الموسوعة الحديثية


- مطلُ الغنيِّ ظلمٌ وإذا أُحلتَ على مليٍّ فاتبعْه ولا بيعتين في واحدةٍ.
الراوي : عبدالله بن عمر | المحدث : ابن باز | المصدر : حاشية بلوغ المرام لابن باز | الصفحة أو الرقم : 484 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح | التخريج : أخرجه الترمذي (1309) باختلاف يسير، وابن ماجه (2404) مختصراً، وأحمد (5395) واللفظ له
أمَرَ اللهُ سُبحانه وتعالى بِأداءِ الحُقوقِ، وحَذَّرَ مِن أكْلِ أموالِ النَّاسِ بالباطلِ، فقال: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188]، وتوعَّدَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَنِ استدانَ أموالَ النَّاسِ وهو يُريدُ إتلافَها ولا يُريدُ رَدَّها.
وفي هذا الحَديثِ يُخْبرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ مَطْلَ الغَنِيِّ ظُلمٌ، والمَطْلُ: هو التَّسويفُ والتَّأخيرُ في قَضاءِ الدَّينِ، فإذا ماطَلَ الغنيُّ فهذا يُعَدُّ ظُلمًا؛ لأنَّه قادِرٌ على السَّدادِ ورَدِّ المالِ، فلمَّا منَعَ المالَ وأخَذَ يُماطِلُ، كان ظالِمًا، ثُمَّ قال صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "وإذا أُحِلْتَ على مَلِيٍّ فاتَّبِعْه"، والمَلِيُّ: الغَنيُّ، والمعنى: أنَّه إذا كان لِأحدِكمْ دَينٌ على أحدٍ، وأحالَ هذا المَدينُ الدَّائنَ بالدَّين ِعلى رَجُلٍ غَنيٍّ، فَلْيُوافِقِ الدَّائنُ، ولْيَقبَلْ هذه الحَوالةَ وتَحويلَ الدَّينِ مِن على هذا المَدينِ إلى الرَّجلِ الغَنيِّ؛ لِيَسُدَّ عنه الدَّينَ، "ولا بَيعتينِ في واحدةٍ"، أي: إنَّه نَهَى أنْ يَجمَعَ عَقدُ البيعِ بين بَيعتَينِ على ألَّا يَتِمَّ منهما إلَّا واحدةٌ مع لُزومِ العَقدِ، سواءٌ كان أحدُهما بنَقدٍ واحدٍ، أو بنَقدَيْنِ مُختلفَينِ. وفُسِّرَ ذلك على وَجهينِ؛ أحدُهما: أنْ يقولَ: بِعْتُك هذا الثَّوبَ نقْدًا بِعَشرةٍ، ونَسيئةً مُؤجَّلًا بخَمسةَ عَشَرَ؛ فهذا مَنهيٌّ عنه؛ لأنَّه لا يُعلمُ الثَّمنُ الَّذي يَختارُه منهما، فيَقعُ به العقدُ، وإذا جُهِلَ الثَّمنُ بطَلَ البيعُ. وقيل: عِلَّةُ النَّهيِ هنا عدمُ استِقرارِ الثَّمنِ ولُزومُ الرِّبا عند مَن يمنَعُ بيعَ الشَّيءِ بأكثَرَ مِن سِعرِ يَومِه؛ لأجْلِ زيادةِ الأجلِ. والوَجهُ الآخَرُ: أنْ يقولَ: بِعتُك هذا العبدَ بعِشرينَ دِينارًا على أنْ تَبيعَني جاريتَك بِعَشرةِ دَنانيرَ؛ فهذا أيضًا فاسِدٌ؛ لأنَّه جعَلَ ثمَنَ العَبدِ عِشرينَ دِينارًا وشرَطَ عليه أنْ يَبيعَه جاريتَه بِعَشرةِ دَنانيرَ، وذلك لا يَلْزمُه، وإذا لم يَلزَمْه سقَطَ بَعضُ الثَّمنِ، وإذا سقَطَ بعضُه صار الباقي مَجهولًا. وقيل: عِلَّةُ النَّهيِ هنا تَعليقُ البَيعِ بِشرْطٍ مُستقبَلٍ يجوزُ وُقوعُه وعدمُ وُقوعِه؛ فلم يَستقِرَّ المِلكُ. أمَّا إذا باعَه شَيئينِ بثَمنٍ واحدٍ؛ كدارٍ وثوبٍ، أو عبدٍ وثوبٍ، فهذا ليس مِن بابِ البَيعتينِ في البَيعةِ الواحدةِ، وإنَّما هي صَفقةٌ واحدةٌ جَمعتْ شَيئينِ بثَمنٍ معلومٍ.
وفي الحديثِ: النَّهيُ عن أنواعٍ مِن البُيوعِ؛ لِمَا فيها مِن الجَهالاتِ والغَررِ، وغيرِ ذلك ممَّا يُثيرُ الخِلافَ بيْن النَّاسِ ويُوقِعُ في الرِّبا.