موسوعة التفسير

سورةُ الكَهفِ
الآيات (42-44)

ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ

غريب الكلمات:

وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ: أي: أصابه ما أهلَكَه، وأصلُه مِن: أحاطَ به العدوُّ؛ لأنَّه إذا أحاط به فقد مَلَكه واستولَى عليه، ثم استُعمِل في كلِّ إهلاكٍ، وأصلُ (حوط): يدُلُّ على الشَّيءِ يُطيفُ بالشَّيءِ [671] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 268)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/120)، ((البسيط)) للواحدي (12/171)، ((تفسير الرسعني)) (4/292).   .
خَاوِيَةٌ: أي: خاليةٌ، قد سقط بعضُها على بعضٍ، وأصلُ (خوي): يدلُّ على الخلوِّ والسُّقوطِ [672] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 268، 483)، ((تفسير ابن جرير)) (4/586)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 208)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/265)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 214)، ((تفسير القرطبي)) (3/290)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 114).   .
عُرُوشِهَا: أي: سُقوفِها، وأصلُ (عرش): يدُلُّ على ارتفاعٍ في شَيءٍ مَبنيٍّ [673] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 268)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/264)، ((المفردات)) للراغب (ص: 558)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 214)، ((تفسير القرطبي)) (10/410).   .
الْوَلَايَةُ: أي: المُوالاةُ والنُّصرةُ. والوَلايةُ والوِلايةُ قيل: كلاهما بمعنًى، وقيل: بالكسر معناها الإمارةُ، وأصلُ (ولي): يدُلُّ على قُربٍ [674] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 268)، ((تفسير ابن جرير)) (15/270)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 480)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (6/141)، ((المفردات)) للراغب (ص: 886)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 951).   .
عُقْبًا: أي: عاقِبةً، وأصلُ (عقب): يدلُّ على تأخيرِ شَيءٍ وإتيانِه بعدَ غيرِه [675] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 268)، ((تفسير ابن جرير)) (15/271)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/77)، ((تفسير القرطبي)) (10/411)، ((تفسير ابن كثير)) (5/160).   .

المعنى الإجمالي:

يختتمُ الله سبحانه مثلَ الرجلين: المؤمنِ والكافرِ ببيانِ العاقبةِ السيئةِ التي حلَّت بذلك الكافرِ، فيقولُ تعالى: وأحاط الدَّمارُ بحَديقةِ هذا الكافرِ، فهلك كلُّ ما فيها، فصار يُقَلِّبُ كَفَّيه؛ حَسرةً وندامةً على ما أنفَقَ فيها، وهي خاويةٌ من كلِّ شيءٍ، قد سقطَ بَعضُها على بعضٍ، ويقولُ: يا ليتَني لم أُشرِكْ بربِّي أحدًا! ولم تكنْ له جماعةٌ ممَّن افتخَرَ بهم يمنَعونَه مِن عذابِ اللهِ النَّازلِ به، وما كان مُمتَنِعًا بنَفسِه وقُوَّتِه من ذلك العذابِ. في تلك الحالِ تكونُ النُّصرةُ لله الحَقِّ، ويتولَّاه الجميعُ ويُؤمِنونَ به، ويتبرَّؤون مما كانوا يعبدونَ مِن دونِه، لكِنَّ الله لا يتولَّى إلا المؤمِنينَ المتَّقينَ، والله هو خيرٌ جزاءً، وخيرٌ عاقِبةً لأهلِ طاعتِه.

تفسير الآيات:

وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّه لَمَّا كان من المعلومِ أنَّ هذا المُؤمِنَ المُخلِصَ بعَينِ الرِّضا، كان من المعلومِ أنَّ التَّقديرَ: فاستُجيبَ لهذا الرَّجُلِ المُؤمِنِ، أو: فحُقِّقَ له ما توَقَّعَه، فخُيِّبَ ظَنُّ المُشرِكِ، فعُطِفَ عليه قولُه [676] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/64).   :
وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ.
أي: وأحاط الهلاكُ بثِمارِ جَنَّةِ الكافِرِ مِن كُلِّ جانبٍ، فتَلِفَت أشجارُه، وزُروعُه، وثِمارُه [677] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/268)، ((تفسير ابن كثير)) (5/160)، ((تفسير السعدي)) (ص: 477)، ((تفسير ابن عاشور)) (15/326). قال السعدي: (والإحاطةُ بالثمرِ يستلزمُ تلفَ جميعِ أشجارِه، وثمارِه، وزرعِه). ((تفسير السعدي)) (ص: 477). وقيل: أُتْلِف مالُه كلُّه، وهَلَكَتْ أنعامُه، وسُلِبَتْ أموالُه. يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/326). وسبَق ذِكرُ القراءاتِ في كلمةِ (ثمر)، والخلافِ في معناها (ص: 189). .
فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا.
أي: فأصبح يُقَلِّبُ كَفَّيه [678] قال الرسعني: (فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ قال ابنُ عباس: يضرِبُ يديه واحدةً على أخرى. وقيل: يُقلِّبُهما ظهرًا لبَطنٍ). ((تفسير الرسعني)) (4/292). وممن ذهَب إلى المعنى الأولِ: الواحدي، وابنُ الجوزي، والقرطبي، والبقاعي، والشوكاني. يُنظر: ((الوجيز)) للواحدي (ص: 662)، ((تفسير ابن الجوزي)) (3/86)، ((تفسير القرطبي)) (10/409-410)، ((نظم الدرر)) للبقاعي(12/64)، ((تفسير الشوكاني)) (3/341). وممن ذهب إلى المعنى الثاني: ابنُ جرير، والزمخشري، والبيضاوي، وأبو حيان، وأبو السعود، والقاسمي. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/268)، ((تفسير الزمخشري)) (2/724)، ((تفسير البيضاوي)) (3/282)، ((تفسير أبي حيان)) (7/181)، ((تفسير أبي السعود)) (5/223)، ((تفسير القاسمي)) (7/36). قال أبو حيان: (وتقليبُ كَفَّيه ظاهِرُه أنَّه يقَلِّبُ كَفَّيه ظهرًا لِبَطنٍ، وهو أنَّه يُبدي باطِنَ كَفِّه ثمَّ يعوجُ كَفَّه حتى يبدوَ ظَهرُها). ((تفسير أبي حيان)) (7/181). وقيل: يصفقُ بكفٍّ على كفٍّ، ويقلبُ كفَّيه ظهرًا لبطنٍ. وممن ذهب إلى ذلك: الثعلبي، والبغوي، والخازنُ، والعليمي. يُنظر: ((تفسير الثعلبي)) (6/172)، ((تفسير البغوي)) (3/193)، ((تفسير الخازن)) (3/165)، ((تفسير العليمي)) (4/179). قال الألوسي: (وأيًّا ما كان فهو كنايةٌ عن الندمِ والتحسُّرِ). ((تفسير الألوسي)) (8/268). ؛ تحسُّرًا ونَدَمًا على ذَهابِ أموالِه الكثيرةِ التي أنفَقَها في جنَّتِه، فلم يَبقَ لها عِوَضٌ [679] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/268)، ((تفسير ابن عطية)) (3/519)، ((تفسير السعدي)) (ص: 477). قال القرطبي: (دلَّ قَولُه: فَأَصْبَحَ على أنَّ هذا الإهلاكَ جرى بالليلِ، كقَولِه تعالى: فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ [القلم: 19-20] ). ((تفسير القرطبي)) (10/410).  قال الشوكاني: (عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا أي: في عمارتِها وإصلاحِها من الأموالِ). ((تفسير الشوكاني)) (3/341). وقيل: (في) هاهنا بمعنى (على). يُنظر: ((تفسير ابن الجوزي)) (3/86). .
وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا.
أي: وهي خاليةٌ مِن الأشجارِ والزُّروعِ والثِّمارِ، قد سقَطَت سقوفُها ثمَّ سقَطَت جُدرانُها عليها [680] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/268)، ((البسيط)) للواحدي (14/28)، ((تفسير القرطبي)) (10/410)، ((تفسير ابن عاشور)) (15/327)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 75). قال ابنُ أبي زمنين: (معنى خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا أي: خرابٌ على سقفِها، والأصلُ في ذلك: أن يسقُطَ السَّقفُ، ثم تسقُطَ الحِيطانُ عليها). ((تفسير ابن أبي زمنين)) (3/65). ويُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (3/519).   .
وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا.
أي: ويقولُ الكافِرُ [681] ذهب ابنُ جريرٍ، والسمرقندي، ومكي إلى أنَّ هذا القولَ يقولُه الكافرُ في الآخرةِ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/268)، ((تفسير السمرقندي)) (2/348)، ((الهداية)) لمكي (6/4389). وممن ذهب إلى أنَّه في الدنيا: الزمخشري، والرازي، والسعدي. يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/724)، ((تفسير الرازي)) (21/466)، ((تفسير السعدي)) (ص: 477).   : يا ليتَني كنتُ مُوَحِّدًا لم أُشرِكْ برَبِّي أحدًا، وشَكَرتُه على نِعَمِه ولم أكفُرْ به [682] يُنظر: ((البسيط)) للواحدي (14/28)، ((تفسير القرطبي)) (10/410)، ((تفسير القاسمي)) (7/36). قال الزمخشري: (تذكَّر موعظةَ أخيه فعَلِمَ أنه أُتي من جهةِ شِركِه وطُغيانِه، فتمنَّى لو لم يكُنْ مُشرِكًا حتى لا يُهلِكَ الله بستانَه، ويجوزُ أن يكونَ توبةً مِن الشركِ، وندمًا على ما كان منه، ودخولًا في الإيمانِ). ((تفسير الزمخشري)) (2/724). وقال السعدي: (ولا يُستبعَدُ مِن رحمة اللهِ ولُطفِه: أنَّ صاحِبَ هذه الجنَّةِ التي أحيطَ بها، تحسَّنَت حالُه، ورَزَقَه اللهُ الإنابةَ إليه، وراجَعَ رُشدَه، وذهَبَ تمَرُّدُه وطُغيانُه؛ بدليلِ أنَّه أظهَر الندَمَ على شِركِه برَبِّه، وأنَّ الله أذهَبَ عنه ما يُطغيه، وعاقَبَه في الدنيا، وإذا أراد اللهُ بعبدٍ خَيرًا عجَّل له العُقوبةَ في الدُّنيا. وفَضلُ اللهِ لا تحيطُ به الأوهامُ والعُقول، ولا يُنكِرُه إلَّا ظالِمٌ جَهولٌ). ((تفسير السعدي)) (ص: 477). .
وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا (43).
منُاسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّه لَمَّا افتخر الكافرُ بكثرةِ مالِه، وعِزَّةِ نَفَرِه؛ أخبرَ تعالى أنَّه لم تكُنْ له فِئةٌ -أي: جماعةٌ- تنصُرُه، ولا كانَ هو مُنتَصِرًا بنفسِه [683] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/181).   .
وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ.
أي: ولم تكُنْ له جماعةٌ يَمنَعونَ عنه عذابَ اللهِ [684] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/269)، ((البسيط)) للواحدي (14/28)، ((تفسير القرطبي)) (10/410)، ((تفسير ابن كثير)) (5/160). قال الواحدي: (لم ينصُرْه النفَرُ الذين افتخر بهم حين قال: وَأَعَزُّ نَفَرًا). ((الوجيز)) (ص: 662). وقال السعدي: (لَمَّا نزل العذاب بجنَّتِه، ذهب عنه ما كان يفتخِرُ به من قوله لصاحبِه: أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا فلم يدفعوا عنه من العذابِ شيئًا، أشدَّ ما كان إليهم حاجةً!). ((تفسير السعدي)) (ص: 477). .
وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا.
أي: وما كان مُمتَنِعًا بنَفسِه مِن عذابِ اللهِ [685] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/269)، ((تفسير البغوي)) (3/194)، ((تفسير القرطبي)) (10/410).   .
هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا (44).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّه لَمَّا أنتج هذا المثَلُ قَطعًا أنَّه لا أمرَ لغيرِ الله المرجوِّ لنَصرِ أوليائه بعد ذُلِّهم، ولإغنائِهم بعد فَقرِهم، ولإذلالِ أعدائِه بعدَ عِزِّهم وكِبرِهم، وإفقارِهم بعد إغنائِهم وتجبُّرِهم، وأنَّ غيرَه إنما هو كالخيالِ لا حقيقةَ له- صَرَّحَ بذلك في قَولِه تعالى [686] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/65).   :
هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ.
القراءاتُ ذاتُ الأثَرِ في التَّفسيرِ:
في قوله: الْوَلَايَةُ قراءتان:
1- قراءةُ الْوِلَايَةُ بكسر الواو، أي: المُلكُ والسُّلطانُ والقدرةُ لله [687] قرأ بها حمزةُ، والكسائي، وخلف. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (2/277). ويُنظر لمعنى هذه القراءةِ: ((تفسير ابن جرير)) (15/270)، ((معاني القراءات)) للأزهري (2/112)، ((حجة القراءات)) لابن زنجلة (ص: 418).   .
2- قراءةُ الْوَلَايَةُ بفتح الواو، أي: النُّصرةُ لله [688] قرأ بها الباقون. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (2/277). ويُنظر لمعنى هذه القراءةِ: ((معاني القراءات)) للأزهري (2/112)، ((حجة القراءات)) لابن زنجلة (ص: 418).   .
وفي قوله: الْحَقِّ قراءتان:
1- قراءةُ الْحَقُّ بضمِّ القافِ، صِفةً للوَلايةِ، قيل المعنى: وَلايةُ اللهِ حَقٌّ وصِدقٌ لا يشوبُها نَقصٌ ولا خَلَلٌ. وقيل المعنى: الولايةُ الحَقُّ لله لا يستَحِقُّها غيرُه [689] قرأ بها أبو عمرٍو، والكسائي. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (2/311). ويُنظر لمعنى هذه القراءةِ: ((حجة القراءات)) لابن زنجلة (ص: 419)، ((الكشف)) لمكي (2/63)، ((تفسير ابن عاشور)) (15/329).   .
2- قراءةُ الْحَقِّ بكسرِ القافِ، صفةً لله تعالى، بمعنى: ذي الحَقِّ، أي: هو الحَقُّ في ألوهيَّتِه [690] قرأ بها الباقون. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (2/311). ويُنظر لمعنى هذه القراءةِ: ((تفسير ابن جرير)) (15/270، 271)، ((الكشف)) لمكي (2/63).   .
هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ.
أي: في ذلك المقامِ، وتلك الحالِ [691] وممن ذهَب إلى أنَّ الإشارةَ في قولِه: هُنَالِكَ إلى العذابِ الذي أصاب جنتَه في الدنيا: الزمخشري، وابنُ كثير، والسعدي، والشنقيطي. يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/724)، ((تفسير ابن كثير)) (5/160)، ((تفسير السعدي)) (ص: 478)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/279). وممن ذهب إلى أنَّ الإشارةَ فيها إلى العذابِ في الآخرةِ: ابنُ جريرٍ، والواحدي، والقرطبي، وابنُ عثيمين. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/270)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 662)، ((تفسير القرطبي)) (10/411)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 76).   ، النُّصرةُ لله المعبودِ الحَقِّ وَحدَه، لا يملكُها غيرُه، ولا يَقدِرُ عليها سِواه [692] يُنظر: ((تفسير الرسعني)) (4/294)، ((تفسير الشوكاني)) (3/342)، ((تفسير القاسمي)) (7/37). وممن اختار المعنى المذكورَ: الرسعني، والشوكاني، والقاسمي. يُنظر: المصادر السابقة.   ، فيتولَّونَ اللهَ جميعُهم ويُؤمِنونَ به، ويتبرَّؤون مِن الآلهةِ الباطلةِ الكاذبةِ، لكِنَّ الله لا يتولَّى ولا ينصُرُ سوى عبادِه المؤمِنينَ المتَّقينَ [693] ممن اختار هذا المعنى: يحيى بنُ سلام، وابنُ قتيبة، والنحاس، وابنُ أبي زمنين، والواحدي، والخازن، وابنُ كثير. يُنظر: ((تفسير يحيى بن سلام)) (1/188)، ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 268)، ((معاني القرآن)) للنحاس (4/247)، ((تفسير ابن أبي زمنين)) (3/65)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 662)، ((تفسير الخازن)) (3/165)، ((تفسير ابن كثير)) (5/160). قال الشنقيطي: (على قراءةِ مَنْ قَرَأَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ بفتحِ الواوِ فإنَّ معناها: الموالاةُ والصِّلةُ، وعلى هذه القراءةِ ففي معنَى الآيةِ وجهانِ: الأوَّلُ: أنَّ معنَى هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ، أي: في ذلك المقامِ، وتلكَ الحالِ تكونُ الولايةُ مِنْ كلِّ أحدٍ للَّهِ ؛ لأنَّ الكافرَ إذا رأَى العذابَ رَجَع إلى اللَّهِ، وعلَى هذا المعنَى فالآيةُ كقولِه تعالَى: فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ [غافر: 84] ، وقولِه في فرعونَ: حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ [يونس: 90 - 91] ، ونحو ذلك مِنَ الآياتِ. الوجهُ الثَّاني: أنَّ الولايةَ في مثلِ ذلك المقامِ وتلك الحالِ للَّهِ وحدَه، فيوالِي فيه المسلمينَ ولايةَ رحمةٍ، كما في قولِه تعالَى: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا الآيةَ [البقرة: 257] ، وقولِه: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ [محمد: 11] ، وله على الكافرينَ وَلايةُ الملكِ والقهرِ، كما في قولِه: وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ [يونس: 30] ). ((أضواء البيان)) (3/279). .
كما قال تعالى: ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ [الأنعام: 62] .
وقال سُبحانَه: فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ [هود: 101] .
وقال عزَّ وجلَّ: فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ [غافر: 84] .
هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا.
أي: اللهُ أفضَلُ جَزاءً لأهلِ طاعتِه في الدُّنيا وفي الآخرةِ، وعاقِبةُ طاعتِه خيرٌ مِن عاقبةِ طاعةِ غيرِه [694] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/270)، ((تفسير البغوي)) (3/194)، ((تفسير القرطبي)) (10/411)، ((تفسير السعدي)) (ص: 478)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 76).   .

الفوائد التربوية:

1- قَولُ الله تعالى: وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا * وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا * هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا في هذه القِصَّةِ العَظيمةِ اعتِبارٌ بحال الذي أنعم اللهُ عليه نِعَمًا دُنيويَّةً، فألهَتْه عن آخِرتِه وأطغَتْه، وعصى اللهَ فيها؛ أنَّ مآلَها الانقِطاعُ والاضمِحلالُ، وأنَّه وإن تمتَّعَ بها قليلًا فإنَّه يُحرَمُها طَويلًا [695] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص:477).   .
2- قال الله تعالى: وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ... فأحاطَ به هذا العِقابُ لا لمُجرَّدِ الكُفْرِ؛ لأنَّ اللهَ قد يُمتِّعُ كافرينَ كثيرينَ طولَ حياتِهم، ويُمْلي لهم ويَسْتدرِجُهم، وإنَّما أحاط به هذا العِقابُ جزاءً على طُغيانِه، وجعْلِه ثَروتَه ومالَه وسيلةً إلى احتقارِ المُؤمنِ الفقيرِ؛ فإنَّه لمَّا اعتَزَّ بتلك النِّعمِ، وتوسَّلَ بها إلى التَّكذيبِ بوعْدِ اللهِ؛ استحَقَّ عِقابَ اللهِ بسلْبِ تلك النِّعمِ عنه، كما سُلِبَتِ النِّعمةُ عن قارونَ حين قال: إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي [القصص: 78] . وبهذا كان هذا المثَلُ موضِعَ العِبرةِ للمُشرِكينَ الَّذين جَعَلوا النِّعمةَ وسيلةً للتَّرفُّعِ عن مجالسِ الدَّعوةِ؛ لأنَّها تجمَعُ قومًا يَرَونهم أحطَّ منهم، وطَلَبوا من النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّمَ طرْدَهم عن مَجْلسِه [696] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/328).   .
3- كشَف هذا المثلُ أنَّ ما فيه الكفارُ مِن الارتفاقِ العاجلِ ليس أهلًا لأن يُفتخرَ به؛ لأنَّه إلى زوالٍ [697] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/56).   .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قَولُ اللهِ تعالى: وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ بُني  الفِعلُ للمَفعولِ؛ لأنَّ النَّكَدَ حاصِلٌ بإحاطةِ الهَلاكِ مِن غيرِ نَظَرٍ إلى فاعلٍ مَخصوصٍ [698] يُنظر: ((تفسير الشربيني)) (2/378).   .
2- قولُه: هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا (خَيْرٌ) هنا ليستْ على بابِها [699] قال الشنقيطي: (ولفظةُ «خيرٍ» و«شرٍّ» كلتاهما تأتي صيغةَ تفضيلٍ حُذِفَتْ منها الهمزةُ تخفيفًا؛ لكثرةِ الاستعمالِ). ((أضواء البيان)) (3/280).   -أي ليستْ للتَّفضيلِ، ولكنْ لإثباتِ الخَيريَّةِ المُطلَقةِ لثَوابِ اللهِ، ونَفْيِه عن غَيرِه-؛ إذْ غيرُ اللهِ لا يُثيبُ، ولا تُحْمَدُ طاعتُه في العاقبةِ ليكونَ اللهُ خيرًا منه ثوابًا وعُقبًا، أو ذلك على سَبيلِ الفرضِ والتَّقديرِ [700] يُنظر: ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 341).   .
3- قَولُ الله تعالى: هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا فيه أنَّ وَلايةَ اللهِ وعَدَمَها إنَّما تتَّضِحُ نتيجتُها إذا انجلى الغُبارُ، وحَقَّ الجزاءُ، ووجَدَ العامِلونَ أجْرَهم، فـ هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا أي: عاقبةً ومآلًا [701] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 477).   .
4- الحَقُّ اسمٌ مِن أسماءِ اللهِ تعالى؛ قال الله تعالى: هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ [702] يُنظر: ((تفسير يحيى بن سلام)) (1/188). ويُنظر: ((صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة)) لعلوي السقاف (ص: 135).   .

بلاغة الآيات:

1- قوله تعالى: وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا
     - قولُه: وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ عطْفٌ على مُقدَّرٍ؛ كأنَّه قيلَ: فوقَعَ بعضُ ما توقَّعَ من المحذورِ وأُهْلِكَ أموالُه -وذلك على أحدِ القولينِ في التفسيرِ-؛ وإنَّما حُذِفَ لدَلالةِ السِّباقِ والسِّياقِ عليه [703] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/223).   .
     - وقوله: وَأُحِيطَ، أي: أوقعتِ الإحاطةُ بالهلاكِ، وبُني للمفعولِ؛ لأنَّ الفِكرَ حاصلٌ بإحاطةِ الهلاكِ مِن غيرِ نَظرٍ إلى فاعِلٍ مخصوصٍ، وللدَّلالةِ على سُهولتِه [704] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/64).   .
     - قولُه: وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ خُصِّص الثمرُ بالذكرِ مع أنَّ الأصولَ والثمرَ قد أُهلِكا جميعًا؛ إذ الثمرُ مقصودُ المستغِلِّ، وإذ هلاكُ الأصولِ إنما يسوء منه هلاكُ الثمرِ الذي كان يُرجَى في المستقبَلِ، كذلك تقتضي الإحاطةُ المطلقةُ بالثمرِ أنَّ الأصولَ قد هلكَتْ [705] يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (3/516).   .
     - وإنَّما لم تُعْطَفْ جُملةُ وَأُحِيطَ بفاءِ التَّفريعِ على رَجاءِ صاحبِه المُؤمنِ؛ إذ لم يَتعلَّقِ الغرضُ في هذا المقامِ بالإشارةِ إلى الرَّجلِ المُؤمنِ، وإنَّما المُهِمُّ التَّنبيهُ على أنَّ ذلك حادثٌ حَلَّ بالكافرِ بسَببِ كُفرِه وطُغيانِه؛ ليعلَمَ السَّامِعون أنَّ ذلك جزاءُ أمثالِه، وأنْ ليس بخُصوصيةٍ لدَعوةِ الرَّجلِ المُؤمنِ [706] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/326).   .
     - قولُه: وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ... فيه تتميمٌ، حيثُ صَوَّرَ الإطاحةَ بالجنَّتينِ وبالثَّمرِ معًا، فقال: وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ، ثمَّ وصَفَ حالتَه فقال: فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا [707] يُنظر: ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (5/604- 605).   .
     - في قولِه: يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ تَقليبُ الكفَّينِ كِنايةٌ عن النَّدمِ والتَّحسُّرِ؛ لأنَّ النَّادِمَ يُقلِّبُ كفَّيْه ظهرًا لبطنٍ [708] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/724)، ((تفسير البيضاوي)) (3/282)، ((تفسير أبي حيان)) (7/181)، ((تفسير أبي السعود)) (5/223)، ((تفسير ابن عاشور)) (15/327)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (5/605).   .
     - قولُه: فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا لعلَّ تَخصيصَ النَّدمِ به دُونَ ما هلَكَ الآنَ من الجنَّةِ؛ لأنَّه إنَّما يكونُ على الأفعالِ الاختياريَّةِ، ولأنَّ ما أنفَقَ في عِمارتِها كان ممَّا يُمكِنُ صِيانتُه عن طوارقِ الحَدثانِ، وقد صرَفَه إلى مصالحِها؛ رجاءَ أنْ يتمتَّعَ بها أكثَرَ ممَّا يتمتَّعُ به، وكان يَرى أنَّه لا تَنالُها أيدي الرَّدى؛ ولذلك قال: مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا، فلمَّا ظهَرَ له أنَّها ممَّا يَعتريه الهلاكُ، ندِمَ على ما صنَعَ بِناءً على الزَّعمِ الفاسدِ، من إنفاقِ ما يُمكِنُ ادِّخارُه في مثْلِ هذا الشَّيءِ السَّريعِ الزَّوالِ [709] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/223-224).   .
     - قولُه: وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا، أي: وهي خاليةٌ من الشَّجرِ والزَّرعِ، والعُروشُ: السُّقفُ. وهذا التَّركيبُ أرسَلَه القُرآنُ مثَلًا للخَرابِ التَّامِّ الَّذي هو سُقوطُ سُقوفِ البِناءِ وجُدرانِه [710] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/327).   . وقيل: تَخصيصُ حالِ العُروشِ فقط بالذِّكرِ دُونَ النَّخلِ والزَّرعِ؛ لأنَّها العُمدةُ وهما من مُتَمِّماتِها، أو لأنَّ ذِكْرَ هلاكِها مُغْنٍ عن ذِكْرِ هلاكِ الباقي؛ لأنَّها حيثُ هلَكَت وهي مُشيَّدةٌ بعُروشِها؛ فهلاكُ ما عداها بالطَّريقِ الأَولى، وإمَّا لأنَّ الإنفاقَ في عِمارتِها أكثرُ [711] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/224).   .
     - قوله: وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي جيءَ بالمُضارِعِ وَيَقُولُ -مع أنَّه حِكايةٌ لتندُّمِه على ما فرَطَ منه حين لا ينفَعُه النَّدمُ بعدَ حُلولِ العذابِ-؛ للدَّلالةِ على تكرُّرِ ذلك القولِ منه [712] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/327).   .
     - وحرْفُ النِّداءِ (يا) مُستعملٌ في التَّلهُّفِ. و(لَيْتَنِي) تمَنٍّ مُرادٌ به التَّندُّمُ [713] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/327).   .
2- قوله تعالى: وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا
     - قولُه: فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ لم يقُلْ: (تَنصُرُه) وإنَّما جُمِعَ الضَّميرُ في يَنْصُرُونَهُ باعتبارِ المعنى، كما في قولِه عَزَّ وعَلا: يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ [714] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/181)، ((تفسير أبي السعود)) (5/224).   [آل عمران: 13] .
3- قوله تعالى: هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا
     - قولُه: هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا تَذييلٌ للجُملِ قبْلَها؛ لِما في هذه الجُملةِ من العُمومِ الحاصلِ من قصْرِ الولايةِ على اللهِ تعالى المُقْتضي تَحقيقَ جُملةِ وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا [الكهف: 42] ، وجُملةِ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ [الكهف: 43] ، وجُملةِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا [الكهف: 43] ؛ لأنَّ الولايةَ من شأْنِها أنْ تبعَثَ على نصْرِ المَولى، وأنْ تُطمِّعَ المَولى في أنَّ وَلِيَّه ينصُرُه؛ ولذلك لمَّا رأى الكافرُ ما دهاهُ من جرَّاءِ كُفْرِه، الْتجَأَ إلى أنْ يقولَ: يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا [الكهف: 42] ؛ إذ علِمَ أنَّ الآلهةَ الأُخرى لم تُغْنِ ولايتُهم عنه شيئًا [715] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/224)، ((تفسير ابن عاشور)) (15/328).   .
     - واسمُ إشارةِ المكانِ البَعيدِ هُنَالِكَ للإشارةِ إلى الحالِ العجيبةِ بتَشبيهِ الحالةِ بالمكانِ؛ لإحاطتِها بصاحبِها، وتَشبيهِ غَرابتِها بالبُعدِ؛ لنُدرةِ حُصولِها. والمعنى: أنَّ في مثْلِ تلك الحالةِ تُقْصَرُ الولايةُ على اللهِ؛ فالولايةُ: جِنسٌ مُعرَّفٌ بلامِ الجنسِ، يُفيدُ أنَّ هذا الجنسَ مُختصٌّ باللَّامِ على نحوِ ما قُرِّرَ في قولِه تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ [716] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/328).   [الفاتحة: 2] . وقيل: أُشيرَ به لدارِ الآخرةِ، أي: في تلك الدَّارِ الولايةُ للهِ، كقوله: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ [غافر: 16] ؛ لَمَّا نفى عنه الفِئةَ النَّاصرةَ في الدُّنيا، نَفى عنه أنْ يَنتصِرَ في الآخِرةِ، فقال: وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا * هُنَالِكَ، أي: في الدَّارِ الآخرةِ [717] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/182).   .