الموسوعة الحديثية


- لا تَصلحُ سَفقتانِ في سفقةٍ ولفظ ابنِ حِبَّانَ لا يحلُّ صَفقتانِ في صفقةٍ وإنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قال لعن اللهُ آكلَ الرِّبا وموكلَه وشاهدَه وكاتبَه
الراوي : [عبدالرحمن بن عبدالله بن مسعود] | المحدث : الألباني | المصدر : السلسلة الصحيحة | الصفحة أو الرقم : 5/420 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح
لقدِ اهتَمَّ الإسلامُ بتَنظيمِ المُعامَلاتِ التِّجاريَّةِ بيْن النَّاسِ؛ حِفاظًا على حُقوقِهم، وإقامةً للعَدْلِ بيْنهم.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ عبدُ اللهِ بنُ مَسعودٍ رضِيَ اللهُ عنه: "لا تَصلُحُ سَفْقتانِ في سَفقةٍ"، وفي لَفظِ ابنِ حِبَّانَ: "لا يَحِلُّ صَفْقتانِ في صَفقةٍ"، أي: إنَّه نَهَى أنْ يَتناوَلَ عَقدُ البيعِ بَيعتَينِ على ألَّا يَتِمَّ منهما إلَّا واحدةٌ مع لُزومِ العَقدِ، سواءٌ كان أحدُهما بنَقدٍ واحدٍ، أو بنَقدَيْن مُختلفَينِ. وفُسِّرَ ذلك على وَجهينِ؛ أحدُهما: أنْ يقولَ: بِعتُك هذا الثَّوبَ نقْدًا بِعَشرةٍ، ونَسيئةً مُؤجَّلًا بخَمسةَ عشرَ، فهذا مَنْهيٌّ عنه؛ لأنَّه لا يُعلَمُ الثَّمنُ الَّذي يَختارُه منهما، فيَقعُ به العَقدُ، وإذا جُهِلَ الثَّمنُ بطَلَ البيعُ. وقيل: عِلَّةُ النَّهيِ هنا عدمُ استِقرارِ الثَّمنِ ولُزومُ الرِّبا، عندَ مَن يَمنعُ بَيعَ الشَّيءِ بأكثرَ مِن سِعرِ يَومِه؛ لأجلِ زِيادةِ الأَجلِ. والوَجْهُ الآخَرُ: أنْ يقولَ: بِعتُك هذا العَبدَ بعِشرينَ دِينارًا، على أنْ تَبيعَني جاريتَك بِعَشرةِ دَنانيرَ، فهذا أيضًا فاسدٌ؛ لأنَّه جعَلَ ثَمنَ العَبدِ عِشرينَ دِينارًا، وشَرَطَ عليه أنْ يَبيعَه جاريتَه بِعشرةِ دَنانيرَ، وذلك لا يَلْزَمُه، وإذا لم يَلْزَمْه سقَطَ بعضُ الثَّمنِ، وإذا سقَطَ بعضُه صار الباقي مَجهولًا. وقيل: عِلَّةُ النَّهي هنا تعليقُ البَيعِ بِشرْطٍ مُستقبَلٍ يجوزُ وُقوعُه وعدمُ وُقوعِه؛ فلم يَستقِرَّ المِلكُ. أمَّا إذا باعه شَيئينِ بثمنٍ واحدٍ- كدارٍ وثَوبٍ، أو عبْدٍ وثوبٍ- فهذا ليس مِن بابِ البَيعتينِ في البيعةِ الواحدةِ، وإنَّما هي صَفقةٌ واحدةٌ جَمعَتْ شَيئينِ بثَمنٍ معلومٍ.
قال ابنُ مَسعودٍ رضِيَ اللهُ عنه: "وإنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: لعَنَ اللهُ آكِلَ الرِّبَا"، أي: أبعَدَ اللهُ وطرَدَ مِن رَحمتِه آخِذَ الرِّبَا، وإنَّما خُصَّ اللَّعنُ بالأكْلِ؛ لأنَّه أعظَمُ أنواعِ الانتِفاعِ، "ومُؤْكِلَه"، أي: ولعَنَ مُعْطِيَه الَّذي دفَعَهُ لِمَنْ يَأخُذُه، "وشاهِدَه"، أي: الَّذي شهِدَ على عَقْدِ الرِّبا، "وكاتِبَه"، أي: الَّذي يَكتُبُ بيْن الآكلِ والمُؤكِلِ؛ لأنَّهما قامَا على أمْرٍ فيه نفْسُ الحُرمةِ، وساعَدَا على إتْمامِه؛ فَهُم في الإثْمِ سواءٌ، وهذا اللَّعنُ مِن التَّشديدِ في تَحريمِ الرِّبَا؛ لأنَّ التَّعامُلَ به ظُلمٌ أو ذَريعةٌ إليه، والكونُ لا يَقومُ إلَّا بالعدْلِ، الَّذي أوجَبَهُ الحقُّ سُبحانه على نفْسِه، وألْزَمَ به خَلْقَه، كما أنَّ مَضارَّ الرِّبَا ومَفاسِدَه لا تُحْصى، ومنها تَضخُّمُ المالِ بطَريقٍ غيرِ مَشروعةٍ؛ لأنَّه تضخُّمٌ على حِسابِ سلْبِ مالِ الغَيرِ وضَمِّه إلى كُنوزِ آكِلِ الرِّبَا.