الموسوعة الحديثية


- قُلنا: يا نَبيَّ اللهِ، مَن خَيرُ الناسِ؟ قال: ذو القَلبِ المَخْمومِ، واللِّسانِ الصَّادِقِ. قال: يا نَبيَّ اللهِ، قد عَرَفْنا اللِّسانَ الصَّادِقَ، فما القَلبُ المَخْمومُ؟ قال: التَّقيُّ، النَّقيُّ، الذي لا إثْمَ فيه، ولا بَغيَ، ولا حسَدَ. قال: قُلْنا: يا رسولَ اللهِ، فمَن على أثَرِه؟ قال: الذي يَشنَأُ الدُّنيا، ويُحِبُّ الآخِرةَ. قُلْنا: ما نَعرِفُ هذا فينا إلَّا رافِع مَولى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فمَن على أثَرِه؟ قال: مُؤمِنٌ في خُلُقٍ حَسَنٍ. قُلْنا: أمَّا هذه ففينا.
الراوي : عبدالله بن عمرو | المحدث : المنذري | المصدر : الترغيب والترهيب | الصفحة أو الرقم : 4/51 | خلاصة حكم المحدث : [إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما] | التخريج : أخرجه ابن ماجه (4216) مختصراً باختلاف يسير، والطبراني في ((مسند الشاميين)) (1218)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (4800) باختلاف يسير
سَلامةُ القلْبِ وصِدقُ اللِّسانِ وحُسنُ الأخلاقِ عُمومًا مِن أجَلِّ الصِّفاتِ الَّتي يَنْبغي أنْ يَتحلَّى بها المُسلِمُ، وهي مِن الصِّفاتِ الَّتي يَتفاضَلُ فيها النَّاسُ، وهي مِن أعظَمِ أسبابِ دُخولِ الجَنَّةِ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ عبدُ اللهِ بنُ عَمرٍو رضِيَ اللهُ عنهما: "قُلْنا: يا نَبِيَّ اللهِ، مَن خيرُ النَّاسِ؟" أي: أفضَلُهم وأكمَلُهم، فقال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "ذو القلْبِ المَخمومِ"، أي: صاحبُ القَلبِ النَّظيفِ الخالي مِن سيِّئِ الأخلاقِ وسيأتي تَفسيرُه من قولِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، "واللِّسانِ الصَّادقِ"، أي: صاحبُ اللِّسانِ المُبالِغِ في الصِّدقِ، فيَحصُلُ بذلك المُطابَقةُ بيْن تَحسينِ اللِّسانِ وطَهارةِ القَلبِ؛ فيَخرُجُ عن كَوْنِه مُرائيًا، "قال: يا نَبِيَّ اللهِ، قد عرَفْنا اللِّسانَ الصَّادقَ، فما القلْبُ المخمومُ؟ فقال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: هو التَّقِيُّ"، أي: الخائفُ مِن اللهِ في سِرِّه وعَلَنِه، والمُراقِبُ له في كلِّ أعمالِه، "النَّقيُّ"، أي: نَقِيُّ القلْبِ، وطاهِرُ الباطِنِ، "الَّذي لا إثْمَ فيه"، أي: لا يُوجَدُ به سُوءٌ مِن الحِقدِ والغِلِّ، وأشباهِ ذلك؛ فإنَّه مَحفوظٌ بحِفظِ اللهِ وعِنايتِه، "ولا بَغْيَ"، أي: لا ظُلمَ فيه ولا مَيلَ عن الحقِّ، "ولا حسَدَ"، أي: ولا يَتمنَّى زَوالَ نِعمةِ الغيرِ، وكلُّ هذا دليلٌ على سَلامةِ هذا القلبِ وطَهارتِه ونَظافتِه من الآفاتِ؛ فالمخمومُ مأخوذٌ مِن تَخميمِ البَيتِ، أي: كَنْسِه وتَنظيفِه.
"قال: قُلنا: يا رسولَ اللهِ، فمَن على أثَرِه؟" وفي رِوايةِ أبي نُعيمٍ في الحِلْيَةِ: "فمَن يَلِيه يا رسولَ اللهِ؟" قال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "الَّذي يَشنَأُ الدُّنيا"، أي: يَكرَهُ الدُّنيا وشُرورَها، "ويُحِبُّ الآخِرةَ"، أي: بالعمَلِ لها، "قُلنا: ما نَعرِفُ هذا فينا إلَّا رافعٌ مولى رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"، أي: هو الَّذي يُعرَفُ بتلك الصِّفاتِ، "فمَن على أثَرِه؟ قال: مُؤمِنٌ في خُلُقٍ حَسنٍ"، أي: مُؤمِنٌ يتَّصفُ بالأخلاقِ العاليةِ الساميةِ، ويظْهَرُ أثرُ ذلك في عَلاقاتِه مع الناسِ قولًا وفعلًا، "قُلنا: أمَّا هذه فَفِينا"، أي: تُشتهَرُ فِينا، وحُسْنُ الخُلقِ دَليلٌ على حُسنِ الدِّينِ؛ لأنَّه تَطبيقٌ عَمليٌّ لِأوامرِ اللهِ تعالى ورسولِه صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وبه يَنالُ صاحبُه خيرَ الدُّنيا والآخرةِ.
وفي الحديثِ: الحَثُّ على سَلامةِ الصُّدورِ والقُلوبِ مِن الصِّفاتِ الخبيثةِ؛ كالغِلِّ، والحِقدِ، والحسَدِ، وغيرِ ذلك.
وفيه: أنَّ اللهَ سُبحانه يَنظُرُ إلى القُلوبِ والأعمالِ، فيُجازي على ما يَطَّلِعُ عليه في قلْبِ عبْدِه مِن الإحسانِ أو غيرِه.
وفيه: مَنقبةٌ ظاهِرةٌ لأبي رافعٍ مولَى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.