الموسوعة الحديثية


- عن جابرٍ رضي اللهُ عنه قال : إنَّما أهلُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ بالحجِّ
الراوي : جابر بن عبدالله | المحدث : ابن حجر العسقلاني | المصدر : موافقة الخبر الخبر | الصفحة أو الرقم : 1/275 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
حجَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حَجَّةَ الوداعِ، وبيَّنَ فيها كيفيَّةَ الحجِّ، وما يُباحُ وما يَحرُمُ فيه على المُحْرِمِ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ جابرُ بنُ عبدِ اللهِ رضِيَ اللهُ عنهما: "إنَّما أهَلَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالحجِّ"، أي: بدَأَ إحرامَه مُهِلًّا وناويًا الحجَّ مُفرِدًا. وذهَبَ بعضُ العلماءِ إلى أنَّه حجَّ مُتمتِّعًا، وحُجَّتُهم: أنَّهم سَمِعوا أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تمتَّعَ، والمُتمتِّعُ عندهم هو مَن أهَلَّ بعُمرةٍ مُفرَدةً في أشهُرِ الحجِّ، ناويًا الإحرامَ بعدَ الفراغِ منها بالحجِّ، واستَدلُّوا بما رُوِيَ عن مُعاويةَ: "أنَّه قصَّر عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بمِشقَصٍ في العَشرِ"، أي: في الأيَّامِ العشْرِ مِن ذي الحجَّةِ، فقصَّرَ شَعرَه وتَحلَّلَ مِن إحرامِه، وتَمتَّعَ إلى الحجِّ.
وذهَبَت طائفةٌ إلى أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حجَّ قارنًا، وهذا هو الصحيحُ الذي يَسهُلُ رَدُّ الأدلَّةِ الصحيحةِ إليه، ومنها حديثُ ابنِ عمَرَ رضِيَ اللهُ عنهما: "أنَّه قرَنَ الحجَّ إلى العُمرةِ، وطاف لهما طَوافًا واحدًا، ثمَّ قال: هكذا فعَلَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"، وعن حَفصةَ، أنَّها قالت: "قلْتُ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ما شأْنُ الناسِ؟ حَلُّوا ولم تَحِلَّ أنتَ مِن عُمرتِك؟ قال: إنِّي قلَّدْتُ هَدْيِي ولبَّدْتُ رَأْسي، فلا أَحِلُّ حتى أَحِلَّ مِن الحجِّ". وهذا يَدلُّ على أنَّه كان في عُمرةٍ معها حَجٌّ، وقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "لوِ استقبَلْتُ مِن أمْري ما استدْبَرْتُ، لَمَا سُقْتُ الهَدْيَ، ولحَلَلْتُ معكم"، وهذا صريحٌ في أنَّه استمَرَّ في حَجِّه ولم يَتحلَّلْ إلَّا يومَ النَّحرِ، وقد قال عليه الصَّلاةُ والسلامُ: "سُقْتُ الهَدْيَ وقرَنْتُ".
ويُجمَعُ بينهما بأنَّه قد يُطلَقُ التمتُّعُ على القِرانِ في عُرْفِ السَّلَفِ؛ لأنَّ القارِنَ متَمَتِّعٌ بجَمْعِ النُّسُكَينِ في نُسُكٍ واحدٍ، ومتمَتِّعٌ بسُقوطِ أحَدِ السَّفَرينِ عنه، فلم يُحْرِمْ لكلِّ نُسُكٍ مِن مِيقاتِه، فيَدْخُلُ القرانُ بذلك في مُسَمَّى التمتُّعِ؛ فيكون إطلاقُهم التمَتُّعَ على نُسُكِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسَلَّم، وإنَّما كان نُسُكُه القِرانَ، كما روَى البخاريُّ عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها: "أهَلَّ رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم بالحَجِّ، ثم جاءَه جِبريلُ عليه السَّلامُ، وقال: صلِّ في هذا الوادي المُبارَك، وقل: عُمْرَةً في حجَّةٍ، أو عُمْرَةً وحَجَّةً"؛ فظَهَرَ بذلك أنَّه قرَنَ بينهما؛ لأنَّه لم يَتحلَّلْ وطافَ لهما طوافًا واحدًا.
وقد فُسِّرَ اختلافُ الصحابةِ في نَقْلِ نُسكِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعِدَّةِ أسبابٍ؛ منها: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان قد أهَلَّ ورفَعَ صوتَه بالتَّلبيةِ أكثَرَ مِن مرَّةٍ، فصلَّى بذي الحُلَيفةِ، ثمَّ أحرَمَ وأهلَّ بعُمرةٍ وحَجَّةٍ، فسمِعَ البعضُ ذلك وأخبَروا به، ثمَّ أهلَّ مرَّةً أُخرى بالحجِّ فقطْ، فسمِعَ ذلك البعضُ وأخبَرَ به، وهكذا، وتفرَّقَ الناسُ وأخبَرَ كلٌّ بما سمِعَ وما علِمَ، ولكنَّ الرِّواياتِ تَدلُّ على أنَّه كان قارنًا؛ لِمَا سبَقَ بَيانُه( ).