الموسوعة الحديثية


- أيُّكم مالُ وارثِه أحبُّ إليه من مالِه ؟ قالوا : يا رسولَ اللهِ ! ما منَّا أحدٌ إلَّا مالُه أحبُّ إليه من مالِ وارثِه ، قال : اعلَموا أنَّ ما منكم أحدٌ إلَّا مالُ وارثِه أحبُّ إليه من مالِه ، ما لك من مالِك إلَّا ما قدَّمتَ ، ومالُ وارِثك ما أخَّرتَ ، وقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ما تدْعون الصُّرَعَةَ فيكم ؟ قال : قلنا : الَّذي لا يصرَعُه الرِّجالُ ، قال : لا ، ولكنَّ الصُّرَعَةَ الَّذي يملِكُ نفسَه عند الغضبِ ، وقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ما تدعون الرَّقوبَ فيكم ؟ قال : قلنا : الَّذي لا ولدَ له ، قال : لا ، ولكنَّ الرَّقوبَ الَّذي لم يُقدِّمْ من ولدِه شيئًا
الراوي : عبدالله بن مسعود | المحدث : أبو نعيم | المصدر : حلية الأولياء | الصفحة أو الرقم : 4/140 | خلاصة حكم المحدث : صحيح متفق عليه [أي:بين العلماء] | التخريج : أخرجه البخاري (6442) مختصراً، وأحمد (3626) باختلاف يسير
يَحكي عبدُ اللهِ بنُ مَسعودٍ رضِيَ اللهُ عنه: "أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سأَلَ أصحابَهُ: أيُّكم مالُ وارِثِه أحَبُّ إليه مِن مالِهِ؟" يعني: أيُّ واحدٍ منكم يُحِبُّ مالَ وارِثِه الَّذي يَتملَّكُه مِن بَعدِه أكثرَ ممَّا يُحِبُّ مالَه الَّذي يَملِكُه في حَياتِه؟ فأجابُوهُ "قالوا: يا رسولَ اللهِ، ما مِنَّا أحدٌ إلَّا مالُه أحَبُّ إليه مِن مالِ وارِثِه"، أي: ليس هناك إنسانٌ إلَّا ويَجِدُ أنَّه يُحِبُّ مالَهُ الَّذي يَملِكُه أكثرَ ممَّا يُحِبُّ مالَ غَيرِه؛ لأنَّ ما يَملِكُه هو الوسيلةُ إلى تَحقيقِ رَغباتِه، قال صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "اعْلَمُوا أنَّ ما منكم أحدٌ إلَّا مالُ وارِثِه أحَبُّ إليه مِن مالِه، ما لكَ مِن مالِكَ إلَّا ما قدَّمْتَ"، أي: ذلك المالُ الَّذي يَصرِفُه في حَياتِه على نفْسِه، وصالِحِ أعمالِه، أو يُنفِقُه على نفْسِه وعِيالِه؛ لأنَّه هو الَّذي يَنفَعُه في الدُّنيا والآخرةِ، "ومالُ وارِثِك ما أخَّرْتَ"، أي: مالُ وارثِك هو ما أخَّرْتَه مِن المالِ الَّذي تَترُكُه للوارثِ ولا تَتصدَّقُ منه حتَّى تموتَ.
وقال رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ما تعُدُّونَ الصُّرَعةَ فيكم؟" الصُّرعةُ هو الرُّجلُ القويُّ، "قال: قُلْنا: الَّذي لا يَصرَعُه الرِّجالُ"، أي: هو الَّذي لا تَغلِبُه الرِّجالُ لِقُوَّتِه، "قال: لا، ولكنَّ الصُّرعةَ الَّذي يَملِكُ نفْسَه عندَ الغضَبِ" والمعنى: أنَّ القَوِيَّ هو مَن يَملِكُ نفْسَه عندَ الغضَبِ، فهذا هو الفاضِلُ الممدوحُ الَّذي قَلَّ مَن يَقدِرُ على التَّخلُّقِ بخُلقِه ومُشارَكَتِه في فَضيلَتِه بخلافِ الأوَّلِ، وقال رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "ما تعُدُّونَ الرَّقُوبَ فيكم؟" الرَّقوبُ هو: الَّذي لا يَعيشُ له ولَدٌ، ولذلك قالوا: "الَّذي لا ولَدَ له"، فقال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "لا، ولكنَّ الرَّقُوبَ الَّذي لم يُقدِّمْ مِن ولَدِهِ شيئًا" والمعنى: إنَّكم تَعتقِدونَ أنَّ الرَّقُوبَ هو المُصابُ بمَوتِ أولادِهِ في الدُّنيا، وليس هو كذلك شَرْعًا، بلْ هو مَن لم يَمُتْ أحدٌ مِن أولادِهِ في حَياتِه، فيَحتسِبُه، ويُكتَبُ له ثَوابُ مُصيبَتِه به وثَوابُ صَبْرِه عليه، ويكونُ له فَرَطًا وسلَفًا.
وفي الحديثِ: التَّرغيبُ في إنفاقِ المالِ في طُرُقِه المشروعةِ؛ مِن النَّفسِ والأهْلِ والولدِ، والأعمالِ الصَّالحةِ، فإنَّ مالَ الإنسانِ ما يُنْفِقُه في حياتِهِ، لا ما يَترُكُه بَعدَ مَماتِه.
وفيه: تَلْطيفُ القولِ بإيصالِ الحِكمةِ إلى قُلوبِ الخلْقِ.
وفيه: تَصحيحُ المفاهيمِ الموروثةِ مع بَيانِ المفاهيمِ الشَّرعيَّةِ الصَّحيحةِ.