الموسوعة الحديثية


- لِيَتَكَلَّفْ أحدُكم مِنَ العملِ ما يُطِيقُ ، فإِنَّ اللهَ تعالى لا يَملُّ ، حتى تملُّوا ، وقارِبوا وسدِّدُوا
الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الجامع | الصفحة أو الرقم : 5358 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (9/20) باختلاف يسير، وأخرجه مسلم (782، 2818) مفرقاً بنحوه
أرشَدَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أُمَّتَه إلى الطَّريقِ الأرشدِ للدِّينِ والتَّديُّنِ، فأوضَحَ أنَّه يَنْبغي على المؤمن أنْ يقومَ بما يُطِيقه مِن العبادةِ، مع التَّرغيبِ في القصْدِ في العملِ؛ حتَّى لا يُصابَ بالمللِ والفتورِ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "لِيتكلَّفْ أحدُكم مِن العملِ"، أي: لِيَعمَلَ ممَّا كُلِّفَ به مِن أعمالِ الطَّاعاتِ والعباداتِ، "ما يُطِيق"، أي: ما يَستطيعُ دونَ أنْ يشُقَّ على نفْسِه؛ "فإنَّ اللهَ تعالى لا يمَلُّ حتَّى تمَلُّوا"، أي: لا يدَعُ الجزاءَ حتَّى تَدَعُوا العملَ، وقِيل: لفظ (حتَّى) هاهنا بمعنى الواوِ، فيكونُ قد نَفى عنه -جلَّت قُدْرتُه- المللَ، فيكونُ التَّقديرُ: لا يمَلُّ وتملُّون، وقيل: (حتَّى) بمعنى حينَ، أي: إنَّ اللهَ لا يَطرَحُكم حتَّى تَترُكوا العملَ له، وتزْهَدوا في الرَّغبةِ، فسمَّي الفِعلينِ مَللًا وكلاهما ليس بملَلٍ، والمعنى: أنَّكم إذا أثقلْتُم على أنفُسِكم، انقطَعَ عمَلُكم، فخُذوا مِن الأعمالِ ما تُطِيقون؛ حتَّى يَستمِرَّ الثَّوابُ باستمرارِ العملِ. وظاهرُ الحديثِ يدلُّ على إثباتِ صِفةِ المَللِ للهِ عزَّ وجلَّ في مُقابِلِ مَللِ العبدِ مِن العملِ بسَببِ تَكلُّفِه، وإشقاقِه على نفْسِه، وهذا على الوجهِ الذي يليقُ به سُبحانَه، وليس كمَللِ المخلوقِ؛ إذ إنَّ مَلَلَ المخلوقِ نقصٌ؛ لأنَّه يدلُّ على سأمِه وضَجَرِه، أمَّا مللُ اللهِ فهو كمالٌ وليس فيه نقصٌ، ويَجري هذا كسائرِ الصِّفاتِ التي نُثبتُها للهِ عزَّ وجلَّ على وجهِ الكمالِ وإنْ كانتْ في حقِّ المخلوقِ ليستْ كمالًا. والمللُ مِن الشيءِ يتضمَّنُ كراهتَه، والله تعالى يحبُّ من عِبادِه العَملَ بطاعتِه ما لم يشقُّوا على أنفسِهم، ويُكلِّفوها ما لا تُطيقُ؛ فإنَّه سُبحانَه يَكرَهُ منهم العَملَ في هذه الحالِ. "وقارِبوا"، أي: اطْلُبوا المقارَبةَ، وهي القصدُ في الأمورِ بلا غُلوٍّ ولا تقصيرٍ، "وسَدِّدوا"، أي: اطْلُبوا بأعمالِكم الاستقامةَ والسَّدادَ، وهو القصدُ في الأمْرِ والعدْلُ فيه.
وفي الحَديثِ: أنَّ السَّيرَ بالرِّفقِ والتَّوسُّط في العملِ والعِبادةِ سبيلُ العبدِ إلى الخيرِ .