الموسوعة الحديثية


- أيُّها النَّاسُ، إنَّ الغِنى ليس عن كَثرةِ العرَضِ، ولكنَّ الغِنى غِنى النَّفسِ، وإنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ مُؤْتِي عبدِه ما كُتِبَ له مِن الرِّزقِ، فأجْمِلوا في الطَّلبِ، خُذُوا ما حَلَّ، ودَعُوا ما حَرُمَ.
الراوي : أبو هريرة | المحدث : البوصيري | المصدر : إتحاف الخيرة المهرة | الصفحة أو الرقم : 3/271 | خلاصة حكم المحدث : إسناده حسن، وله شاهد
يَحكي أبو هُرَيرةَ رضِيَ اللهُ عنه: أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: "أيُّها النَّاسُ، إنَّ الغِنى ليس عندَ كثْرةِ العَرَض" وهو ما يُنْتَفَعُ به مِن مَتاعِ الدُّنيا سِوى النَّقدينِ، أي: ليس الغِنى الحقيقيُّ المُعتبَرُ كثرةَ المالِ؛ لأنَّ كثيرًا ممَّن وُسِّعَ عليه في المالِ لا يَقنَعَ بما أُوتِيَ، فهو يَجتهَدُ في الازديادِ، ولا يُبالي مِن أين يأْتِيه، فكأنَّه فقيرٌ؛ مِن شِدَّةِ حِرْصِه، "ولكنَّ الغِنى" الحقيقيَّ المُعتبَرَ الممدوحَ هو "غِنى النَّفْسِ" بما أُوتِيَتْ وقَنَعُها به ورِضاها، وعدَمُ حِرْصِها على الازديادِ والإلحاحِ في الطَّلبِ؛ لأنَّها إذا استغْنَتْ كَفَّتْ عن المطامِعِ، فعَزَّتْ وعَظُمَتْ، وحصَلَ لها مِنَ الحُظوةِ والنَّزاهةِ والشَّرفِ والمدْحِ أكثَرُ مِنَ الغِنى الَّذي يَنالُهُ مَن يكونُ فَقيرَ النَّفسِ بحِرْصِه؛ فإنَّه يُورِّطُه في رذائلِ الأُمورِ وخَسائسِ الأفعالِ، وهو مع ذلك كأنَّه فَقيرٌ مِن المالِ؛ لكونِه لم يَسْتغْنِ بما أُعْطِيَ، فكأنَّه ليس بغَنِيٍّ، ولو لم يكُنْ في ذلك إلَّا عدَمُ رِضاهُ بما قضاهُ اللهُ، لكَفَاهُ.
"وإنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ مُؤتِي عبْدِه ما كتَبَ له مِن الرِّزقِ"، أي: إنَّ اللهَ قدَّرَ الأرزاقَ لكلِّ عبْدٍ مِن عِبادِهِ، وسَوفِ يُعْطِيه رِزْقَه ولا يَنقُصُ منه شَيئًا، "فأجْمِلُوا في الطَّلبِ، خُذُوا ما حَلَّ، ودَعُوا ما حرُمَ"، أي: اسْعَوا في طلَبِ الدُّنيا باعتدالٍ دَونَ إفراطٍ أو تَفريطٍ، واطْلُبُوا الحَلالَ برِفْقٍ؛ لأنَّ الرِّفْقَ لمْ يكُنْ في شَيءٍ قَطُّ إلَّا زَانَهُ، ولَا مُنِعَ مِن شَيءٍ إلَّا شَانَهُ، فطَلَبُ الرِّزْقِ برِفْقٍ أجْمَلُ مِن طَلَبِهِ بِعُنْفٍ، واتْرُكوا أخْذَ الحرامِ.
وفي الحديثِ: أنَّ الغِنى الحقيقيَّ المُعتبَرَ ليس بكثرةِ المالِ، بلْ هو استغناءُ النَّفْسِ، وعدَمُ الحِرصِ على الدُّنيا.