الموسوعة الحديثية


- جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، فسأَله وأنا أسمعُ ، فقال له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : اذهَبْ إليهِم فقُلْ لهم : اقتُلوه ثم دَعاه فرجَع إليه بعدما ذهَب ، فقال : لعله يقولُ لا إلهَ إلا اللهُ قال : أجَلْ واللهِ ، قال : قُلْ لهم يُرسِلوه ، فإني أوحي إليَّ أن أقاتلَ الناسَ حتى يقولوا : لا إلهَ إلا اللهُ ، فإذا قالوا : لا إلهَ إلا اللهُ ، حُرِّمَتْ عليَّ دِماؤهم إلا بالحقِّ وحسابُهم على اللهِ
الراوي : أوس بن أبي أوس وقيل أوس بن أوس والد عمرو | المحدث : البوصيري | المصدر : إتحاف الخيرة المهرة | الصفحة أو الرقم : 1/123 | خلاصة حكم المحدث : سنده صحيح
جاء الإسلامُ بالدَّعوةِ إلى تَوحيدِ اللهِ وعِبادتِه وحْدَه دونَ ما سِواهُ، وأمَّنَ مَن دخَلَه وأصبحَ مُوحِّدًا، وأوكَلَ أمْرَ القُلوبِ إلى اللهِ العليمِ بما تُخفي الصُّدورُ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ أوسُ بنُ أبي أَوسٍ: "جاء رجُلٌ إلى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فسألَهُ وأنا أسمَعُ"، أي: كلَّمَه وسألَهُ في شأْنِ أحَدِ الرِّجالِ، فلمَّا سمِعَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كَلامَ الرَّجلِ، قال: "اذهَبْ إليهم، فقُلْ لهم: اقْتُلوه"، يَعني: اقتُلوا الرَّجُلَ الَّذي سُئِلَ عنه، وفي رِوايةِ النَّسائيِّ قال: "أتيْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في وفْدِ ثقيفَ، فكنْتُ معه في قُبَّةٍ، فنام مَن كان في القُبَّةِ غَيري وغيرُه، فجاء رجُلٌ، فسارَّهُ، فقال: اذهَبْ فاقتُلْه".
قال أوسٌ رضِيَ اللهُ عنه: "ثمَّ دعاهُ، فرجَعَ إليه بعدَما ذهَبَ، فقال: لعلَّه يقولُ: لا إلهَ إلَّا اللهُ"؟ استدرَكَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأنَّ هذا الرَّجُلِ لعلَّه يكون موحِّدًا يقولُ: لا إلهَ إلَّا اللهُ، فأجابَ المُخبِرُ: "قال: أجَلْ واللهِ". وفي رِوايةٍ: قال الرَّجلُ للنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "نعمْ، ولكنَّما يقولُها تعَوُّذًا"، أي: يقولُ شَهادةَ التَّوحيدِ؛ حِمايةً لنفْسِه مِن القتْلِ، وقالَها بلِسانِه فقطْ، فقال رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "قُلْ لهم: يُرسِلوه"، أي: يتْرُكوه يذهَب؛ "فإنِّي أُوحِيَ إليَّ أنْ أُقاتِلَ النَّاسَ حتَّى يقولوا: لا إلهَ إلَّا اللهُ"، أي: يَشهَدوا للهِ بالتَّوحيدِ، "فإذا قالوا: لا إلهَ إلَّا اللهُ"، أي: آمَنوا وصدَّقوا بها وعَمِلوا بِمقتضَاها، وَكَفَروا بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ، "حُرِّمَت عليَّ دِماؤُهم إلَّا بالحقِّ"، أي: حَفِظوا وحَقَنوا منِّي دِماءَهم وأموالَهم إلَّا بحَقِّها؛ بأنْ يأتِيَ أحدُهم بعدَ إسلامِه بما يُوجِبُ عليه حقًّا بالعُقوبةِ في النَّفسِ أو المالِ؛ كأنْ يَقتُلَ مُتعمِّدًا، أو يمنَعَ الزَّكاةَ أو يُنكِرَها، "وحِسابُهم على اللهِ"، أي: وما بقِيَ مِن ذلك مِن أعمالٍ وخفِيَت علينا، فاللهُ عَزَّ وجَلَّ هو مُحاسِبُهم عليها، ومُجازيهم بها.
وفي الحديثِ: بَيانُ أنَّ شَهادةَ التَّوحيدِ والقِيامَ بأعمالِ الإسلامِ الظَّاهرةِ تَعصِمُ الدَّمَ والمالَ.
وفيه: أنَّ أُمورَ النَّاسِ مَحمولةٌ على الظَّاهرِ دونَ الباطنِ؛ فمَن أظهَرَ شَعائرَ الدِّينِ أُجْرِيَت عليه أحكامُ أهلِه، ما لم يَظهَرْ منه خِلافُ ذلك.