الموسوعة الحديثية


- عنْ أبي سعيدٍ قال احتجَّ آدمُ وموسى عليهِما السلامُ فقال موسى يا آدمُ خلقَكَ اللهُ بيدِهِ ونفَخَ فيكَ من روحِهِ وأمرَ الملائكةَ فسجدوا لكَ وأسكنكَ جنتَهُ فأغويْتَ الناسَ وأخرجتَهم من الجنةِ فقال آدمُ يا موسى اصطفاكَ اللهُ برسالتِهِ وأنزلَ عليْكَ التوراةَ وفعل بكَ وفعل تَلُومُنِي علَى أمْرٍ قدْ قدَّرَهُ اللهُ علَيَّ قبْلَ أنْ يخلُقَنِي قال فحجَّ آدَمُ موسى عليهِما السلامُ
الراوي : [ذكوان السمان أبو صالح] | المحدث : الهيثمي | المصدر : مجمع الزوائد | الصفحة أو الرقم : 7/194 | خلاصة حكم المحدث : [روي] مرفوعا رجاله رجال الصحيح
أخبَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بكثيرٍ مِن أُمورِ الغَيبِ؛ لِتَثبيتِ العَقيدةِ الصَّحيحةِ في النُّفوسِ، كما في هذا الحديثِ الَّذي يَرْويه هنا أبو سعيدٍ الخُدريُّ رضِيَ اللهُ عنه- وقد رُوِيَ مَرفوعًا في مُسنَدِ الحارثِ، ومِن حديثِ أبي هُريرةَ رضِيَ اللهُ عنه في الصَّحيحينِ- قال: "احتَجَّ"، أي: تَحَاجَّ وتناظَرَ، "آدَمُ ومُوسى عليهما السَّلامُ"، أي: الْتقَتْ أرواحُهما في السَّماءِ، فوقَعَ الحِجاجُ بيْنهما، ويَحتمِلُ أنَّه على ظاهِرِه، وأنَّهما اجْتَمَعَا بأشخاصِهما؛ فلا يَبعُدُ أنَّ اللهَ تعالى أحْياهم، كما جاء في الشُّهداءِ أنَّهم أحياءٌ، ويَحتمِلُ أنَّ ذلك جَرى في حياةِ مُوسى؛ سأَلَ اللهَ تعالى أنْ يُرِيَه آدَمَ فحاجَّهُ، "فقال مُوسى: يا آدَمُ، خلَقَكَ اللهُ بيَدِه، ونفَخَ فيك مِن رُوحِه، وأمَرَ الملائكةَ فسَجَدوا لك، وأسْكَنَك جنَّتَه، فأغْوَيْتَ النَّاسَ وأخرَجْتَهم مِن الجنَّةِ!" يلومُ مُوسى عليه السَّلامُ آدَمَ عليه السَّلامُ أنَّه كان السَّببَ في الإخراجِ مِن الجنَّةِ الَّتي أسْكنَهُ اللهُ فيها بعدَ أنْ خلَقَهُ بيَدِه، "فقال آدمُ: يا مُوسى، اصْطفاكَ اللهُ برِسالتِه وأنزَلَ عليك التَّوراةَ"، أي: اختارَكَ على النَّاسِ برِسالتِه؛ يعني بأسفارِ التَّوراةِ وفيها قِصَّتي، "وفعَلَ بك وفعَلَ"، أي: وفعَلَ بك ولك الكثيرَ مِن المُعجزاتِ والتَّجلِّياتِ، "تَلومُني على أمْرٍ قدْ قدَّرَه اللهُ عليَّ قبْلَ أنْ يَخلُقَني؟!" أي: حَكَمَ اللهُ بأنَّ ذلك كائنٌ لا مَحالةَ؛ لعِلمِه السَّابقِ، فهلْ يُمكِنُ أنْ يَصدُرَ مِنِّي خِلافُ عِلمِ اللهِ؟! فكيف تَغفُلُ عن العِلمِ السَّابقِ، وتَذكُرُ الكَسْبَ الَّذي هو السَّببُ، وتَنْسى الأصلَ الَّذي هو القَدَرُ، وأنت مِن المُصطفَيْنَ الأخيارِ؟! "قال: فحَجَّ آدَمُ مُوسى عليهما السَّلامُ"، أي: غلَبَ آدمُ مُوسى بالحُجَّةِ في دفْعِ اللَّومِ، وظَهَر عليه بها وأسْكَتَه، وأَلْزَمَهُ أَنَّ قَضَاءَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- نَافِذٌ عَلَى العَبْدِ لا يُنْجِيهِ مِنْهُ شَيءٌ، ولم يَكُنْ آدمُ عليه السلامُ مُحتجًّا على فِعلِ ما نُهِيَ عنه بالقدَرِ، ولا كان موسى عليه السلامُ ممَّن يُحتَجُّ عليه بذلك فيَقبلُه، وإنَّما كان لومُ موسى لآدَمَ عليهما السَّلامُ مِن أَجْلِ المُصيبةِ التي لَحِقَتْ بني آدم جَرَّاءَ أكْلِه مِنَ الشَّجرةِ، والعِبادُ مأْمُورون بالنَّظرِ إلى القدَرِ فِي المصائبِ، والاستِغفارِ مِنَ المعاصي والمعائَبِ، وقد تابَ آدَمُ واستَغفرَ وتابَ اللهُ عليه؛ فلا وجْهَ لإعادةِ اللُّومِ.
وفي الحَديثِ: أنَّ القَدَرَ يُحتَجُّ به عِندَ المصائبِ، لا عندَ الذُّنوبِ والمعائبِ.