الموسوعة الحديثية


- كان رجلٌ مِن أصحابِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يحدِّثُ الناسَ حتى يكثُرَ عليه ، فيحدِّثُ الناسَ مِن فوقِ بيتٍ ، فصعِد فوقَ بيتٍ فحدَّثهم ، قال : إنَّ اللهَ تعالى إذا أحَبَّ عبدًا في السماءِ أنزَل حبَّه إلى ملائكتِه فنادى منادٍ : إنَّ اللهَ , تعالى , قد أحَبَّ فلانًا فأحِبُّوه ، فينزِلُ حبُّه إلى أهلِ الأرضِ ، وإذا أبغَض عبدًا في السماءِ أنزَل بُغضَه إلى الملائكةِ فنادى منادٍ : إنَّ اللهَ قد أبغَض فلانًا فأبغِضوه ، فينزِلُ بُغضُه إلى أهلِ الأرضِ ، وقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : أيُّ آيةٍ في القرآنِ أعظمُ ؟ فقال رجلٌ : اللهُ لا إلهَ إلا هوَ الحيُّ القيُّومُ فضرَب بيدِه بين كتِفي حتى وجَدتُ بَردَها بين ثديَيَّ فقال لي : لِيَهنِكَ أبا المُنذِرِ العلمُ ، والذي نفسُ محمدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بيدِه إنَّ لها لسانًا وشَفَتَينِ تُقَدِّسُ الرحمنَ , عزَّ وجلَّ , عندَ العرشِ
الراوي : رجل من الصحابة | المحدث : البوصيري | المصدر : إتحاف الخيرة المهرة | الصفحة أو الرقم : 6/183 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح، وله شاهد
في هذا الحديثِ يُخبِرُ أبو السَّليلِ القَيسيُّ البصريُّ: "كان رجُلٌ مِن أصحابِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُحدِّثُ النَّاسَ حتَّى يُكثَرَ عليه"، أي: حتَّى يَجتمِعَ عليه النَّاسُ ويَكثُرونَ، "فيُحدِّثُ النَّاسَ مِن فَوقِ بَيتٍ"، وذلك لإسماعِهم، "فصَعِدَ فَوقَ بَيتٍ فحَدَّثَهم، قال: إنَّ اللهَ تعالى إذا أحَبَّ عبْدًا في السَّماءِ" وهذا قَولٌ صَريحٌ في أنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ مَن يشاءُ مِن عِبادِه مِن أهْلِ الطَّاعةِ له والتَّقوى، "أنزَلَ حُبَّه إلى مَلائكَتِه"، أي: أعلَمَهم بحُبِّه لذلك العبْدِ، "فنادى مُنادٍ: إنَّ اللهَ تعالى قد أحَبَّ فُلانًا فأحِبُّوه، فيَنزِلُ حُبُّه إلى أهْلِ الأرضِ"، أي: تَقبَلُه قُلوبُ أهْلِ الأرضِ وتُحِبُّه؛ لأنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّه، ومَن أحَبَّهُ اللهُ تعالى حَبَّبَه إلى عِبادِه في السَّمواتِ والأرضِ، فتكونُ له في القُلوبِ مَودَّةٌ، ويُزرَعُ له فيها مَهابةٌ، فتُحِبُّه القُلوبُ، وتَرْضى عنه النُّفوسُ مِن غَيرِ تَودُّدٍ منه، ولا تَعرُّضٍ للأسبابِ الَّتي يُكْتَسَبُ بها مَودَّاتُ القُلوبِ؛ مِن قَرابةٍ، أو صَداقةٍ، أو اصطناعِ مَعروفٍ، ومِصداقُ ذلك قولُه تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مريم: 96]، "وإذا أبغَضَ عبْدًا في السَّماءِ"، أي: كَرِهَهُ اللهُ في عَليائِه بسبَبِ عِصيانِه، "أنزَلَ بُغضَهُ إلى الملائكةِ"، أي: أعلَمَهم بذلك البُغضِ، "فنادى مُنادٍ: إنَّ اللهَ قد أبغَضَ فُلانًا فأَبْغِضُوه، فيَنزِلُ بُغضُه إلى أهْلِ الأرضِ"، أي: فيَنزِلُ كُرْهُه في قُلوبِ النَّاسِ، فيَكرهونَه في اللهِ، "وقال رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أيُّ آيةٍ في القُرآنِ أعظَمُ؟ فقال رجُلٌ: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255]" وهي آيةُ الكُرسِيِّ؛ وهذا لأنَّ هَذه الآيَةَ مُشتمِلَةٌ عَلى عَشْرِ صِفاتٍ مِن صِفاتِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، "فضرَبَ بيَدِه بيْن كَتِفي حتَّى وجَدْتُ بَرْدَها بيْن ثَدْيَيَّ" وهذا الفِعْلُ مِنَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن التَّلطُّفِ؛ لرِضاهُ بهذه الإجابةِ ومُوافقَتِه عليها، مع إعجابِهِ بالمُجيبِ، "فقال لي: لِيَهْنِكَ أبا المُنذِرِ العِلْمُ" وهو أُبَيُّ بنُ كَعبٍ الأنصاريُّ رضِيَ اللهُ عنه، والمعنى: لِيَكُنِ العِلْمُ هَنيئًا لك تَهنأُ به، والقَصدُ الدُّعاءُ له بتَيسيرِ العِلمِ والرُّسوخِ فيهِ. "والَّذي نَفْسُ محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيَدِه، إنَّ لها لِسانًا وشَفتينِ تُقدِّسُ الرَّحمنَ عَزَّ وجَلَّ عندَ العرشِ"، أي: تُنزِّهُ اللهَ عَزَّ وجَلَّ عن كلِّ عَيبٍ ونقْصٍ، والحديثُ مَحمولٌ على ظاهرِهِ؛ فإنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ قادرٌ على إيجادِ النُّطقِ واللِّسانِ والشَّفتينِ بكلِّ شَيءٍ.
وفي الحديثِ: أنَّ مَحبَّةَ قُلوبِ النَّاسِ عَلامَةُ مَحبَّةِ اللهِ.
وفيه: مَنقُبَةٌ عَظيمَةٌ لِأُبيِّ بنِ كَعبٍ رَضِيَ اللهُ عنه.
وفيه: مَشروعيَّةُ مَدحِ الإنسانِ في وَجهِهِ إذا كان فيه مَصلحةٌ، ولم يُخَفْ عليه إعجابٌ ونحوُه.
وفيهِ أيضًا: تَبجيلُ العالِمِ فُضلاءَ أصحابِهِ.