موسوعة التفسير

سورةُ الصَّافَّاتِ
الآيات (133-138)

ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ

غَريبُ الكَلِماتِ:

الْغَابِرِينَ: أي: الباقِينَ في العَذابِ، وقيل: الماضينَ الَّذين قد هلَكوا، والغابرُ مِن الأضْدادِ؛ يكونُ بمعنَى الماضي، وبمعنَى الباقي، وأصلُ (غبر): يدُلُّ على البَقاءِ [903] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 170)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 350)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/408)، ((المفردات)) للراغب (ص: 601)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 113)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 205)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 673)، ((تفسير الشوكاني)) (4/470). .
مُصْبِحِينَ: أي: داخِلينَ في وَقتِ الصَّباحِ، وأصلُ (صبح): لونٌ مِن الألوانِ، وهو الحُمرةُ، وسُمِّيَ الصُّبحُ صُبحًا لِحُمرتِه [904] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/93)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/328)، ((تفسير القرطبي)) (15/121)، ((تفسير ابن كثير)) (4/545). .

المعنى الإجماليُّ:

يقولُ تعالى: وإنَّ لُوطًا لَمِنْ جُملةِ المُرسَلينَ إذ نجَّيْناه وأهلَه المُؤمِنينَ مِن العذابِ إلَّا زَوجتَه العَجوزَ؛ كانت مع قَومِها الباقينَ في العذابِ، ثمَّ أهلَكْنا قومَ لُوطٍ جَميعًا.
وإنَّكم لَتَمُرُّونَ عليهم أثناءَ سَفَرِكم وأنتم داخِلونَ في وقتِ الصَّباحِ، وباللَّيلِ، أفلا تَعقِلونَ فتَتَّعِظوا وتخافوا أنْ يُصيبَكم مِثلُ ما أصابَهم؟!

تَفسيرُ الآياتِ:

وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (133).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّه لَمَّا أتَمَّ اللهُ سُبحانَه ما أراد مِن أُمورِ المُحسِنينَ مِن ذُرِّيَّةِ إبراهيمَ عليه السَّلامُ المُرسَلينَ إلى ذُرِّيَّتِه في التَّسليةِ والتَّرجيةِ، وقدَّمَهم لأنَّ المِنَّةَ عليهم مِنَّةٌ عليه، والإنسانُ بابنِه أسَرُّ منه بقَريبِه، وهم الَّذين أظهَرَ اللهُ بهم ما تَرَك عليه مِن لِسانِ الصِّدقِ في الآخِرينَ- أتْبَعَهم قِصَّةَ ابنِ أخيه، فقال [905] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/288). :
وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (133).
أي: وإنَّ لُوطًا لَرَسولٌ مِن جُملةِ رُسُلِ اللهِ تعالى [906] يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/618)، ((تفسير ابن جرير)) (19/622)، ((تفسير ابن كثير)) (7/38)، ((تفسير السعدي)) (ص: 707). .
إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (134).
أي: اذكُرْ -يا محمَّدُ- حينَ نجَّيْناه وأهلَه المُؤمِنينَ مِن العذابِ الَّذي أصاب قَومَه [907] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/622)، ((تفسير ابن كثير)) (7/38)، ((تفسير السعدي)) (ص: 707). قيل: إِذْ ظَرفٌ لفِعلٍ محذوفٍ، تقديرُه: اذكُرْ. وممَّن قال بهذا: الواحديُّ، وابن الجوزي، والرسعني، وجلال الدين المحلي، والشوكانيُّ، وابن عثيمين. يُنظر: ((الوسيط)) للواحدي (3/532)، ((تفسير ابن الجوزي)) (3/551)، ((تفسير الرسعني)) (6/422)، ((تفسير الجلالين)) (ص: 595)، ((تفسير الشوكاني)) (4/470)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الصافات)) (ص: 287، 288). قال الشوكاني: (الظَّرفُ مُتعَلِّقٌ بمحذوفٍ هو اذكُرْ، ولا يصِحُّ تعلُّقُه بالمرسَلينَ؛ لأنَّه لم يُرسَلْ وقتَ تَنجيتِه). ((تفسير الشوكاني)) (4/470). ويُنظر: ((الوسيط)) للواحدي (3/532). وقيل: إِذْ ظَرفٌ مُتعلِّقٌ بـ الْمُرْسَلِينَ، أي: إنَّه في حينِ إنجاءِ اللهِ إيَّاه، وإهلاكِ اللهِ قَومَه: كان قائمًا بالرِّسالةِ عن اللهِ تعالى، ناطِقًا بما أمَرَه الله. وممَّن قال بهذا: ابنُ عاشور. يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/171). .
كما قال تعالى: فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [الذاريات: 35، 36].
وقال سُبحانَه: إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آَلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ * نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ [القمر: 34، 35].
إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (135).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا كان الكُفرُ قاطِعًا للسَّبَبِ القَريبِ، كما أنَّ الإيمانَ واصلٌ للسَّبَبِ البَعيدِ؛ قال [908] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/289). :
إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (135).
أي: إلَّا زَوجتَه العَجوزَ لم نُنَجِّها؛ فكانت مع القَومِ الباقينَ في العَذابِ [909] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/622)، ((تفسير ابن كثير)) (7/38)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/289)، ((تفسير السعدي)) (ص: 707)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الصافات)) (ص: 288). ممَّن اختار المعنى المذكورَ لـ الْغَابِرِينَ: مقاتلُ بنُ سُلَيمانَ، والسمعانيُّ، والبغوي، والخازن، وجلال الدين المحلي، والعُلَيمي، والسعدي. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/618)، ((تفسير السمعاني)) (4/412)، ((تفسير البغوي)) (4/46)، ((تفسير الخازن)) (4/27)، ((تفسير الجلالين)) (ص: 595)، ((تفسير العليمي)) (5/546)، ((تفسير السعدي)) (ص: 707). قال الشوكاني: (الغابرُ يكونُ بمعنى الماضي، ويكونُ بمعنى الباقي، فالمعنى: إلَّا عجوزًا في الباقينَ في العذابِ، أو الماضينَ الَّذين قد هلَكوا). ((تفسير الشوكاني)) (4/470). .
كما قال تعالى: فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ [الأعراف: 83].
وقال سُبحانَه: إِلَّا آَلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ [الحجر: 59، 60].
وقال عزَّ وجَلَّ: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ [التحريم: 10].
ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآَخَرِينَ (136).
أي: ثمَّ أهلَكْنا قَومَ لُوطٍ جَميعًا، فلم يَبقَ منهم أحَدٌ [910] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/623)، ((تفسير ابن كثير)) (7/38)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/289)، ((تفسير السعدي)) (ص: 707)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الصافات)) (ص: 288). .
وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137).
أي: وإنَّكم [911] قيل: الخِطابُ لكُفَّارِ قُرَيشٍ. وممَّن قال بذلك: ابنُ جرير، والبِقاعي، وابنُ عاشور. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/623)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/289، 290)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/171). وقيل: يُمكِنُ أن يكونَ الخِطابُ عامًّا لكُلِّ مَن يَمُرُّ بِقُراهم إلى يومِ القيامةِ. يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الصافات)) (ص: 289). لَتَمُرُّونَ أثناءَ سَفَرِكم على الموضِعِ الَّذي كان فيه قَومُ لُوطٍ، وأنتم داخِلونَ في وَقتِ الصَّباحِ في أوَّلِ النَّهارِ [912] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/623)، ((تفسير القرطبي)) (15/121)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّة (19/98)، ((تفسير ابن كثير)) (7/38)، ((تفسير السعدي)) (ص: 707)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/171)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الصافات)) (ص: 289، 290). .
كما قال تعالى: وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ [الحجر: 76] .
وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (138).
وَبِاللَّيْلِ.
أي: وتَمُرُّونَ عليهم باللَّيلِ أيضًا [913] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/623)، ((تفسير القرطبي)) (15/121)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (19/98)، ((تفسير ابن كثير)) (7/38)، ((تفسير السعدي)) (ص: 707)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/171، 172). قال ابنُ عاشور: (وكان أهلُ مكَّةَ إذا سافَروا في تجارتِهم إلى الشَّامِ يمُرُّونَ ببلادِ فِلسطين، فيَمُرُّونَ بأرضِ لوطٍ على شاطئِ البَحرِ الميِّتِ المسمَّى بُحيرةَ لُوطٍ...، وكانوا يمُرُّونَ بديارِ لُوطٍ بجانبِها؛ لأنَّ قُراهم غمَرَها البَحرُ الميِّتُ، وآثارُها باقيةٌ تحت الماءِ). ((تفسير ابن عاشور)) (23/171). .
أَفَلَا تَعْقِلُونَ.
أي: أفلَيسَتْ لديكم عُقولٌ تَتفَكَّرونَ بها، فتَعتَبِروا وتتَّعِظوا، وتَخافوا أن يُصيبَكم اللهُ بعَذابِه كما أصابَ قَومَ لوطٍ الَّذين كذَّبوا رَسولَه وخالَفوه [914] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/623)، ((تفسير القرطبي)) (15/121)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (4/214)، ((تفسير ابن كثير)) (7/38)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/290)، ((تفسير الألوسي)) (12/136)، ((تفسير السعدي)) (ص: 707). ؟!

الفَوائِدُ التَّربَويَّةُ:

1- في قَولِه تعالى: إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ أنَّه قد تكونُ المرأةُ الكافِرةُ تحتَ الرَّجُلِ المؤمِنِ مِن غيرِ أنْ يَعلَمَ بها، وقد بَيَّنَ اللهُ سببَ ذلك -أي: سبَبَ وقوعِ العَذابِ عليها- بأنَّها كانت قد خانتْ زَوجَها بالكُفرِ مِن غيرِ أنْ يَعلَمَ؛ كما في قَولِه تعالى: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ [التحريم: 10] ، ويَتفرَّعُ على هذه الفائدةِ: أنَّه ينبغي للإنسانِ أنْ يَتفقَّدَ أهْلَه، وأنْ يَتحرَّى، وأنْ يَسبُرَ أمورَهم [915] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الصافات)) (ص: 293). .
2- قَولُ الله تعالى: وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ذكَرَ هذه القِصَّةَ؛ لِيَعتبِرَ بها مُشرِكو العَرَبِ؛ فإنَّ الَّذين كفَروا مِن قَومِه هلَكوا، والَّذين آمَنوا نَجَوْا [916] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (26/355). .

الفَوائِدُ العِلميَّةُ واللَّطائِفُ:

1- في قَولِه تعالى: فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ أنَّ القُربَ مِن الأنبياءِ والأولياءِ لا يُغْني عن الإنسانِ شيئًا؛ لأنَّ هذه زَوجةُ نَبيٍّ، ومع ذلك هَلَكَت مع مَن هَلَكَ، فكَوْنُ الإنسانِ قريبًا مِن إنسانٍ وَلِيٍّ للهِ: لا يُفيدُه شيئًا؛ فأبو لهبٍ عَمُّ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ومع ذلك ما نزَلَ القُرآنُ في أحدٍ مُعَيَّنٍ مِن الكُفَّارِ سِوى أبي لهبٍ عَمِّ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم! وما نزَلَ القُرآنُ في تَسميةِ شَخصٍ بعَينِه مِن المُسلِمينَ إلَّا في زيدِ بنِ حارثةَ - مَولًى مِن الموالي- مِن أبعَدِ ما يكونُ عن الرَّسولِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ! وبهذا يَتبيَّنُ أنَّ قُربَ النَّسَبِ وقُربَ المصاهرةِ لا يُغْني عن الإنسانِ شيئًا [917] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشعراء)) (ص: 268). !
2- الإشارةُ إلى أنَّ الإنسانَ إذا رأى الشَّيءَ بعَينِه كان ذلك أقوى يَقينًا ممَّا إذا أُخبِرَ به؛ لِقَولِه: وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وتُشاهِدونَ آثارَهم، وهذا يُسمَّى عَيْنَ اليَقينِ، والخُبْرُ به يُسمَّى عِلْمَ اليَقينِ [918] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الصافات)) (ص: 293). .
3- أنَّ العَقلَ حقيقةً هو ما أرشَدَ صاحبَه إلى فِعْلِ الخيرِ وتَرْكِ الشَّرِّ، وليس العَقلُ هو الذَّكاءَ؛ فالعَقلُ شَيءٌ، والذَّكاءُ شيءٌ آخَرُ، وكلُّ مَن كان مُكَذِّبًا للرُّسُلِ، مُستكبِرًا عمَّا جاؤوا به؛ فإنَّه ليس بعاقِلٍ حتَّى وإنْ كان مِن أدهَى النَّاسِ، أو كان ذا شَرَفٍ وجاهٍ؛ لِقَولِه تعالى: أَفَلَا تَعْقِلُونَ، وقد قال اللهُ مِثلَ هذا في بَني إسرائيلَ الَّذين يأمُرونَ النَّاسَ بالبِرِّ ويَنسَونَ أنفُسَهم وهم يَتْلونَ الكِتابَ، فقال: أَفَلَا تَعْقِلُونَ [919] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الصافات)) (ص: 294). .

بلاغةُ الآياتِ:

1- قولُه تعالَى: وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ
- قَولُه: إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (إذ) ظَرْفٌ مُتعلِّقٌ بمَحذوفٍ تَقديرُه: واذكُرْ، أي: اذكُرْ وَقتَ تَنْجيتِنا إيَّاهُ. وعلى القولِ بأنَّ (إذ) ظرْفٌ مُتعلِّقٌ بـ الْمُرْسَلِينَ فالمعنى: أنَّه في حِينِ إنجاءِ اللهِ إيَّاهُ وإهلاكِ اللهِ قَومَه، كان قائمًا بالرِّسالةِ عنِ اللهِ تعالى، ناطقًا بما أمَرَه اللهُ، وإنَّما خُصَّ حِينُ إنجائِه بجَعْلِه ظَرْفًا للكَونِ مِن المرسَلينَ؛ لأنَّ ذلك الوقتَ ظَرْفٌ للأحوالِ الدَّالَّةِ على رِسالتِه؛ إذ هي مُماثِلةٌ لأحوالِ الرُّسلِ مِن قبْلُ ومِن بعْدُ [920] يُنظر: ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 483)، ((تفسير أبي السعود)) (7/204)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/171). .
2- قولُه تعالَى: وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ
- الخِطابُ لِقُريشٍ الَّذينَ سِيقَتْ هذه القصصُ لِعِظَتِهم، وتَعديةُ المرورِ بحرْفِ (على) يُعيِّنُ أنَّ الضَّميرَ المجرورَ بتَقديرِ مُضافٍ، أي: على أرْضِهم، يُقالُ: مَرَّ عليه، ومرَّ بِه، وتَعديتُه بحرْفِ (على) تُفِيدُ تَمكُّنَ المرورِ أشَدَّ مِن تَعْديتِه بالباءِ [921] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/171). .
- والخبَرُ الَّذي في قَولِه: وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ مُستعمَلٌ في الإيقاظِ والاعتبارِ، لا في حَقيقةِ الإخبارِ، وتأْكيدُه بحرْفِ التَّوكيدِ وباللَّامِ تأْكيدٌ للمَعْنى الَّذي استُعْمِلَ فيه [922] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/172). .
- قَولُه تعالى: مُصْبِحِينَ أي: داخِلينَ في الصَّباحِ؛ الوَقتِ الَّذي قَلَبْنا مَدائِنَهم عليهم فيه، ونَصَّ عليه؛ للتَّذكيرِ بحالِهم فيه [923] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/290). .
3- قولُه تعالَى: وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ
- نَبَّههم بقَولِه: وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ لِيَعتَبِروا؛ لأنَّ القَومَ كانوا يُسافِرونَ إلى الشَّامِ، والمسافِرُ في أكثَرِ الأمرِ إنَّما يَمشي في اللَّيلِ وفي أوَّلِ النَّهارِ؛ فلهذا السَّبَبِ عيَّن تعالى هذَينِ الوَقتَينِ [924] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (26/355). .
- والاستِفهامُ في قَولِه: أَفَلَا تَعْقِلُونَ استِفهامٌ إنكاريٌّ مِن عَدَمِ فِطنةِ قُريشٍ لِدَلالةِ تلك الآثارِ على ما حلَّ بقَومِ لُوطٍ مِن سَخَطِ اللهِ، وعلى سبَبِ ذلك؛ وهو تَكذيبُ رسولِ اللهِ لُوطٍ عليه السَّلامُ [925] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/172). .