موسوعة التفسير

سورةُ العَنكَبوتِ
الآيات (41-44)

ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ

غَريبُ الكَلِماتِ:

أَوْهَنَ: أي: أَوْهَى وأضْعَفَ، وأصلُ (وهن): ضَعْفٌ [528] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/405)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (6/149)، ((تفسير القرطبي)) (13/345)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 332). .

المعنى الإجماليُّ:

يَضرِبُ الله تعالَى مثَلًا لِمَن يتَّخِذُ مِن دونِه آلهةً، ويَتوعَّدُ مَن يفعلُ ذلك بأشدِّ أنواعِ العذابِ، فيقولُ تعالى: مَثَلُ الَّذين اتَّخذوا مِن دونِ اللهِ أولياءَ مِن مَعبوداتٍ وغَيرِها؛ طَلبًا لِنَفعِها ونَصرِها، كمَثَلِ العَنكبوتِ اتَّخذَتْ لِنَفسِها بيتًا هو أوهَنُ البُيوتِ؛ فكذلك هؤلاءِ الأولياءُ الَّذين اتَّخَذوهم مِن دونِ اللهِ لن يَنفَعوهم بشَيءٍ، لو كانوا يَعلمونَ أنَّ ذلك مَثَلُهم!
إنَّ اللهَ يَعلَمُ ما يَدْعُونَ مِن دُونِه مِن معبوداتٍ، ويَعلَمُ حالَها وضَعْفَها، وهو مُجازيهم على كُفرِهم، وهو القَويُّ القاهِرُ الحَكيمُ في شَرعِه.
وتلك الأمثالُ المذكورةُ في القُرآنِ نَضرِبُها للنَّاسِ، وما يَفهَمُها إلَّا العالِمونَ باللهِ وآياتِه.
ثمَّ يَذكُرُ سُبحانَه ما يدُلُّ على عظيمِ قُدرتِه، فيقولُ: خلَقَ اللهُ السَّمواتِ والأرضَ بالحَقِّ، ولم يَخلُقْهما لَعِبًا ولا عَبثًا، إنَّ في ذلك لَعلامةً للمُؤمِنينَ على وحدانيَّةِ اللهِ، وتفَرُّدِه بالخَلقِ والتَّدبيرِ.

تَفسيرُ الآياتِ:

مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا بَيَّن اللهُ تعالى أنَّه أهلَكَ مَن أشرَكَ عاجِلًا، وعذَّبَ مَن كذَّبَ آجِلًا، ولم يَنفَعْه في الدَّارَينِ مَعبودُه، ولم يَدفَعْ ذلك عنه رُكوعُه وسُجودُه- مثَّلَ اتِّخاذَه ذلك مَعبودًا باتِّخاذِ العَنكَبوتِ بَيتًا لا يُجيرُ آويًا، ولا يُريحُ ثاويًا [529] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (25/57). !
وأيضًا لما بُيِّنتْ لهم الأشباهُ والأمثالُ مِن الأممِ التي اتَّخذَتِ الأصنامَ مِن دونِ الله فما أغنَتْ عنهم أصنامُهم لما جاءهم عذابُ الله؛ أعْقَب ذلك بضربِ المثلِ لحالِ جميعِ أولئكَ، وحالِ مَن ماثَلهم مِن مشركي قريشٍ في اتخاذِهم ما يحسبونَه دافعًا عنهم، وهو أضعفُ مِن أنْ يدفعَ عن نفسِه، بحالِ العنكبوتِ تتَّخِذُ لنفسِها بيتًا تحسَبُ أنَّها تعتصِمُ به مِن المعتدي عليها، فإذا هو لا يصمدُ ولا يثبتُ لأضعفِ تحريكٍ، فيسقطُ ويتمزَّقُ [530] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/252). .
مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا.
أي: مَثَلُ الَّذين اتَّخَذوا مِن دونِ اللهِ أولياءَ مِن مَعبوداتٍ وغَيرِها، فيَطلُبونَ نَفعَها، ويَرجُونَ نَصْرَها؛ كمَثَلِ العَنكَبوتِ اتَّخَذَت لنفْسِها بَيتًا تَأْوي إليه، لا يَدفَعُ عنها حَرًّا ولا بردًا، ولا مطرًا ولا ضَرًّا، وكذلك ما اتَّخَذُوهُ وَلِيًّا مِن دُونِ اللهِ لا يَملِكُ لهم نفعًا ولا ضرًّا بوجْهٍ مِن الوُجوهِ [531] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/403)، ((الوسيط)) للواحدي (3/420)، ((تفسير الرسعني)) (5/615)، ((تفسير ابن جزي)) (2/126)، ((تفسير ابن كثير)) (6/279)، ((تفسير الشوكاني)) (4/235)، ((تفسير السعدي)) (ص: 631)، ((تفسير ابن عاشور)) (20/252). .
وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ.
أي: وإنَّ أضْعَفَ البُيوتِ هو بَيتُ العَنكَبوتِ [532] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/405)، ((تفسير القرطبي)) (13/345)، ((تفسير السعدي)) (ص: 631).
لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ.
أي: لو كانوا يَعلَمونَ أنَّ ذلك مَثَلُهم، وأنَّ اتِّخاذَهم الأولياءَ مِن دونِ اللهِ كاتِّخاذِ العَنكَبوتِ بيتًا؛ لَمَا اتَّخَذوا مِن دونِ اللهِ أولياءَ، لكنَّهم يجهَلون ذلك، فيَحسَبونَ أنَّهم يَنفعونَهم ويُقَرِّبونَهم إلى اللهِ زُلْفَى [533] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/405)، ((الوسيط)) للواحدي (3/420)، ((تفسير ابن عطية)) (4/318)، ((تفسير ابن كثير)) (6/279)، ((تفسير ابن عاشور)) (20/253). !
إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (42).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا نفى عنهم العِلمَ بما تضَمَّنَه التَّمثيلُ مِن حَقارةِ أصنامِهم الَّتي يَعبُدونَها وقِلَّةِ جَدواها بقَولِه: لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ المُفيدِ أنَّهم لا يَعلَمونَ؛ أعقَبَه بإعلامِهم بعِلمِه بدقائِقِ أحوالِ تلك الأصنامِ على اختِلافِها واختِلافِ مُعتَقَداتِ القبائِلِ الَّتي عَبَدَتْها، وأنَّ مِن آثارِ عِلمِه بها ضَرْبَ ذلك المَثَلِ لحالِ مَن عَبَدوها وحالِها أيضًا [534] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/253). .
وأيضًا لَمَّا بَيَّن اللهُ تعالى نهايةَ ضَعفِ آلهةِ المُشرِكينَ؛ ارتقَى مِن هذا إلى ما هو أبلَغُ منه، وأنَّها ليست بشَيءٍ، بل هي مجَرَّدُ أسماءٍ سَمَّوها، وظُنونٍ اعتَقَدوها، وعندَ التَّحقيقِ يتبيَّنُ للعاقِلِ بُطلانُها وعَدَمُها [535] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص:631). .
إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ.
أي: إنَّ اللهَ يَعلَمُ ما [536] قيل: «ما» هنا موصولةٌ بمعنى الَّذي. وممَّن قال بذلك: القرطبي، والبِقاعي، وابن عثيمين. يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (13/346)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/443)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة العنكبوت)) (ص: 216). وقيل: «ما» نافيةٌ، بمعنى: أنَّ الله يَعلَمُ أنَّهم لا يَدْعُونَ في الحقيقةِ شيئًا موجودًا ولا إلهًا له حقيقةٌ، ولكِنَّهم يَدْعونَ أمورًا عَدَميَّةً. وممَّن ذهب إلى ذلك: السعدي، وجوَّزه ابنُ عاشور. يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 631)، ((تفسير ابن عاشور)) (20/253، 254). وقيل: هي للاستِفهامِ. وممَّن ذهب إليه أبو عليٍّ الفارسيُّ. يُنظر: ((المسائل البصريات)) لأبي علي الفارسي (1/543)، ((تفسير الشوكاني)) (4/235). ويُنظر أيضًا: ((تفسير ابن عطية)) (4/318). يَدْعُونَ مِن دُونِه -دُعاءَ مَسألةٍ أو عِبادةٍ- مِن أيِّ مَعبودٍ كان، ويَعلَمُ حالَها ووَهْنَها، وأنَّها مَعبوداتٌ باطِلةٌ كالعَدَمِ لا تَنفَعُ صاحِبَها بشَيءٍ، وهو مُجازيهم على كُفرِهم وشِرْكِهم [537] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/405، 406)، ((الوسيط)) للواحدي (3/420)، ((تفسير القرطبي)) (13/346)، ((تفسير ابن كثير)) (6/279)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/443)، ((تفسير السعدي)) (ص: 631)، ((تفسير ابن عاشور)) (20/253، 254)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة العنكبوت)) (ص: 216، 217). .
كما قال تعالى: وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ [يونس: 66] .
وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.
أي: واللهُ هو القَويُّ القاهِرُ الَّذي لا يمتَنِعُ عليه شَيءٌ أرادَه، الغالبُ، المنتقِمُ ممَّن أشرَك معه في عبادتِه غيرَه، الحَكيمُ في شَرعِه وقَدَرِه، وفي تدبيرِ خَلْقِه؛ فيَضَعُ كُلَّ شَيءٍ في مَوضِعِه اللَّائِقِ به، ومِن ذلك إهلاكُه مَن أراد إهلاكَه في الحالِ، وتأخيرُ مَن أراد تأخيرَ هَلاكِه [538] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/406)، ((تفسير الشوكاني)) (4/236)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/444)، ((تفسير السعدي)) (ص: 631)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة العنكبوت)) (ص: 217-219). .
وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (43).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّه بعدَ أن بَيَّنَ اللهُ لهم فَسادَ مُعتَقَدِهم في الأصنامِ، وأعقَبَه بتوقيفِهم على جَهلِهم بذلك؛ نعَى عليهم هنا أنَّهم ليسوا بأهلٍ لتَفَهُّمِ تلك الدَّلائِلِ الَّتي قُرِّبَت إليهم بطَريقةِ التَّمثيلِ [539] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/255). .
وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ.
أي: وتلك الأمثالُ المذكورةُ في القُرآنِ نَجعَلُها للنَّاسِ؛ لنُبيِّنَ لهم المعانيَ والحُجَجَ، ونُقَرِّبَها إلى أفهامِهم؛ لِيَنتَفِعوا بها [540] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/406)، ((تفسير القرطبي)) (13/346)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/444)، ((تفسير السعدي)) (ص: 631)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة العنكبوت)) (ص: 222، 223). .
كما قال تعالى: وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [الزمر: 27] .
وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ.
أي: وما يَفهَمُ أمثالَ القُرآنِ ويَتبيَّنُ له مَغْزاها إلَّا ذَوو العِلمِ باللهِ وآياتِه [541] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/407)، ((تفسير القرطبي)) (13/346)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (17/429)، ((تفسير ابن كثير)) (6/279)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/445)، ((تفسير الشوكاني)) (4/236)، ((تفسير السعدي)) (ص: 631)، ((تفسير ابن عاشور)) (20/256)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة العنكبوت)) (ص: 223). .
خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (44).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا قَدَّم أنَّه لا مُعجِزَ له سُبحانَه، ولا ناصِرَ لِمَن أخَذَ، وصَحَّح ذلك بالمُشاهَدةِ في القُرونِ البائِدةِ، وقَرَّبَه إلى الأذهانِ بالمَثَلِ المُستولي على غايةِ البيانِ، وختَم ذلك أنَّه حَجَب فَهْمَه عن أكثَرِ خَلْقِه- دَلَّ على ذلك كُلِّه بقَولِه مُظهِرًا لِقُوَّتِه وسائِرِ صِفاتِ كَمالِه، بعدَما حَقَّق أنَّ أولياءَهم في أنزَلِ مراتِبِ الضَّعفِ [542] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/445). :
خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ.
أي: خلَقَ اللهُ السَّمَواتِ والأرضَ بالحَقِّ [543] قال أبو السعود: (... بِالْحَقِّ أي: مُحقًّا مُراعيًا للحِكَمِ والمَصَالحِ على أنَّه حالٌ مِن فاعلِ خَلَقَ، أو ملتبسةً بالحقِّ الَّذي لا مَحيدَ عنه، مُستتبعةً للمنافعِ الدِّينيَّةِ والدُّنيويَّةِ على أنَّه حالٌ مِن مفعولِه؛ فإنَّها مع اشتمالِها على جميعِ ما يتعلَّقُ به معايشُهم شواهدُ دالَّةٌ على شؤونِه تعالى المتعلِّقةِ بذَاتِه وصِفاتِه). ((تفسير أبي السعود)) (7/41). ، ولم يَخلُقْهما باطلًا لغيرِ شَيءٍ على وَجْهِ العبثِ واللَّعبِ، إنَّما خلَقهما لأمرٍ هو كائنٌ، ولِيَكونا دلائلَ على قدرتِه وعَظَمتِه وحِكمتِه، ولِيَقومَ أمرُه وشرعُه، ولِتَتِمَّ نعمتُه على عبادِه، إلى غيرِ ذلك ممَّا لا يُحصَى [544] يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (4/319)، ((تفسير الرسعني)) (5/617)، ((تفسير أبي حيان)) (8/359)، ((تفسير ابن كثير)) (6/280)، ((تفسير السعدي)) (ص: 631). .
كما قال تعالى: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ [ص: 27] .
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ.
أي: إنَّ في خَلقِ اللهِ السَّمواتِ والأرضَ لَعَلامةً للمُؤمِنينَ على وَحدانيَّةِ اللهِ، وتفَرُّدِه بالخَلقِ والتَّدبيرِ، وكَمالِ قُدرتِه، وعلى غيرِ ذلك مِنَ المطالِبِ الإيمانيَّةِ [545] يُنظر: ((تفسير البغوي)) (3/558)، ((تفسير القرطبي)) (13/346)، ((تفسير ابن كثير)) (6/280)، ((تفسير السعدي)) (ص: 631). .

الفَوائِدُ التَّربَويَّةُ:

1- قال الله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ هذه الآيةُ تدُلُّ على أنَّ مَنِ اتَّخذَ مِن دونِ اللهِ وليًّا يَتعزَّزُ به، ويَتكبَّرُ به، ويَستنصِرُ به؛ لم يَحصُلْ له به إلَّا ضِدُّ مَقصودِه [546] يُنظر: ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (1/119). .
2- قَولُ الله تعالى: وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ هذا مَدحٌ للأمثالِ الَّتي يَضرِبُها اللهُ تعالى، وحَثٌّ على تدَبُّرِها وتَعقُّلِها، ومَدحٌ لِمَن يَعقِلُها، وأنَّه عُنوانٌ على أنَّه مِن أهلِ العِلمِ؛ فعُلِمَ أنَّ مَن لم يَعقِلْها ليس مِنَ العالِمينَ [547] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص:631). .
3- في قَولِه تعالى: وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ فائدةُ ضَربِ الأمثالِ، وأنَّه نوعٌ مِن التَّعليمِ والتَّوجيهِ [548] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة العنكبوت)) (ص: 224). ؛ فينبغي لمُعَلِّمِ النَّاسِ أن يَضربَ لهم الأمثالَ؛ لِيُقَرِّبَ لهم المعقولَ بصورةِ المحسوسِ [549] يُنظر: ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (2/432). .
4- في قَولِه تعالى: وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ فضيلةُ العلمِ [550] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة العنكبوت)) (ص: 226). ، وأنَّه يَنبغي التَّأمُّلُ في الأمثالِ؛ فالعالِمُ هو الَّذي يَتأمَّلُ ويَنظُرُ حتَّى يَعقِلَ [551] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة العنكبوت)) (ص: 224). .
5- اطمِئنانُ المؤمنِ بما يُحدِثُه اللهُ في السَّمواتِ والأرضِ؛ وجْهُ ذلك قولُه سُبحانَه وتعالى: بِالْحَقِّ، فإذا عَرَفَ المؤمنُ أنَّ ما حَدَثَ مِن جوعٍ ومَرَضٍ وزلازلَ وفَيضاناتٍ أنَّه بالحقِّ، اطمأنَّ ورَضِيَ وسَلَّمَ، ولا راحةَ في الحقيقةِ للإنسانِ إلَّا بهذا، أي: بالإيمانِ بقَضاءِ اللهِ وقَدَرِه، وأنَّه حَقٌّ، وإلَّا فإنَّه سيَتكَدَّرُ؛ لأنَّه ما مِن ساعةٍ تَمُرُّ إلَّا يَجِدُ الإنسانُ فيها ما يَسوؤُه؛ إمَّا في نفْسِه، أو أهلِه، أو صَحْبِه، أو بلدِه، أو البلادِ الإسلاميَّةِ عامَّةً [552] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة العنكبوت)) (ص: 231). .

الفَوائِدُ العِلميَّةُ واللَّطائِفُ:

1- قَولُ الله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ قال: أَوْلِيَاءَ ولم يَقُلْ: (آلهةً)؛ إشارةً إلى إبطالِ الشِّركِ الخَفيِّ أيضًا؛ فإنَّ مَن عبَدَ اللهَ رِياءً لِغَيرِه، فقد اتَّخَذ وليًّا غَيرَه [553] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (25/58). .
2- في قَولِه تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا تقبيحُ هؤلاء المُشرِكينَ، وتَنزيلُ مَرتبتِهم؛ حيثُ شُبِّهوا بالعناكِبِ، لأنَّ تَشبيهَ الإنسانِ بالحيوانِ إذلالٌ له، وتَنزيلٌ لِمَرتبتِه؛ لأنَّ اللهَ تعالى يقولُ: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا [554] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة العنكبوت)) (ص: 214). [الإسراء: 70] .
3- في قَولِه تعالى: كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ جوازُ ضَرْبِ الأمثالِ بالدُّونِ حسَبَ ما تقتضيه الحالُ؛ فإنَّ العنكبوتَ مِن أدنى ما يكونُ مِن المخلوقاتِ، وقد قال تعالى في سورةِ البقرةِ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا [البقرة: 26] ، وقد ضَرَبَ اللهُ مثلًا بالذُّبابِ، وبالحِمارِ، وبالكلبِ، وبالبَعوضةِ، وبالعَنكبوتِ؛ كلُّ هذا حسَبَ ما يقتضيه المقامُ [555] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة العنكبوت)) (ص: 214). .
4- في قَولِه تعالى: كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ سؤالٌ؛ أنَّ العَنكبوتَ قد تَنتفِعُ مِن بيتِها، أمَّا عُبَّادُ الأصنامِ فلا يَنتفعون قطعًا؛ فلا مُشابَهةَ بيْنَهما! فما وجْهُ الشَّبَهِ بيْنَهما؟
الجوابُ: عُبَّادُ الأصنامِ أيضًا قد يَنتفِعون بما يَحصُلُ لهم مِن منفعةٍ مادِّيَّةٍ مِن الوافدينَ لعبادتِها والتَّبرُّكِ بها، لكنَّ هذه المنافعَ مادِّيَّةٌ، أمَّا النَّفعُ الحقيقيُّ الَّذي هم يَرجون -وهو دَفْعُ الضُّرِّ عنهم، وجَلْبُ النفعِ لهم- فليس بحاصلٍ، فلا تَنفَعُهم آلهتُهم ولا تَمنَعُهم، كما أنَّ بيتَ العَنكبوتِ لا يَنْفَعُها ولا يَمْنَعُها؛ فيأتيها الهواءُ والبَردُ والمطرُ، ويَعْلَقُ بها التُّرابُ؛ فلا تَنتفِعُ به الانتفاعَ الكاملَ [556] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة العنكبوت)) (ص: 214). .
5- قال تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ فذَكَر سُبحانَه أنَّهم ضُعَفاءُ، وأنَّ الَّذين اتَّخَذوهم أولياءَ أضعَفُ منهم؛ فهم في ضَعفِهم وما قَصَدوه مِن اتِّخاذِ الأولياءِ كالعَنكبوتِ اتَّخَذت بيتًا، وهو أوهَنُ البُيوتِ وأضعَفُها! وتحتَ هذا المَثَلِ أنَّ هؤلاء المُشرِكينَ أضعَفُ ما كانوا؛ حيثُ اتَّخَذوا مِن دونِ اللهِ أولياءَ، فلمْ يَستَفيدوا بمَنِ اتَّخَذوهم أولياءَ إلَّا ضَعفًا [557] يُنظر: ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (1/119). !
6- لا يجوزُ تَعدِّي أمثلةِ القُرآنِ؛ لهذا لا يُقالُ عن بيتٍ: إنَّه أوهَى مِن بيتِ العنكبوتِ، فأيُّ معنًى أبلَغُ مِن معنًى أكَّدَه اللهُ مِن سِتَّةِ أوجُهٍ؛ حيث قال: وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ، فأدخَلَ (إنَّ)، وبنى أفعَلَ التَّفضيلِ، وبناه مِن الوَهْنِ، وأضافه إلى الجَمعِ، وعَرَّفَ الجمعَ باللامِ، وأتى فى خبرِ إنَّ باللَّامِ [558] يُنظر: ((البرهان في علوم القرآن)) للزركشي (1/484). . لكن يجوزُ أن نقولَ: «حُجَّةُ هذا الرَّجُلِ أوهَى مِن بيتِ العنكبوتِ»؛ لأنَّ الحُجَّةَ ليست بيتًا، فهذا لا بأسَ به؛ لأنَّه ليس فيه مُعارَضةٌ للقرآنِ [559] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة العنكبوت)) (ص: 215). .
7- في قَولِه تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ إثباتُ العلمِ للهِ سُبحانَه وتعالى فيما يَتعلَّقُ بالخَلْقِ؛ لأنَّ اللهَ جلَّ وعلا ما حَكَمَ على هؤلاء المشركين بمشابهتِهم للعَنكبوتِ إلَّا عن عِلْمٍ بأنَّ هذه الأصنامَ لا تَنفَعُ ولا فائدةَ منها، فالآيةُ كالتَّعليلِ لِمَا قَبْلَها. وفيه أيضًا الرَّدُّ على غُلاةِ القَدَريَّةِ الَّذين قالوا: إنَّ اللهَ لا يَعلَمُ الأشياءَ المتعلِّقةَ بالخَلْقِ إلَّا بعدَ وُقوعِها [560] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة العنكبوت)) (ص: 220). !
8- في قَولِه تعالى: وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ سؤالٌ: أنَّه لو قال قائلٌ: إنَّ المناسِبَ أن يُقالَ: «وهو السَّميعُ العليمُ»؛ لأنَّ اللهَ تعالى يقولُ: يَعْلَمُ، فمُقتضى الظَّاهرِ أن تُختمَ الآيةُ بالعِلمِ!
الجوابُ: هذا حَقٌّ بالنِّسبةِ لظاهرِ الكلامِ، لكنْ عندَ التأمُّلِ نَجِدُ أنَّ خِتامَه بالعِزَّةِ والحِكمةِ أبلَغُ؛ فإنَّهم يُريدونَ الاستِنصارَ بهذه الأصنامِ، والغَلَبةَ والظُّهورَ، وأكبرُ شاهدٍ لذلك قَولُ أبي سُفيانَ يومَ أُحُدٍ: «اُعْلُ هُبَلُ» [561] يُنظر ما أخرجه البخاري (3039) من حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما. ! فاعتِزازُهم بهذه الأصنامِ مُقابَلٌ بعِزَّةِ مَن لا يُغْلَبُ، وهو اللهُ جلَّ وعلا؛ ولهذا قال: وَهُوَ الْعَزِيزُ الغالِبُ لهذه الأصنامِ ولعابِديها [562] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة العنكبوت)) (ص: 217). .
9- يَقرِنُ اللهُ عزَّ وجلَّ العِزَّةَ بالحِكمةِ كما في قولِه تعالى: الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ؛ لأنَّ بعضَ أهلِ العِزَّةِ مِن الخَلقِ تَحمِلُهم العِزَّةُ على التَّهوُّرِ، وعدَمِ التَّثبُّتِ، وعَدَمِ تنزيلِ الأشياءِ منازِلَها. ودليلُ ذلك قولُه عزَّ وجلَّ: وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ [البقرة: 206] ، وكَوْنُ العِزَّةِ تأخُذُه بالإثمِ خِلافُ الحِكمةِ؛ فلهذا يَقْرِنُ اللهُ سبحانه وتعالى «العزيزَ» بـ «الحكيمِ»؛ إشارةً إلى أنَّ عِزَّتَه تبارك وتعالى مَقرونةٌ بالحِكمةِ، فهو وإنْ كان عزيزًا غالبًا قاهرًا له السُّلطانُ الكاملُ، فإنَّه عزَّ وجلَّ لا يُدَبِّرُ الأمرَ إلَّا على وجهِ الحِكمةِ البالغةِ. ثُمَّ إنَّه على تفسيرِ الْحَكِيمُ بأنَّه ذو الحُكْمِ والحِكمةِ؛ فإنَّ عِزَّتَه عزَّ وجلَّ مَقرونةٌ بحُكْمِه، وأنَّ له الحُكمَ المُطلَقَ في عبادِه سُبحانَه وتعالى [563] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة العنكبوت)) (ص: 218). .
10- في قَولِه تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ أنَّه لا يَنتفِعُ بالآياتِ إلَّا المؤمِنونَ، ويَتفرَّعُ على هذه الفائدةِ أنَّه كُلَّما كَمَلَ إيمانُ العَبدِ ازدادَ انتِفاعًا بالآياتِ؛ وجْهُه: أنَّ الحُكْمَ إذا عُلِّقَ بوَصفٍ ازدادَ قوَّةً بقوَّتِه، وضَعفًا بضَعْفِه؛ فكُلَّما كان الإنسانُ أقوى إيمانًا ظَهَرَ له مِن آياتِ اللهِ في هذه المَخلوقاتِ ما لم يَظهَرْ لِمَن هو دونَه [564] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة العنكبوت)) (ص: 232). .

بلاغةُ الآياتِ:

1- قوله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ
- قولُه: مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا فيه تَمثيلٌ وتَشبيهٌ مُركَّبٌ، والمعنى: مَثَلُ الَّذين اتَّخذوا مِن دُونِ اللهِ أولياءَ، فيما اتَّخذوه مُعتَمدًا ومُتَّكلًا في دِينِهم، وتَوَلَّوه مِن دُونِ اللهِ تعالى؛ كمثَلِ العَنكبوتِ فيما نَسجَتْه واتَّخذَتْه بَيتًا، والغرَضُ تقريرُ وَهْنِ أمْرِ دِينِهم، وأنَّه بلَغَ الغايةَ الَّتي لا غايةَ بعْدَها، ومَدارُ قُطْبِ التَّشبيهِ أنَّ أولياءَهم بمَنزلةِ مَنسوجِ العنكبوتِ؛ ضَعْفِ حالٍ، وعدَمِ صُلوحِ اعتمادٍ عليه، وعلى هذا يكونُ قولُه تعالى: (إِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ...) تَذييلًا يُقرِّرُ الغرَضَ مِن التَّشبيهِ [565] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/148)، ((الجدول في إعراب القرآن)) لصافي (20/341). . أو هو مَثَلُ المُشرِكِ الذي يَعبُدُ الوثَنَ بالقِياسِ إلى المؤمِنِ الَّذي يَعبُدُ اللهَ، مثَلُ عَنكبوتٍ يتَّخِذُ بيتًا، بالإضافةِ إلى رجُلٍ يَبْني بيتًا بآجُرٍّ وجَصٍّ، أو يَنحِتُه مِن صَخْرٍ، وكما أنَّ أوهَنَ البيوتِ إذا استَقْرَيْتَها بيتًا بيتًا بيتُ العنكبوتِ، كذلك أضعَفُ الأديانِ -إذا استَقرَيْتَها دِينًا دِينًا- عِبادةُ الأوثانِ لو كانوا يَعلَمون [566] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/454، 455)، ((تفسير البيضاوي)) (4/195)، ((تفسير أبي السعود)) (7/40)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (7/437). .
أو شَبَّه اللهُ تعالى الكفَّارَ في عِبادتِهم الأصنامَ، وبِنائِهم أُمورَهم عليها بالعَنكبوتِ الَّتي تَبْني وتَجتهِدُ، وأمْرُها كلُّه ضَعيفٌ؛ فكذلك أمْرُ أولئك، وسَعْيُهم مُضْمحِلٌّ، لا قوَّةَ له ولا مُعتمَد [567] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (8/357). .
- وقولُه تعالى: مِنْ دُونِ اللَّهِ عَبَّرَ بـ «الدُّونِ»؛ لِدُنُوِّ مَرتبتِه بالنِّسبةِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ [568] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة العنكبوت)) (ص: 210). .
- وقَولُه: كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا، عبَّر عنها بالتَّأنيثِ -وإن كانت تُقالُ بالتَّذكيرِ- تعظيمًا لِضَعفِها؛ لأنَّ المقامَ لِضَعفِ ما تَبنيه [569] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/442). قال أبو السعود: (والعنكبوتُ يقعُ على الواحدِ والجمعِ، والمذكَّرِ والمؤنَّثِ، والغالبُ في الاستعمالِ التَّأنيثُ). ((تفسير أبي السعود)) (7/40). .
- وجُملةُ اتَّخَذَتْ بَيْتًا حالٌ مِن الْعَنْكَبُوتِ، وهي قَيدٌ في التَّشبيهِ. وهذه الهيئةُ المُشبَّهُ بها مع الهَيئةِ المُشبَّهةِ قابلةٌ لِتَفريقِ التَّشبيهِ على أجزائِها؛ فالمُشرِكون أشْبَهوا العنكبوتَ في الغُرورِ بما أعَدُّوه، وأَولياؤهم أَشْبَهوا بيتَ العنكبوتِ في عدَمِ الغَناءِ عمَّن اتَّخذوها وقْتَ الحاجةِ إليها وتَزولُ بأقلِّ تَحريكٍ، وأقْصى ما يَنتفِعون به منها نفْعٌ ضَعيفٌ، وهو السُّكنى فيها، وتَوهُّمُ أنْ تَدفَعَ عنهم، كما يَنتفِعُ المُشرِكون بأوهامِهم في أصنامِهم. وهو تَمثيلٌ بَديعٌ مِن مُبتكَراتِ القرآنِ [570] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/252). .
- وجُملةُ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ مُعترِضةٌ مُبيِّنةٌ وجْهَ الشَّبهِ. وهذه الجُملةُ تَجْري مَجْرى المثَلِ، فيُضرَبُ لِقِلَّةِ جَدوى شَيءٍ؛ فاقْتَضى ذلك أنَّ الأديانَ الَّتي يَعبُدُ أهْلُها غيرَ اللهِ هي أحقَرُ الدِّياناتِ وأبعَدُها عن الخيرِ والرُّشدِ، وإنْ كانت مُتفاوِتةً فيما يَعرِضُ لتلك العِباداتِ مِن الضَّلالاتِ، كما تَتفاوَتُ بُيوتُ العنكبوتِ في غِلَظِها بحسَبِ تفاوُتِ الدُّوَيْباتِ الَّتي تَنسُجُها في القوَّةِ والضَّعفِ [571] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/253). .
2- قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
- قولُه: إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ على إضمارِ القولِ، أي: قُلْ للكَفَرةِ:... [572] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (7/41). .
- وقولُه: إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ تَوكيدٌ للمَثلِ وزِيادةٌ عليه، حيثُ لم يَجعَلْ ما يَدْعونه شيئًا -هذا على تقديرِ كونِ (ما) نافيةً-. وقولُه: وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ فيه تَجهيلٌ لهم؛ حيثُ عَبَدوا ما ليس بشَيءٍ؛ لأنَّه جَمادٌ ليس معه مُصحِّحُ العِلْمِ والقُدرةِ أصلًا، وتَرَكوا عِبادةَ القادِرِ القاهرِ على كلِّ شَيءٍ، الحَكيمِ الَّذي لا يَفعَلُ شيئًا إلَّا بحِكمةٍ وتَدبيرٍ [573] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/455)، ((تفسير أبي حيان)) (8/358). .
- قولُه: وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ تَعليلٌ؛ فإنَّ إشراكَ ما لا يُعَدُّ شيئًا بمَن هذا شأنُه مِن فرطِ الغباوةِ، وإنَّ الجَمادَ بالنِّسبةِ إلى القادِرِ القاهِرِ على كُلِّ شَيءٍ، البالِغِ في العِلْمِ وإتقانِ الفِعلِ الغايةَ القاصيةَ: كالمعدومِ البَحْتِ، وأنَّ مَن هذه صِفاتُه قادرٌ على مُجازاتِهم [574] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (4/195)، ((تفسير أبي السعود)) (7/41)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (7/436). . أو: تَذييلٌ لجُملةِ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ؛ لأنَّ الجُملةَ على كِلَا المعنيينِ في مَعاني مَا تدُلُّ على أنَّ الَّذي بيَّن حَقارةَ حالِ الأصنامِ واختِلالَ عُقولِ عابِدِيها، فلم يَعبَأْ بفَضْحِها وكَشْفِها بما يَسُوؤُها، مع وَفْرةِ أتْباعِها، ومع أوهامِ أنَّها لا يَمَسُّها أحدٌ بسُوءٍ إلَّا كانتْ مجتَمِعةً عليه بالعداوةِ؛ فلو كان للأصنامِ حَظٌّ في الإلهيَّةِ لَمَا سَلِمَ مِن ضَرِّها مَن يُحَقِّرُها، كقولِه تعالى: قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آَلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا [الإسراء: 42] ، وأنَّه لَمَّا فضَحَ عُقولَ عُبَّادِها، لم يَخْشَهم على أوليائِه، بَلْهَ ذاتَه؛ فهو عَزيزٌ لا يُغلَبُ، وحَكيمٌ لا تَنْطلي عليه الأوهامُ والسَّفاسطُ، بخِلافِ حالِ هاتيكَ وأولئك [575] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/255). .
3- قوله تعالى: وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ اسمُ الإشارةِ (تِلك) للتَّنويهِ بالأمثالِ المَضروبةِ في القُرآنِ الَّتي منها هذا المثَلُ بالعَنكبوتِ. وجُملةُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ خبرٌ عن اسمِ الإشارةِ، وهذه الجُملةُ الخبَريَّةُ مُستعمَلةٌ في الامتِنانِ والطَّوْلِ؛ لأنَّ في ضرْبِ الأمثالِ تقريبًا لِفَهمِ الأمورِ الدَّقيقةِ [576] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/256). .
- وفي قولِه: وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ تَعريضٌ بأنَّ الذين لم يَنتفِعوا بها جُهلاءُ العقولِ؛ فما بالُك بالَّذين اعْتاضُوا عن التَّدبُّرِ في دَلالتِها باتِّخاذِها هُزءًا وسُخريَّةً [577] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/256). ؟!
4- قوله تعالى: خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ بعدَ أنْ بيَّنَ اللهُ تعالى عدَمَ انتفاعِ المُشركينَ بالحُجَّةِ ومُقدِّماتِها ونتائجِها المُوصِلةِ إلى بُطلانِ إلهيَّةِ الأصنامِ، مُستوفاةً مُغْنيةً لِمَن يُرِيدُ التَّأمُّلَ والتَّدبُّرَ في صِحَّةِ مُقدِّماتِها بإنصافٍ؛ نقَلَ الكلامَ إلى مُخاطَبةِ المؤمنينَ؛ لإفادةِ التَّنويهِ بشأْنِ المؤمنينَ؛ إذِ انْتَفعوا بما هو أدَقُّ مِن ذلك، وهو حالةُ النَّظرِ والفِكرِ في دَلالةِ الكائناتِ على أنَّ خالقَها هو اللهُ، وأنَّه ليس شَيءٌ غيرُه حَقيقًا بمُشارَكتِه في إلهيَّتِه، فأفاد أنَّ المؤمنينَ قدِ اهتَدَوا إلى العِلْمِ ببُطلانِ إلهيَّةِ الأصنامِ، خِلافًا للمُشركينَ الَّذين لم يَهْتَدُوا بذلك، فأفهَمَ ذلك أنَّ مَن لم يَعقِلوها لَيسوا بعالِمينَ؛ أخْذًا مِن مَفهومِ الصِّفةِ في قولِه: لِلْمُؤْمِنِينَ إذا اعتُبِرَ المعنى الوَصْفيُّ مِن قولِه: لِلْمُؤْمِنِينَ، أو أخْذًا مِنَ الاقتصارِ على ذِكْرِ المؤمنينَ في قولِه: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ إذا اعتُبِرَ عُنوانُ المؤمنينَ لَقبًا. والاقتِصارُ عندَ ذِكْرِ دَليلِ الوَحدانيَّةِ على انتفاعِ المؤمنينَ بتلك الدَّلالةِ المُفيدِ بأنَّ المشركينَ لم يَنتفِعوا بذلك يُشْبِهُ الاحتباكَ بيْنَ الآيتَينِ [578] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/256، 257). .
- قولُه: خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فيه تَنبيهٌ على صِغَرِ قَدْرِ الأوثانِ الَّتي عَبَدوها [579] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (8/359). .
- قولُه: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ تَخصيصُ المؤمنينَ بالذِّكْرِ مع عُمومِ الهِدايةِ والإرشادِ في خَلْقهِما للكلِّ؛ لأنَّهم المُنتفِعون بذلكَ [580] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (7/41). .