَ بالذِّكْرِ؛ للتَّنبيهِ على أنَّ الصَّلاةَ أشرفُ العباداتِ بعدَ الإيمانِ باللهِ، وأعظَمُها خَطرًا، ولأنَّها عمادُ الدِّينِ، وأنَّ المحافظةَ عليها داعيةٌ إلى القيامِ بسائِرِ العباداتِ المفروضةِ، وترْكِ جميعِ المُحَرَّمات المنصوصةِ؛ وكونُ الصلاةِ أشرَفَ العباداتِ بعدَ الإيمانِ باللهِ، يتَّضِحُ مِن أنَّه لم يَقَعْ اسمُ الإيمانِ على شيءٍ من العباداتِ الظَّاهرةِ إلَّا على الصَّلاةِ؛ كما قال تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ [البقرة: 143] ، أي: صلاتَكم. ولم يقَعِ اسمُ الكُفرِ على شيءٍ من المعاصي إلَّا على تَرْك الصَّلاةِ، فلمَّا اختصَّت الصَّلاةُ بهذا النَّوعِ من التَّشريفِ، لا جَرَمَ خَصَّها اللهُ بالذِّكْرِ في هذا المَقَام [1447] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/45)، ((تفسير الرازي)) (13/66)، ((تفسير أبي حيان)) (4/584)، ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (7/518). .