الموسوعة الحديثية


- الأُمَراءُ من قُريشٍ ، ما عَمِلُوا فِيكُمْ بِثلاثٍ : ما رَحِمُوا إذا اسْتُرْحِمُوا ، وأقْسَطُوا إذا قَسَمُوا ، وعَدَلُوا إذا حَكمُوا
الراوي : أنس بن مالك | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الجامع | الصفحة أو الرقم : 2788 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه الحاكم (8528) واللفظ له، والبيهقي (16985)
الإمامةُ العُظمَى تَكليفٌ عَظيمٌ لا يقومُ بحَقِّه إلَّا مَن وفَّقَه اللهُ عزَّ وجلَّ لذلك، فالإمامُ يَرعى النَّاسَ بما يُصلِحُ أُمورَ دِينِهم ودُنياهم؛ ولأجْلِ هذا فإنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذَكَرَ صِفاتِ مَن يَصلُحُ لهذه الإمامَةِ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "الأُمَراءُ من قُرَيشٍ"، والمُرادُ بالأُمَراءِ هنا الإمامُ الأعظَمُ الذي هو خَليفةُ المُسلِمينَ، لا وُلاتُه ووُزَراؤُه وأعوانُه؛ فهؤلاءِ لا يُشترَطُ فيهم القُرَشيَّةُ بالاتِّفاقِ؛ ولعلَّ ذلك لأنَّ قُرَيشًا سادَةُ العَرَبِ، ويَدينون لها ما لا يَدينون لغَيرِها، ومن مَقاصِدِ الإمامَةِ قُوَّةُ النُّفوذِ، وهَيبَةُ السُّلطانِ؛ لتَحقيقِ المَصلَحَةِ العامَّةِ للأُمَّةِ، ودَفعِ الشُّرورِ عنها، وهذا إنَّما يَتَحقَّقُ في الإمامِ أَصيلِ النَّسَبِ، وليس المقصودُ به التَّبرُّكَ بالأنسابِ من قُرَيشٍ، وهذا يَدُلُّ على أنَّ القُرشيَّ أوْلى بالإمامَةِ من غَيرِه، إذا توفَّرَتْ فيه شُروطُ الإمامَةِ، ولا يَعني تَوليةَ القُرشيِّ ولو لم تتوفَّرْ فيه شُروطُ الإمامَةِ؛ وذلك إنَّما يكونُ عندَ الاختيارِ بين إمامَينِ، وأمَّا إذا تولَّى الكُفُؤُ وهو غَيرُ قَرَشيٍّ، فلم يَقُلْ أحدٌ بعَدَمِ صِحَّةِ إمامَتِه، بل المُسلِمُ مَأمورٌ بطاعَتِه، "ما عَمِلوا فيكم بثَلاثٍ "، أي: أنَّ هؤلاءِ الأمُراءَ لكم عليهم حُقوقٌ، ومن أهَمِّها ثَلاثٌ، وهي: " ما رَحِموا إذا استُرحِموا "، أي: إذا طُلِبَتْ منهم الرَّحمَةُ أجابوا ورَحِموا، "وأقسَطوا إذا قَسَموا"، أي: تَمسَّكوا بسِيرةِ العَدلِ، إذا قَسَموا ما جُعِلَ إليهم من غَنيمَةٍ أو خَراجٍ أو فَيءٍ أو غيرِ ذلك؛ ممَّا يُقسَمُ بين النَّاسِ "وعَدَلوا إذا حَكَموا"؛ فلم يَجوروا في حُكمٍ من الأحكامِ، ومَفهومُ الحَديثِ أنَّهم إذا عَدَلوا عن هذه الأحكامِ جازَ العُدولُ بالإمارَةِ عنهم، ولعلَّ المُرادَ أنَّ هذا حَضٌّ لهم على أنْ يَتَمسَّكوا بتلك الخِصالِ.
وفي الحديثِ: حَثُّ الأُمَراءِ على إقامَةِ العَدلِ والرَّحمَةِ بين النَّاسِ، وأنَّ هذا من أوجَبِ الأُمورِ عليهم.
وفيه: بيانُ مَكانَةِ قُرَيشٍ وعُلُوِّ شَرَفِها( ).