موسوعة التفسير

سُورةُ النِّساءِ
الآية (127)

ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ

غريب الكلمات:

وَيَسْتَفْتُونَكَ: يَسألُونَك الفُتيا وبيانَ الحُكم؛ يُقال: استفتيتُ عن كذا، إذا سألتَ عن الحُكْمِ، وأفتى الفقيهُ في المسألةِ، إذا بَيَّن حُكمَها، والفُتيا والفَتوى: الجوابُ عمَّا يُشكِلُ من الأحكام، وأصل (فتي): تبيينُ حُكمٍ يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/473، 474)، ((المفردات)) للراغب (ص: 625). .
بِالْقِسْطِ: أي: بالعدلِ، وأصل القِسِط يَدلُّ على مَعنيينِ مُتضادَّيْنِ: العَدلِ، والجَوْرِ؛ يُقال: أَقْسَط: إذا عدَل، وقَسَط: إذا جارَ يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 103)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/85)، ((المفردات)) للراغب (ص: 670). .

مشكل الإعراب:

قوله: قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ
وَمَا يُتْلَى ما اسمٌ موصولٌ بمعنى الذي، وهو مبنيٌّ في محلِّ رفْع، على أنَّه معطوفٌ على ضَميرِ الفاعِل في يُفْتِيكُمْ العائدِ على اللهِ تعالى، والتقديرُ: اللهُ يُفتيكم فِيهنَّ والمتلوُّ في الكِتابِ. وقيل غيرُ ذلك وممَّا قيل في محلِّ إعراب مَا: إنَّه عطفٌ على الضميرِ المجرور بـفِي، أي: يُفْتيكم فيهنَّ وفيما يُتْلى، اختاره وصحَّح معناه أبو حيَّان، وضَعَّف هذا الوجهَ الزمخشريُّ والسَّمينُ الحلبي وغيرُهما؛ لاختلالِه من حيثُ المعنى؛ لأنَّه ليس المرادُ أنَّ اللهَ يُفتيكم في شأنِ ما يُتْلى عليكم في الكتاب. ينظر: ((تفسير الزمخشري)) (1/570)، ((تفسير أبي حيان)) (4/82)، ((الدر المصون)) (4/101- 102). .
وَالْمُسْتَضْعَفِينَ: مجرورٌ على أنَّه مَعطوفٌ على يَتَامَى النِّسَاءِ، أي: ما يُتلى عليكم في يَتامَى النِّساء وفي المستضعَفين. وقيل: إنَّه في موضعِ جرٍّ لكنَّه معْطوفٌ على المجرور في فِيهِنَّ، وهذا مِن بابِ العَطفِ على الضَّمير المجرورِ من غيرِ إعادة الجارِّ. وقيل: إنَّه في مَوضِعِ نصبٍ عَطفًا على مَوضِعِ فِيهِنَّ، والتَّقدير: ويُبيِّن لكم حالَ المُستضعَفين، وقيل غيرُ ذلك يُنظر: ((مشكل إعراب القرآن)) لمكي (1/209)، ((التبيان في إعراب القرآن)) للعكبري (1/393-394)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (4/100-106). .

المَعنَى الإجماليُّ:

يُخاطِبُ اللهُ نبيَّه محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قائلًا له: إنَّ أصحابَك يسألونَك عن أحكامِ النِّساءِ، فقُلْ لهم: إنَّ اللهَ يُفتيهم فيما سأَلوا عنه من أحكام النِّساء، ويُفتيهم سبحانه وتعالى أيضًا بما يُتلى عليهم في القرآن في شأنِ اليَتيمات اللَّاتي هنَّ تحتَ وِلايتِهم، فيَظلِمونَهنَّ بمَنْعِهنَّ مِن أخذِ ميراثِهنَّ أو بمَنْعِهنَّ مِن التَّزوُّجِ؛ لينتفِعوا بأموالِهنَّ، أو بالأخذ من مهورهنَّ الَّتي تزوَّجْنَ بها، أو بغير ذلك، وهذا في حالةِ رَغبتِهم عنهنَّ، أو يرغبون فيهنَّ ويريدون نِكاحهنَّ لجمالهنَّ ومالهنَّ، مع عدمِ إعطائهنَّ حقوقهنَّ مِن المهرِ كاملةً، كما يُفتيهم جلَّ وعلا في شأن المستضعَفين من الوِلدان الصِّغار، ومنه أن يعطوهم حقَّهم من الميراث وغيرِه، وألَّا يستولُوا على أموالهم ظُلمًا وعدوانًا، وأن يعدِلوا مع اليتامى عدلًا تامًّا، ثمَّ أخبر سبحانه أنَّ ما يفعلونه من خيرٍ فإنَّ اللهَ كان به عليمًا، وسيَجزيهم عليه أتمَّ الجزاءِ.

تفسير الآية:

وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا (127)
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبلَها:
لَمَّا ذكَر اللهُ سبحانه في أوَّلِ هذه السُّورة أنواعًا كثيرةً من الشَّرائع والتَّكاليف، ثمَّ أتبَعها بشرحِ أحوالِ الكافرين والمنافقين، واستقْصَى في ذلك، ثمَّ ختَم تلك الآياتِ الدَّالَّةَ على عظَمةِ جلالِ اللهِ وكمالِ كِبريائِه- عاد بعد ذلك إلى بيانِ الأحكام يُنظر: ((تفسير الرازي)) (11/233)، وقال في (11/232): (اعلَمْ أنَّ عادةَ اللِه في ترتيب هذا الكتاِب الكريم وقَعَ على أحسنِ الوجوه، وهو أنه يذكُرُ شيئًا من الأحكام، ثم يذكُرُ عَقِيبه آياتٍ كثيرةً في الوعد والوعيد، والتَّرغيب والتَّرهيب، ويخلط بها آياتٍ دالَّةً على كبرياء الله وجلالِ قدرتِه، وعظَمة إلهيَّته، ثم يعود مرةً أخرى إلى بيان الأحكام، وهذا أحسنُ أنواع التَّرتيب وأقربها إلى التَّأثير في القلوبِ؛ لأنَّ التَّكليفَ بالأعمال الشَّاقَّةِ لا يقعُ في موقع القَبولِ إلا إذا كان مقرونًا بالوعدِ والوعيد، والوعدُ والوعيد لا يؤثِّر في القلب إلا عند القطعِ بغاية كمالِ مَن صدَر عنه الوعدُ والوعيد، فظهَر أن هذا التَّرتيَب أحسنُ التَّرتيبات الَّلائقةِ بالدَّعوةِ إلى الدِّين الحقِّ).
سببُ النُّزول:
عن عُرْوةَ بنِ الزُّبَيرِ، أنَّه سَأَلَ عائِشَةَ رضِي اللهُ عنها، عن قولِ اللهِ: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى، فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ، قالتْ: يا ابنَ أُختي، هي اليتيمةُ تكونُ في حَجْرِ وليِّها تُشارِكه في مالِه، فيُعجبه مالُها وجمالُها، فيُريد وليُّها أنْ يَتزوَّجَها بغيرِ أنْ يُقسِطَ في صَدَاقِها، فيُعطيها مِثلَ ما يُعطيها غيرُه، فنُهوا أنْ يَنكحوهنَّ إلَّا أنْ يُقسِطوا لهنَّ، ويَبْلُغوا بهنَّ أعْلَى سُنَّتِهنَّ مِن الصَّدَاق، وأُمروا أنْ يَنكحوا ما طابَ لهم مِن النِّساء، سواهنَّ، قال عُروةُ: قالتْ عائشةُ: ثمَّ إنَّ الناسَ استَفْتَوا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعد هذه الآيةِ فيهنَّ، فأنزلَ اللهُ عزَّ وجلَّ: يَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ، وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ" قالتْ: والَّذي ذَكَرَ اللهُ تعالَى أنَّه يُتْلَى عليكم في الكِتابِ: الآيةُ الأُولَى الَّتي قال اللهُ فيها: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى، فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ، قالتْ عائِشَةُ: وقَوْلُ اللهِ في الآيةِ الأُخْرَى: وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ، رَغْبة أحَدِكم عَنِ اليَتِيمَةِ الَّتي تكونُ في حَجْرِهِ، حِينَ تكونُ قَليلَةَ المالِ والجَمالِ، فَنُهُوا أنْ يَنْكِحوا ما رَغِبوا في مالِها وجَمالِها مِنْ يَتامَى النِّساءِ إلَّا بِالقِسطِ؛ مِن أَجْلِ رَغْبَتِهِم عنهُنَّ رواه البخاري (2494)، ومسلم (3018). .
وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ
أي: يسألُك أصحابُك- يا محمَّدُ- أنْ تُفتيَهم في أحكامِ النِّساءِ يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/530)، ((تفسير السعدي)) (ص: 206)، ((تفسير ابن عاشور)) (5/212). .
قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ
قُلْ لهم- يا محمَّدُ-: اللهُ يفتيكم في النِّساء يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/530)، ((تفسير السعدي)) (ص: 206)، ((تفسير ابن عاشور)) (5/212). .
ثمَّ خَصَّ سبحانه بعد التَّعميم، الوصيَّةَ بالضِّعاف من اليتامى والوِلدان؛ اهتمامًا بهم، وزجرًا عن التَّفريط في حقوقِهم، فقال يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 206). :
وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ
أي: ويُفتيكم أيضًا بِما يُتلَى عليكم في القُرآنِ قال ابن عاشور: (وقوله: وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ عطفٌ على اسم الجلالة، أي: ويُفتيكم فيهنَّ ما يُتلى عليكم في الكتاب، أي القرآن، وإسنادُ الإفتاءِ إلى ما يُتلى إسنادٌ مجازيٌّ؛ لأنَّ ما يُتلى دالٌّ على إفتاءِ اللهِ، فهو سببٌ فيه، فآلَ المعنى إلى: قل الله يُفتيكم فيهن بِما يتلى عليكم في الكِتابِ) ((تفسير ابن عاشور)) (5/213)، وينظر: ((تفسير أبي السعود)) (2/237- 238). في شأنِ اليتامى مِن النِّساءِ اللَّاتي تحتَ ولايتِكم فتبخَسونهنَّ حقَّهنَّ وتَظلِمونهنَّ، بمَنْعِهنَّ مِن أخْذِ ميراثِهنَّ أو بمَنْعِهنَّ مِن التَّزوُّجِ؛ لتنتفِعوا بأموالِهنَّ خوفًا من استخراجِها من أيديكم إنْ تزوَّجْنَ، أو بالأخذ من مهورهنَّ الَّتي تزوَّجْنَ بها، أو بغير ذلك، وهذا في حالةِ رَغبتِكم عنهنَّ، أو تَرغبون فيهنَّ لجمالهنَّ ومالهنَّ ولكن تُعطونهنَّ مِن المهرِ دون ما يستحقِقْنَ يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/540)، ((تفسير ابن كثير)) (2/425)، ((تفسير السعدي)) (ص: 206)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/277). .
وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ
أي: ويُفتيكم اللهُ عزَّ وجلَّ، ويُفتيكم ما يُتلى عليكم في القُرآنِ، في شأنِ المستضعَفين من الوِلدانِ الصِّغار، ومن ذلك وجوبُ إعطائِهم حقَّهم من الميراث وغيرِه، وألا تستولُوا على أموالهم ظُلمًا وعُدوانًا يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/544)، ((تفسير السعدي)) (ص: 206)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/277-278). .
وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ
أي: ويُفتيكم اللهُ عزَّ وجلَّ، ويُفتيكم ما يُتْلَى عليكم في القُرآن، بأنْ أوجبَ عليكم العدلَ التَّامَّ مع اليتامَى، ومن ذلك إعطاؤُهم فرائضَهم على ما قَسَم اللهُ تعالى لهم في كتابِه، ومِن ذلك القيامُ عليهم بإلزامِهم بحقوق الله عزَّ وجلَّ على عباده، والقيامُ عليهم في مصالحِهم الدُّنيويَّة يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/544)، ((تفسير السعدي)) (ص: 206)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/278). .
وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا
أي: ومهما يكُنْ منكم- أيُّها المؤمنون- من عدلٍ في أموال اليتامى الَّتي أمَركم اللهُ تعالى أنْ تقوموا فيهم بالقِسطِ، والانتهاءِ إلى أمرِ الله في ذلك، وفي غيره- فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ عالمٌ به، ومُحصٍ ذلك كلَّه، وحافظٌ له، وسيجزيكم عليه أوفرَ الجزاءِ وأتمَّه يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/547-548)، ((تفسير ابن كثير)) (2/425)، ((تفسير السعدي)) (ص: 206)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/278-280). .

الفوائد التربوية :

1- أنَّ كلَّ ما عمِلْناه من خيرٍ، قليلًا كان أو كثيرًا، فإنَّ الله يعلَمُه، ويترتَّب على هذه الفائدة: الحذرُ من الإخلالِ بالواجب؛ لأنَّه إذا كان يعلَمُ الخير الَّذي نعمَلُه فهو يعلَمُ أيضًا ما لا نعمَلُه من الخيرِ؛ قال تعالى: وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/284). .
2- الحثُّ على الخيرِ؛ لأنَّك إذا علِمْتَ أنَّ الله يعلَمُه، وأنَّه سيجازيك عليه، نشِطَتْ وقوِيَتْ همَّتُك لفعلِه؛ قال جلَّ وعلا: وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/284). .

الفوائد العِلميَّة واللَّطائف:

1- حِرصُ الصَّحابة رضِي اللهُ عنهم على معرفةِ الأحكام الشَّرعيَّة؛ لقوله:وَيَسْتَفْتُونَكَ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/280). .
2- اعتناء الصَّحابةِ بشأنِ النِّساء، بل واعتناءُ الله عزَّ وجلَّ فوق ذلك بشأنهنَّ؛ لقوله: وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ؛ فالمستفتي الصَّحابةُ، والمفتي هو الله عزَّ وجلَّ، والواسطةُ بين المستفتي والمفتي هو الرَّسولُ عليه الصَّلاة والسَّلام يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/280). .
3- الرُّجوعُ إلى ما في كتابِ الله عزَّ وجلَّ، وأنَّ ما في الكتابِ من الفتوى صادرٌ من عند الله؛ لقوله: وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ وهو كذلك؛ لأنَّ الكتابَ منزَّلٌ من الله عزَّ وجلَّ، هو الَّذي تكلَّمَ به وأنزَله على محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم، وأمَره أن يُبلِّغَه النَّاسَ، وهو نفسُه تبارك وتعالى تكفَّل ببيانِه يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/281). .
4- في قوله تعالى: وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ العناية بالنِّساء عمومًا، والعناية بيتامى النِّساء، وهذا أخصُّ؛ لأنَّ يتيمةَ النِّساءِ اجتمعَ في حقِّها الضَّعفُ من حيث الجنسُ؛ فجنسُ النِّساء أضعفُ من الرِّجالِ، والضَّعفُ من حيث فَقْدُ العائلِ، وهو الأبُ؛ فلهذا أوصى اللهُ بها بعنايةٍ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/281). .
5- جبروتُ أهل الجاهليَّةِ؛ وشدة ظُلمهم ليَتامَى النِّساء، بحيث لا يُؤتونهنَّ ما كُتِبَ لهنَّ، ويتحكَّمونَ فيهنَّ وفي مصيرهنَّ؛ لقوله: اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/281). .
6- أنَّ مهرَ المرأةِ مفروضٌ لها؛ لقوله: مَا كُتِبَ لَهُنَّ، وهذا كقوله تعالى: وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ [النِّساء: 4]، وعلى هذا فصاحبُ المهرِ هو المرأةُ، وليس وليَّ المرأةِ، ولو كان أباها فالمهرُ إليها؛ تقديرُه عددًا، وتعيينُه جنسًا، ولها أن تُبرِئَ منه إذا كانت عاقلةً رشيدةً يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/281). .
7- أنَّه يجوزُ للإنسانِ أن يتزوَّجَ مَوْلِيَّتَه؛ لقوله تعالى: وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ؛ لأنَّ هؤلاء اليتامى تحت ولاية هؤلاء الَّذين يرغَبون أنْ ينكحوهنَّ، وهو أحقُّ النَّاس بتزويجها، لكنْ عليه بتقوى الله، فلا يَظلِمْها ولا يَهضِمْها حقَّها يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/281). .
8- في قوله تعالى: وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ العناية بالمستضعَفين من الوِلدان؛ لأنَّ المستضعَفَ من الوِلدان، سواءٌ كان لصِغَره، أو لمرضِه أو لجنونه، أو لغيرِ ذلك من الأسباب الَّتي صار بها ضعيفًا، فالعنايةُ به لا شكَّ أنَّها دليلٌ على رحمة الإنسان يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/282). .
9- وجوبُ القِيامِ لليتامى بالقِسطِ، وهذا أمرٌ عامٌّ، يجب على كلِّ إنسان أن يقومَ لله شهيدًا بالقسطِ، لكن اليتامى لهم أمر خاصٌّ للعدل بينهم؛ لأنَّ اليتيمَ ليس له مَن يدافعُ عنه، وربَّما يأكُلُه وليُّه من حيث لا يشعُرُ؛ فلهذا أُوصِيَ بهم؛ قال تعالى: وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/284). .

بَلاغةُ الآية:

1- قوله: قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وعدٌ باستيفاءِ الإجابة عن الاستفتاء، وهو ضربٌ من تَبشيرِ السَّائل المُتحيِّر بأنَّه قد وجَد طَلِبَتَه، وتقديمُ اسمِ الجَلَالةِ للتَّنويهِ بشأنِ هذه الفُتيا يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (5/212، 213). .
2- قوله: وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ فيه: إيجازٌ بالحذف؛ حيث إنَّ حَذْفَ حرْفِ الجرِّ بعدَ وتَرْغَبُونَ- هنا- وقَع موقعًا عظيمًا من الإيجازِ وإكثارِ المعنى، أي: ترغَبون عن نكاحِ بعضِهن، وفي نكاحِ بعضٍ آخرَ، فإنَّ فِعلَ رَغِبَ يتعدَّى بحرف (عن) للشَّيءِ الَّذي لا يُحَبُّ، وبحرفِ (في) للشَّيء المحبوب، فإذا حُذِفَ حرفُ الجرِّ احتمَل المعنيينِ إن لم يكُنْ بينهما تنافٍ يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (5/213). ، وهذا ما يُسمَّى بالكلامِ الموجَّه، وهو الَّذي يحتملُ معنيينِ متضادَّيْنِ؛ فهنَّ إمَّا جميلات أو ذوات مالٍ فتَرغَبون فيهنَّ، أو دميمات ولا مالَ لهنَّ فترغَبون عنهن- حسَب تقديرِ الجارِّ يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (4/106)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لمحيي الدين درويش (2/333). .