الموسوعة الحديثية


- أن النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قال لكعبِ بنِ عُجرةَ: أعاذك اللهُ من إمارةِ السفهاءِ قال: وما إمارةُ السفهاءِ؟ قال: أمراءُ يكونون بعدي لا يهتدون بهديي ولا يستنون بسنتي فمن صدقهم بكذبِهم وأعانهم على ظلمِهم فأولئك ليسوا مني ولستُ منه ولا يردونَ عليَّ حوضي ومن لم يصدقْهم بكذبِهم ولم يعنْهم على ظلمِهم فأولئك مني وأنا منهم وسيردون عليَّ حوضي. يا كعبُ بنَ عجرةَ الصيامُ جنةٌ والصدقةُ تطفئُ الخطيئةَ والصلاةُ قربانٌ أو قال: برهانٌ – يا كعبُ بنَ عُجرةَ الناسُ غاديان: فمبتاعٌ نفسَه فمعتقُها وبائعٌ نفسَه فموبقُها.
الراوي : جابر بن عبدالله | المحدث : الدمياطي | المصدر : المتجر الرابح | الصفحة أو الرقم : 321 | خلاصة حكم المحدث : رجاله رجال الصحيح
الدُّخولُ على السَّلاطينِ والأُمَراءِ ومُتابَعتُهم على الباطلِ ممَّا نَهَى عنه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وحذَّرَ منه، والَّذي يَنبَغي على الدَّاخلِ عليهم أنْ يَأمُرَهم بالمَعروفِ ويَنْهاهم عن المُنكَرِ؛ فإنْ لم يَستَطِعْ فلا يَدخُلْ عليهم.
وفي هذا الحَديثِ يَحكي جابرُ بنُ عبدِ اللهِ الأنصاريُّ رضِيَ اللهُ عنهما: "أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال لِكَعبِ بنِ عُجْرةَ: أعاذَكَ اللهُ مِن إمارةِ السُّفهاءِ"، أي: وقاكَ اللهُ وحَماكَ منها، ومِن عَمَلِ هؤلاء الأُمراءِ السُّفهاءِ، أو مِن الدُّخولِ عليهِم، أوِ اللُّحوقِ بِهم، والسُّفهاءُ: الجُهَّالُ عِلْمًا وعَمَلًا، وخِفافُ العُقولِ، "قال: وما إمارةُ السُّفهاءِ؟" أي: ما أوصافُهم وعلامَتُهم؟ قال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "أُمراءُ يكونون بَعْدي، لا يَهْتَدون بهَدْيِي، ولا يَستنُّون بسُنَّتي"، أي: يَترُكون سُنَّتي وطريقتي ويَهجُرونَها، فمَن دخَلَ على هَؤلاءِ الأُمَراءِ، "فمَن صدَّقَهم بكذِبِهم"، فيما يَكْذِبون فيه، "وأعانَهم على ظُلْمِهم" بأيِّ وَسيلةٍ كانتْ؛ سَواءٌ بالقولِ أو الفعلِ أو غيرِ ذلك، "فأولئك لَيْسوا منِّي ولسْتُ منهم"، أي: بيْني وبينَهم بَراءةٌ ونقْضُ ذِمَّةٍ؛ فالنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَبرَأُ مِنهم ومِن فِعْلِهم. وقيل: هو كِنايةٌ عن قَطعِ الصِّلةِ بيْن ذلك الرَّجلِ وبيْنه صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، أي: ليس بِتابعٍ لي، ويكونُ بَعيدًا عنِّي، "ولا يَرِدُون"، أي: ولنْ يَصِلوا هؤلاء الَّذين يُصدِّقُون الأُمراءَ في كَذبِهم، ويُعينُونهم على ظُلمِهم، "عليَّ حوضي"، أي: لنْ يأتُوا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو على الحوضِ يومَ القِيامةِ ويُمْنَعوا منه، وهو الكوثرُ الَّذي أعطاهُ اللهُ عزَّ وجلَّ لِنَبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يومَ القِيامةِ، ثمَّ قال صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "ومَن لم يُصدِّقْهم بكذِبِهم" الَّذي سيَكذِبون فيه، "فأولئك منِّي"، أي: مِن أهلِ سُنَّتي ومَحبَّتي وعلى طَريقتي، "وأنا منهم"، أي: مِن مَحبَّتِهم، والشَّفاعةِ لهم، "وسيَرِدُون عليَّ حَوضي"، أي: سيَأتون إلى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، ويَشرَبُون مِن حَوضِه يومَ القِيامةِ شَربةً لا يَظمَؤونَ بعدَها أبَدًا، "يا كَعبُ بنَ عُجرةَ، الصِّيامُ جُنَّةٌ"، أي: وِقايةٌ وحِمايةٌ مِن المعاصي، "والصَّدقةُ تُطفِئُ الخَطيئةَ"، أي: تُكفِّرُها، "والصَّلاةُ قُربانٌ- أو قال: بُرهانٌ-"، أي: حُجَّةٌ ودَليلٌ قويٌّ على إيمانِ صاحِبِها، وحُبِّه لِربِّه ورَغبتِه في ثَوابِه، "يا كَعبُ بنَ عُجْرةَ، النَّاسُ غاديانِ"، والغادي: هو كلُّ مَن يُبكِّرُ ساعيًا في تَحصيلِ أغراضِه، "فمُبْتاعٌ نفْسَه"، أي: يَشْتري نفْسَه مِن ربِّها؛ ببَذْلِها فيما يَرضاهُ، "فمُعتِقُها" مِن أليمِ العذابِ، كما قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} [البقرة: 207]، "وبائعٌ نفْسَه"، أي: للشَّيطانِ؛ ببَذْلِها فيما يُؤذِيها بطاعةِ الشَّيطانِ ووَساوِسِه، "فمُوبِقُها"، أي: مُهْلِكُها بسبَبِ ما أوقَعَها فيه مِن استحقاقِ العذابِ.
وفي الحَديثِ: التحذيرُ مِنَ الدُّخولِ على الظَّالمينِ؛ تجنُّبًا للفِتنةِ وحِفظًا للنَّفسِ والدِّينِ.
وفيه: بَيانُ أهميةِ العِباداتِ في تَزكيةِ النُّفوسِ ورَفْعِ الدَّرجاتِ.