الموسوعة الحديثية


- عن أبي ذُبيانَ قالَ: سَمِعْتُ ابنَ الزُّبَيْرِ رضيَ اللَّهُ عنهُما يخطُبُ يقولُ يأَيُّها النَّاسُ، لا تُلبِسوا نساءَكُمُ الحريرَ، فإنِّي سَمِعْتُ عُمرَ بنَ الخطَّابِ رضيَ اللَّهُ عنهُ يقولُ: سَمِعْتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ: مَن لبسَ الحريرَ في الدُّنيا، لم يَلبَسهُ في الآخرةِ قالَ ابنُ الزُّبَيْرِ: وأَنا أقولُ، مَن لَم يَلبِسهُ في الآخرةِ، لم يدخُلِ الجنَّةَ، لأنَّ اللَّهَ تعالى قالَ وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ
الراوي : عمر | المحدث : العيني | المصدر : نخب الافكار | الصفحة أو الرقم : 13/306 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح [وله] طريق [آخر]
أمْرُ الزِّينةِ واللِّباسِ في الإسلامِ واضحٌ في كِتابِ اللهِ عزَّ وجَلَّ وسُنَّةِ نَبيِّه صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وقدْ قرَّرَ الشَّرعُ أُمورًا عامَّةً، يجِبُ أنْ تُراعَى في هيئةِ الثِّيابِ للرِّجالِ والنِّساءِ.
وهذا الأثَرُ فيه فَهْمٌ خاصٌّ لنَهيِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن لُبْسِ الحَريرِ؛ فعن أبي ذُبْيانَ قال: سمِعْتُ ابنَ الزُّبيرِ رضِيَ اللهُ عنهما"، وهو عبدُ اللهِ، "يَخطُبُ يقولُ: يا أيُّها النَّاسُ، ألَا لا تُلْبِسوا نِساءَكم الحريرَ"، وهذا نهْيٌ منه عن لُبْسِ الحريرِ للنِّساءِ، وهو فَهْمُه الخاصُّ لحديثِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الَّذي ذَكَرَه بعْدَ ذلك واستدلَّ به على رَأيِه. ولكنْ قد وردَتِ الرِّواياتُ الصَّحيحةُ الَّتي تَدُلُّ على صِحَّةِ لُبْسِ النِّساءِ للحَريرِ، وعلى أنَّ الرِّجالَ يُسمَحُ لهم ببَعضِ الحريرِ في الثِّيابِ بما لا يُجاوِزُ عَرْضُه إصْبَعينِ إلى أربعِ أصابعَ تُتَّخَذُ أعلامًا، وحاشيةً للثِّيابِ.
قال ابنُ الزُّبَيرِ: "فإنِّي سمِعْتُ عمَرَ بنَ الخطَّابِ رضِيَ اللهُ عنه يقولُ: سمِعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: مَن لَبِسَ الحريرَ في الدُّنيا لم يَلْبَسْه في الآخرةِ"، وهذا المنعُ المفهومُ مِن كلامِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَحمولٌ على مَنْعِ الرِّجالِ مِن لُبْسِ الحريرِ في الدُّنيا؛ لأنَّ مَن لَبِسَه وتمتَّعَ به في الدُّنيا يُخافُ عليه؛ لأنَّه لنْ يَلْبَسَه في الآخِرةِ، وهذا فيه تَحذيرٌ شَديدٌ؛ لأنَّ الحريرَ هو لِباسُ أهلِ الجَنَّة، فكأنَّ مَن لم يَلبَسْه في الآخرةِ فليس مِن أهلِ الجَنَّةِ.
وقال ابنُ الزُّبيرِ: "وأنا أقولُ: مَن لم يَلْبَسْه في الآخِرةِ لم يَدخُلِ الجنَّةَ؛ لأنَّ اللهَ تعالى قال: {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} [الحج: 23]"، أي: ملابسُ أهلِ الجنَّةِ مِن الحريرِ؛ فيكونُ الحريرُ خاصًّا بأهْلِ الجنَّةِ في الآخِرةِ، فيُمنَعُ لُبْسُه في الدُّنيا على العُمومِ، وهذا فهْمُ ابنِ الزُّبيرِ، ولكنَّ الصَّحيحَ كما ثبَت في الأحاديثِ الأُخرى: أنَّ مَن لَبِسَ الحَريرَ الخالِصَ في الدُّنيا مِنَ الرِّجالِ لِغيرِ عُذرٍ، حُرِمَ منه يَومَ القِيامةِ؛ إمَّا لِحِرْمانهِ مِنَ الجنَّةِ إنْ كان مُستحِلًّا لذلك، أو لأنَّه يَدخُلُ الجنَّةَ، ولكنَّه يُحْرَمُ منه فيها عُقوبةً له.
وفي الحديثِ: بَيانُ اختِلافِ الأفهامِ في بَعضِ المسائلِ الشَّرعيَّةِ؛ مِن حيثُ التَّعميمُ والتَّخصيصُ.