الموسوعة الحديثية


- فإِذَا كان عَدُوا للهِ نزلَ بهِ المَوْتُ و عَايَنَ ما عَايَنَ ، فإنَّهُ لا يحبُّ أنْ تُخْرَجَ رُوحُهُ أبدًا ، و اللهُ يُبْغِضُ لِقَاءَهُ ، فإِذَا جلسَ في قبرِهِ أوْ أُجْلِسَ ، فيقالُ لهُ : مَنْ رَبُّكَ ؟ فيقولُ : لا أَدْرِي ‍ فيقالُ : لا دَرَيْتَ فَيُفْتَحُ لهُ بابٌ من جهنمَ ، ثُمَّ يُضْرَبُ ضَرْبَةً تسْمَعُ كلُّ دَابَّةٍ إلَّا الثَّقَلَيْنِ ، ثُمَّ يقالُ لهُ : نَمْ كما يَنامُ المَنْهوشُ فقُلْتُ لأَبي هريرةَ : ما المَنْهوشُ ؟ قال : الذي يَنْهِشُهُ الدَّوَابُّ و الحَيَّاتُ ثُمَّ يُضَيَّقُ عليهِ قَبْرُهُ
الراوي : أبو هريرة | المحدث : الألباني | المصدر : السلسلة الصحيحة | الصفحة أو الرقم : 2628 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه البزار (9760) واللفظ له، والطبري في ((تهذيب الآثار - مسند عمر)) (2/502)
إنَّ القبْرَ أمْرُه جَلَلٌ، وخَطْبُه عظيمٌ، وهو أوَّلُ مَنزِلٍ مِن مَنازلِ الآخِرةِ، وقد قصَّ علينا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حالَ القبْرِ مع الطائعينَ، وحالَه مع العُصاةِ.
وهذا المتْنُ جُزءٌ مِن حَديثٍ عند البزَّارِ يقولُ فيه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "إنَّ المُؤمِنَ يَنزِلُ به الموتُ"، أي: حِينَ قَبْضِ رُوحِه، "ويُعايِنُ ما يُعايِنُ"، أي: يَرى عندَ قبْضِ رُوحِه -كالملائكةِ ونحْوِها- ما لم يكُنْ يَراهُ في الدُّنيا، "فوَدَّ لو خرَجَتْ -يعني- نفْسُه، واللهُ يُحِبُّ لِقاءَه"، أي: يَستعجِلُ خُروجَ رُوحِه؛ لعِلْمِه أنَّ اللهَ يُحِبُّ لِقاءَه، فبَعدَ أنْ تَقبِضَ الملائكةُ رُوحَه "يَصعَدُ"، أي: تَصعَدُ الملائكةُ "برُوحِهِ إلى السماءِ"، فحِينما يصِلُ إلى أماكنِ أرواحِ المؤمنينَ، "فتأْتِيه أرواحُ المؤمنينَ، فيَستخبِرونَه عن مَعارفِهم مِن أهلِ الأرضِ"، أي: فيَسْأَلونه عن أحوالِهم وعن مَعيشتِهم، "فإذا قال: ترَكْتُ فلانًا في الدُّنيا"، أي: لم يَمُتْ، "أعجَبَهم ذلك"؛ لأنَّه لو مات وما وصَلَ إليهم لَعَلِموا أنَّه مع أهلِ المعاصي، فيَفْرَحون؛ لأنَّه ما زال حيًّا، "وإذا قال: إنَّ فلانًا قد مات، قالوا: ما جِيءَ به إلَينا"، أي: إنَّ رُوحَه لم تَصعَدْ إليهم.
قال: "وإنَّ المؤمنَ يُجلَسُ في قبْرِه"، أي: بعدَ أنْ تَعودَ رُوحُه إليه في القبْرِ، فتَأْتِيه الملائكةُ، "فيُسأَلُ: مَن ربُّه؟" أي: مَن الذي كنتَ تَعبُدُ في الدُّنيا؟ "فيقولُ: ربِّيَ اللهُ"، فيَسأَلونه: "مَن نبِيُّك؟ فيقولُ: نَبِيِّي محمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"، ثم يَسأَلونه: "ما دِينُك؟ قال: دِيني الإسلامُ"، فمَن وفَّقَه اللهُ عزَّ وجلَّ، وكانتْ إجابتُه كذلك؛ "فيُفتَحُ له بابٌ في قبْرِه"؛ لِيَرى ما أعَدَّه اللهُ عزَّ وجلَّ له في الجنَّةِ، "يُقال: انظُرْ إلى مَجلسِك"، أي: في الجنَّةِ، "ثم يَرى القَبْرَ فكأنَّما كانتْ رَقدةً"، أي: كأنَّ مَوتَه في القبْرِ إلى أنْ تقومَ الساعةُ كنَوْمةٍ قليلةٍ نامَها.
ثم قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "فإذا كان عَدُوًّا للهِ"، أي: كافرًا أو عاصيًا، "نزَلَ به الموتُ، وعايَنَ ما عايَنَ" مِن سَكراتِ الموتِ؛ "فإنَّه لا يُحِبُّ أنْ تَخرُجَ رُوحُه أبدًا"؛ وذلك لأنَّه يَعلَمُ ما يكونُ له بعدَ الموتِ مِن العذابِ، ويَظهَرُ ذلك أثناءَ خُروجِ رُوحِه، "واللهُ يُبغِضُ لِقاءَه"، أي: لأنَّه يَكرَهُ لِقاءَ اللهِ، ومَن كرِهَ لِقاءَ اللهِ كرِهَ اللهُ لِقاءَه، وهذا ذمٌّ لحالِه، ودلالةٌ على سُوءِ مُنقلَبِه، "فإذا جلَسَ في قبْرِه -أو أُجلِسَ-"، أي: بعدَ أنْ تَخرُجَ رُوحُه ويُدفَنَ في قبْرِه، يأْتِيه مَلَكانِ يُجلِسانِه، كما ورَدَ في بعضِ الرِّواياتِ، كما عِندَ أبي داودَ مِن حديثِ البَراءِ بنِ عازبٍ، فإذا جلَسَ تَبدَأُ أسئلةُ هذينِ المَلَكينِ، والسُّؤالُ الأوَّلُ: "فيُقال له: مَن ربُّك؟ فيقولُ: لا أدْري"، أي: لا أدْري مَن ربِّي؛ وهذا لأنَّه قصَّرَ في حقِّ ربِّه في دُنياهُ، فلا يَستطيعُ أنْ يقولَ مَن ربُّه في قبْرِه، "فيُقال: لا درَيْتَ"، وهذا دُعاءٌ عليه مِن الملائكةِ، أي: لا كُنتَ دَاريًا، فلا تُوفَّقُ في هذا الموقِفِ، ولا تَنتفِعُ بما كنتَ تَسمَعُ أو تَقرَأُ، "فيُفتَحُ له بابٌ مِن جهنَّمَ"، أي: يَرى جهنَّمَ؛ لِيَعلَمَ أنَّها مُنقلَبُه ومأْواهُ، "ثم يُضرَبُ ضَربةً تُسمِعُ كلَّ دابَّةٍ إلَّا الثَّقلينِ"، أي: يَسمَعُ صوتَ هذه الضَّربةِ كلُّ ما يَدِبُّ على الأرضِ إلَّا الجنَّ والإنسَ، "ثم يُقال له: نَمْ كما يَنامُ المَنْهوشُ"، والمَنْهوشُ فسَّره أبو هُرَيرةَ بقولِه: "الذي يَنهَشُه الدَّوابُّ والحيَّاتُ"، أي: الذي تَفترِسُه الحيَّاتُ، وتلك صُورةٌ مُرعِبةٌ مِن صُوَرِ العذابِ الشديدِ، ثم يُزادُ عليه في عذابِه: "ثم يُضيَّقُ عليه قبْرُه"، أي: بعدَ كلِّ ذلك يُضَيَّقُ عليه قبْرُه، حتى تَختلِفَ فيه أضلاعُه، كما جاء عندَ أبي داودَ مِن رِوايةِ البَراءِ بنِ عازبٍ.
وفي الحَديثِ: إثباتُ نَعيمِ القَبْرِ وعذابِه.
وفيه: حَثٌّ ودَعوةٌ إلى الإيمانِ والعمَلِ الصالحِ؛ حتى يَفوزَ العبْدُ بحُسنِ الخاتمةِ وتَوفيقِ اللهِ له في قبْرِه( ).