الموسوعة الحديثية


- قُم يا عمرُ فأجِبْهُ فقُل : اللهُ أعلَى وأجَلُّ . لا سَواءَ . قَتلانا في الجنَّةِ وقتلاكُم في النَّارِ . فقالَ لهُ أبو سفْيانَ : هلمَّ إليَّ يا عمرُ . فقالَ رسولُ اللهِ لعمرَ : ائتِه فانظرْ ما شأنُهُ ، فجاءَه . فقالَ لهُ أبو سفْيانَ : أنشُدُكَ اللهَ يا عمرَ أقتَلْنا محمَّدًا ؟ فقالَ عمرُ : اللَّهمَّ لا ، وإنَّه لَيسمعُ كلامَكَ الآنَ . قالَ : أنتَ عندي أصدَقُ مِن ابنِ قَميئَةَ – وهوَ الَّذي زعمَ أنَّه قتلَ النَّبيَّ - . ثمَّ نادَى أبو سفْيانَ : إنَّه قد كانَ في قتلاكُم مُثلَةٌ ، واللهِ ما رضيتُ ولا سخطتُ ما نهَيتُ ولا أمرتُ .
الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : الألباني | المصدر : فقه السيرة | الصفحة أو الرقم : 259 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
كانتْ غَزْوةُ أُحُدٍ في شَوَّالٍ مِن السَّنةِ الثَّالثةِ مِن الهِجرةِ، وأُحُدٌ جَبلٌ مِن جِبالِ المَدينةِ، وكانتْ بينَ المُسلمينَ وقُرَيشٍ، وقد نظَّمَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُهمَّاتِ المَعركةِ، ولكنَّ البعضَ خالَفَ؛ فترتَّبَ على ذلك هَزيمةٌ.
وهذا المَتنُ جُزءٌ مِن رِوايةٍ أُخرى، وفيها خَبرٌ عن غَزْوةِ أُحُدٍ، وما أقدَمَ عليه المُشركونَ مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأصحابِه، فقد قتَلَ المُشركونَ مِن المُسلمينَ يومئذ سبعينَ رَجُلًا، وكان على رَأسِ المُشركينَ آنذاك أبو سُفْيانَ، فصَعِدَ على جَبلٍ وصاح: "اعْلُ هُبَلُ! اعْلُ هُبَلُ!"، وهُبَلُ: اسمُ صَنمٍ كان في الكَعبةِ، والمُرادُ: اعْلُ حتى تَصيرَ كالجَبلِ العَالي، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "قُمْ يا عُمَرُ، فأجِبْه، فقُلِ: اللهُ أعْلى وأجَلُّ، لا سَواءً!"، أي: لا توجَدُ مُساواةٌ بيننا وبينكم؛ "قَتلانا في الجنَّةِ، وقَتلاكم في النَّارِ"، بمَوعدِ اللهِ الذي أخبَرَ به نَبيَّه، "فقال له أبو سُفْيانَ: هَلُمَّ إليَّ يا عُمَرُ"، أي: أقبِلْ وتَعالَ إليَّ، "فقال رسولُ اللهِ لعُمَرَ: ائْتِه، فانظُرْ ما شَأنُه؟"، أي: اعرِفْ ماذا يُريدُ؟ "فجاءه، فقال له أبو سُفْيانَ: أنشُدُكَ اللهَ يا عُمَرُ"، أي: أستحلِفُكَ باللهِ، "أقتَلْنا محمَّدًا؟ فقال عُمَرُ: اللَّهُمَّ لا، وإنَّه ليَسمَعُ كَلامَكَ الآن"، فنَفى كَذِبةَ مَقتَلِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في المَعركةِ، قال أبو سُفْيانَ: "أنتَ عندي أصدقُ مِن ابنِ قَميئةَ"، وهو عبدُ اللهِ بنُ قَميئةَ، "-وهو الذي زعَمَ أنَّه قتَلَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في المَعركةِ-، ثُمَّ نادى أبو سُفْيانَ: إنَّه قد كان في قَتلاكم مُثلَةٌ"، والمُثلَةُ: قَطعُ الأُنوفِ، وبَقرُ البُطونِ، ونحوُ ذلك للقَتلى، "واللهِ ما رَضيتُ ولا سَخِطْتُ، ما نَهَيتُ ولا أمَرْتُ"، فنوَّهَ أبو سُفْيانَ على أنَّ تلك المُثلةَ لم يأمُرْ بها، ولم يرْضَها؛ لأنَّها تُعَدُّ نَقيصةً في أدبيَّاتِ الحُروبِ، ومع ذلك يُشيرُ أبو سُفْيانَ أنَّه لم تَسُؤْه تلك المُثلةُ، وما سَخِطَها، أي: لم يَكرَهْ ما فُعِلَ بالمُسلمينَ مِن تَمثيلٍ بالقَتلى، ولكنْ على كلِّ حالٍ، فقد رَضيَ أَبو سُفْيانَ تلك المُثلَةَ في حَقِّ المُسلمينَ باعتِبارِ أنَّهم أعداءٌ له -وذلك قبلَ إسلامِه-.
وفي هذا الحديثِ: الحَثُّ على مُحاجَّةِ الكُفَّارِ ومُجادَلتِهم .