الموسوعة الحديثية


- عن أنسٍ قالَ: إنِّي لأسعى في الغِلمان يقولون جاءَ محمَّدُ وأسعى ولا أرى شيئًا ثمَّ يقولونَ: جاءَ محمَّدٌ فأسعى حتَّى جاءَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ وصاحبُهُ أبو بَكرٍ فَكمنَّا في بعضِ جدرِ المدينة، ثمّ بعثا رجلًا من أَهلِ الباديةِ ليؤذنَ بِهما الأنصارَ قالَ: فاستقبلَهما زُهاءَ خَمسِمائةٍ منَ الأنصارِ حتَّى انتَهوا إليْهما فقالوا انطلقا آمنَينِ مطاعَينِ فأقبلَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ وصاحبُهُ بينَ أظْهرِهم، فخرجَ أَهلُ المدينةِ حتَّى إنَّ العواتقَ لفوقَ البيوتِ يتراءينَهُ يقلنَ: أيُّهم هوَ؟ قالَ: فما رأينا منظرًا شبيهًا بِهِ يومئذٍ.
الراوي : أنس بن مالك | المحدث : الذهبي | المصدر : تاريخ الإسلام | الصفحة أو الرقم : 1/332 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
كانتَ مُدَّةُ دَعْوةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في مَكَّةَ -وهي عَشْرُ سِنينَ- مَليئَةً بالْأَسَى والْأَلَمِ؛ وقد دَعا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أهْلَ القُرى والمُدُنَ المُجاوِرَةَ، مِثل: الطائِفِ، ولكنَّهم صَدوهُ أيضًا، ثم كانت بَيْعَةُ الأنْصارِ، وكانوا أوَّلَ مَنْ قرَّر بعَزْمٍ وحَزْمٍ أنْ يُهاجِرَ إليهم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على أنْ يُؤْمِنوا به ويُوَقِّروهُ ويَنْصُروهُ.
وفي هذا الحديثِ عن أنسِ بنِ مالكٍ رضِيَ اللهُ عنه قال: "إنِّي لأَسْعى في الغِلْمانِ"، أي: أَجْري معَ الأطْفالِ الصِّغارِ في المدينَةِ، "يقولون: جاءَ مُحمَّدٌ"، أي: جاءَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من مكَّةَ مُهاجِرًا إلى المدينَةِ، "وأَسْعى ولا أرى شيئًا، ثم يقولون: جاء مُحمَّدٌ فأَسْعى"، أي: كُلَّما نادى الأطْفالُ بِمَجيءِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حَفَزَهُ ذلك للجَرْيِ لرُؤْيَتِهِ، "حتى جاءَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وصاحِبُهُ أبو بَكرٍ فَكَمَنَّا"، أي: اخْتَبَأْنا وانْتَظَرْنا "في بَعْضِ جُدُرِ المدينَةِ" جَمْعُ جِدارٍ، وهو الحائِطُ المَبْنِيُّ، ويُطلَقُ على البُسْتانِ والحَديقَةِ، "ثم بَعَثَا"، أي: أَرْسَلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وصاحبه أبو بَكرٍ، "رَجُلًا من أَهْلِ البادِيَةِ"، أي: مِنَ الأعْرابِ الذين يَعيشونَ في الصَّحْراءِ؛ "لِيُؤْذِنَ بهما الأنْصارَ"، أي: لِيَعْلَمَ الأنْصارُ بقُدومِهِما، قال أنسٌ رضِيَ اللهُ عنه: "فاسْتَقْبَلَهُما زُهاءُ"، أي: قُرابَةُ "خَمْسِ مِئةٍ من الأنْصارِ حتى انْتَهَوْا إليهما"، أي: وَصَلوا إليهما "فقالوا: انْطَلِقَا آمِنَيْنِ"، أي: لكم الأمْنُ في المدينَةِ، "مُطَاعَيْنِ"، أي: ولكم الطاعَةُ منا في المدينَةِ، "فأَقْبَلَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وصاحِبُهُ بين أَظْهُرِهِم، فخَرَجَ أهْلُ المدينَةِ" لِيَسْتَقْبِلوهُما "حتى إنَّ العَواتِقَ" جَمْعُ عاتِقٍ، وهي مَنْ بَلَغَتِ الحُلُمَ أو قارَبَتْ، أو اسْتَحَقَّتِ التَّزويجَ، أو هي الكريمةُ على أهْلِها، أو الَّتي عَتَقَتْ عن الامتهانِ في الخُروجِ للخِدْمَةِ، "لَفَوْقَ البُيوتِ"، أي: صَعَدْنَ الأَسْطُحَ، "يَتَراءَيْنَهُ"، أي: يَنْظُرْنَ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، "يَقُلْنَ: أيَّهُم هو؟"، أي: يُرِدْنَ أنْ يُميَّزَ لَهُنَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن صاحِبِهِ أبي بَكرٍ رضِيَ اللهُ عنه، قال أنسٌ رضِيَ اللهُ عنه: "فما رَأَيْنا مَنْظَرًا شَبيهًا به يومَئذٍ" مَعْناهُ لم نَرَ يَوْمًا يُشْبِهُه في الفَرَحِ والسُّرورِ يوْمَ دُخولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المدينَةَ.
وفي الحَديثِ: مَنْقبةٌ، وفَضْلٌ للأنْصارِ رضِيَ اللهُ عنهم( ).