الموسوعة الحديثية


- صُم من كلِّ عشرةِ أيامٍ يومًا ، و لكَ أجرُ تلكَ التِّسعةِ قلتُ : إنى أقوَى مِن ذلكَ . قال : فصُم من كلِّ تِسعةِ أيامٍ يومًا ، و لكَ أجرُ تلك الثَّمانيةِ فقُلتُ : إنِّي أقوى من ذلكَ . قال : فصُم من كلِّ ثمانيةِ أيامٍ يومًا ، و لكَ أجرُ تلك السَّبعةِ قلتُ : إنِّي أقوَى مِن ذلكَ . قال : فلَم يزَل حتَّى قال : صُم يومًا ، و أفطِرْ يومًا
الراوي : عبدالله بن عمرو | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الترغيب | الصفحة أو الرقم : 1037 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه النسائي (2395)، وأحمد (7087) باختلاف يسير.
شَرَعَ الإِسْلامُ العباداتِ؛ لِتَكونَ قُرُباتٍ إلى اللهِ يُتَعبَّدُ بها، ووَضَعَ لكُلِّ عِبادَةٍ ضَوابِطَ وأحْكامًا راعَى فيها المُواءَمةَ بينَ أرْكانِ الحياةِ البشريَّةِ للإنْسانِ، فجعَل للعبادَةِ مَواقيتَ مُحدَّدةً في اليوْمِ واللَّيلةِ، وعلى مَدارِ العامِ، وأَمَرَ المُسلِمينَ بأنْ يَأخُذوا حظَّهم مِن الدُّنيا، ولا يَنسَوْا حقَّ اللهِ في العبادةِ، فوازَن بينَ حَياةِ الجَسَدِ، وحَياةِ القُلوبِ والأَرْواحِ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ عبدُ اللهِ بنُ عمرٍو رضِيَ اللهُ عنهما كما جاء في رواية النسائي: "ذَكَرْتُ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الصَّومَ"، وكان عبدُ اللهِ رضِيَ اللهُ عنه يَسْرُدُ الصَّومَ كما جاءَ في الرِّواياتِ، فيَصومُ كُلَّ الأيّامِ، ولا يَفصِلُ بيْنَها، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "صُمْ من كُلِّ عشَرةِ أيامٍ يوْمًا، ولك أجْرُ تلك التِّسْعةِ" وذلك؛ لأنَّ الحَسَنَةَ بعَشْرِ أمْثالِها "قلُت: إنِّي أقْوى من ذلك، قال: فصُمْ من كُلِّ تِسْعةِ أيامٍ يوْمًا، ولك أجْرُ تلك الثَّمانيَةِ، فقلتُ: إنِّي أقْوى من ذلك، قال: فصُمْ من كُلِّ ثمانيَةِ أيامٍ يوْمًا، ولك أجْرُ تلك السَّبْعةِ، قلتُ: إنِّي أقْوى من ذلك، قال: فلم يَزَلْ حتى قال: صُمْ يوْمًا، وأَفْطِرْ يوْمًا" وهذا هو صوْمُ داوُدَ، وكان يَصومُ يومًا، ويُفطِرُ يومًا، فكان بذلِك يَصومُ نِصْفَ الشَّهْرِ ونِصْفَ العامِ، وهذا تَنبيهٌ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على أنَّ صومَ يومٍ وإفطارَ يومٍ لا يُضعِفُ مُلتَزِمَه، بل يَحفَظُ قُوَّتَه؛ وذلك بخِلافِ سَرْدِ الصَّومِ؛ فإنَّه يُنهِكُ البَدَنَ والقُوَّةَ، ويُزيلُ رُوحَ الصَّومِ؛ لأنَّه يَعتادُه، فلا يُبالي به، ولا يَجِدُ له مَعْنًى.
والظاهِرُ من مَجْموعِ الرِّواياتِ الوارِدَةِ في البابِ أنَّه أَمَرَه بالاقْتِصارِ على ثَلاثَةِ أيامٍ من كُلِّ شَهْرٍ، فلما قال: إنَّه يُطيقُ أكْثَرَ من ذلِك، زادَه بالتَّدْريجِ إلى أنْ أَوْصَلَه إلى خَمْسَةَ عَشَرَ يومًا، فذَكَرَ بَعْضُ الرُّواةِ عنه ما لم يَذْكُرْه الآخَرونَ، ويدُلُّ على ذلك رِوايَةُ أبي داوُدَ: "فلم يَزَلْ يُناقِصُني، وأُناقِصُه"، وهذا مَحْمولٌ على أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم درَّجَه في هذه المَراتِبِ حتى وَصَلَ إلى صيامِ يومٍ وإفْطارِ يومٍ، والصَّلاةِ ثمَّ النَّومِ، وإعْطاءِ كُلِّ ذي حَقٍّ حقَّه.
وفي الحَديثِ: الحَثُّ على عَدَمِ التَّشدُّدِ في الدِّينِ.
وفيه: أنَّ القَليلَ الدائِمَ خيْرٌ من الكثيرِ المُنْقطِعِ.
وفيه: أنَّ بيانُ اهتمامِ الصَّحابَةِ رضِيَ اللهُ عنهم بمَعالي الأُمورِ، وعَظيمِ اجتهادِهم في العِبادَةِ والطاعَةِ .