الموسوعة الحديثية


- عنِ ابنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قتَلَ رجُلٌ تسعةً وتسعينَ نفْسًا، ثمَّ أراد التَّوبةَ؛ فأتى راهبًا بأرضٍ (عَرِيَّةٍ)، فقال: يا راهبُ، قتلْتُ تسعةً وتسعينَ نفْسًا، فهل لي مِن تَوبةٍ؟ قال: لا، قال: لا جَرَمَ، واللهِ لأُكْمِلَنَّهُم بكَ مِئةً، ثمَّ أتى راهبًا آخَرَ، قال: إنِّي قتلْتُ تسعةً وتسعينَ نفْسًا، وكمَّلْتُهم مِئةً براهبٍ، فهل مِن تَوبةٍ؟ فقال: لقدْ أسرَفْتَ على نفْسِكَ، وركِبْتَ عظيمًا، ومَن تابَ تابَ اللهُ عليهِ، قال: فنَبَذَ السَّيفَ، وقال: واللهِ، لَأَخْدُمَنَّكَ حتَّى يُفَرِّقَ بينَنا الموتُ، قال: وعاهَدَهُ ألَّا يَعصيَهُ، قال: فجاءَهُ قومٌ سَفْرٌ أوْ مُسْنِتونَ، وكان يتطَبَّبُ، فقال الرجُلُ: [هل] تأمُرُني بشيْءٍ؟ قال: اذهَبْ فاسجُرِ التَّنُّورَ، قال: فذهَبَ فسَجَرَهُ حتَّى حَمِيَ، فقال: قد حَمِيَ، فما تأمُرُني؟ قال: اذهَبْ فقَعْ فيه، قال: فذهَبَ فوقَعَ فيه، ثمَّ اذَّكَّرَ الرَّاهبُ، فقام وقام مَن معه، فإذا هو في التَّنُّورِ يَرْشَحُ عَرَقًا لم تَضُرَّهُ النَّارُ، فقال الرَّاهبُ: قد علِمْتُ أنَّ تَوبَتَكَ قد قُبِلَتْ، فلَأَخْدُمَنَّكَ أبدًا حتَّى تُفارِقَني، قال ابنُ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه: وكانوا بَنو إسرائيلَ إذا أذنَبَ أحدُهم أصبَحَ وقد كُتِبَ كَفَّارةُ ذنبِهِ على أُسْكُفَّةِ بابِهِ، ففَضَّلَكُمُ اللهُ عليهم، فأُمِرْتم بالاستِغفارِ، فتستغفِرونَ اللهَ تعالى، قال: ولقد أعطى هذهِ الأُمَّةَ آيةً ما أُحِبُّ أنَّ لهم بها الدُّنيا وما فيها: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} [آل عمران: 135].
الراوي : شقيق بن سلمة | المحدث : ابن حجر العسقلاني | المصدر : المطالب العالية | الصفحة أو الرقم : 4/61 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح

كانَ في بَنِي إسْرائِيلَ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وتِسْعِينَ إنْسانًا، ثُمَّ خَرَجَ يَسْأَلُ، فأتَى راهِبًا فَسَأَلَهُ فقالَ له: هلْ مِن تَوْبَةٍ؟ قالَ: لا، فَقَتَلَهُ، فَجَعَلَ يَسْأَلُ، فقالَ له رَجُلٌ: ائْتِ قَرْيَةَ كَذا وكَذا، فأدْرَكَهُ المَوْتُ، فَناءَ بصَدْرِهِ نَحْوَها، فاخْتَصَمَتْ فيه مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ ومَلائِكَةُ العَذابِ، فأوْحَى اللَّهُ إلى هذِه أنْ تَقَرَّبِي، وأَوْحَى اللَّهُ إلى هذِه أنْ تَباعَدِي، وقالَ: قِيسُوا ما بيْنَهُما، فَوُجِدَ إلى هذِه أقْرَبَ بشِبْرٍ، فَغُفِرَ له.
الراوي : أبو سعيد الخدري | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 3470 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

رَحمةُ اللهِ وَسِعَتْ كُلَّ شَيءٍ، ومِن رَحمَتِه أنَّه فَتَحَ بابَ التَّوبةِ لِعِبادِه باللَّيلِ والنَّهارِ، وحرَّمَ القُنوطَ واليأسَ مِن رَحمتِه.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ رجُلًا مِن بَني إسرائيلَ كان قدْ قتَلَ تِسعًا وتِسعينَ إنسانًا بغَيرِ حقٍّ، فأراد التَّوبةَ، فجاء إلى راهبٍ، أي: عابدٍ مِن النَّصارى -وفي ذلك إشعارٌ بأنَّ ذلك وَقَعَ بعْدَ رفْعِ عِيسى عليه السَّلامُ؛ فإنَّ الرَّهبانيَّةَ إنَّما ابتَدَعها أتباعُه- فسَأَلَه عن التَّوبةِ، فقال له: لَيس لك توبةٌ، وقد وَقَعَ هذا الرَّاهبُ في خَطأَينِ: الأوَّلُ: أنَّه ضيَّقَ رَحمةَ اللهِ، والثَّاني: أنَّه أفْتى بغَيرِ عِلمٍ. فقتَلَه الرَّجلُ وأكمَلَ بقَتْلِه المئةَ نفْسٍ.
فلمْ يَيَئسْ، بلْ جَعَلَ يَسأَلُ مرَّةً أُخرى، إلى أنْ جاء إلى عالِمٍ مِن العُلماءِ، فسَأَلَه عن التَّوبةِ، فقال له العالِمُ: لا يَمنَعُك مِن التَّوبةِ شَيءٌ، وأمَرَه أنْ يَذهَبَ إلى قَريةٍ مُعيَّنةٍ، يُعبَدُ فيها اللهُ عزَّ وجلَّ، وكانت قَريتُه قَريةَ سَوْءٍ، فمات الرَّجُلُ في طَريقِه، ومِن رَحمةِ اللهِ عزَّ وجلَّ به أنَّه عِندما حَضَرَته الوفاةُ ناءَ بصَدْرِه، أي: مالَ بصَدْرِه مُقترِبًا مِن القَريةِ الصَّالحةِ التي تَوجَّهَ إليها للتَّوبةِ، ومُبتعِدًا عن قَريةِ السَّوءِ التي خَرَجَ منها.
فلمَّا مات تَخاصَمَتْ فيه -أي: تَنازَعَتْ- مَلائكةُ الرَّحمةِ ومَلائكةُ العذابِ، وزاد في رِوايةِ مُسلمٍ: أنَّ مَلائكةَ العَذابِ قالت: إنَّه لم يَفعَلْ خَيرًا قطُّ، ومَلائكةَ الرَّحمةِ قالت: إنَّه أَقبَل على اللهِ تائبًا، فحَكَّموا بيْنهما واحدًا، وهو مَلَكٌ أرْسَلَه اللهُ عزَّ وجلَّ إليهم في صُورةِ آدمِيٍّ، فقال لهم: قِيسُوا بيْن الأَرْضَينِ؛ القَريةِ الَّتي خَرَج منها، والقريةِ الَّتي كان ذاهبًا إليها؛ فإنْ كان أقرَبَ للَّتي خرَج منها أخَذَتْه مَلائكةُ العذابِ، وإنْ كان أقرَبَ للقريةِ الَّتي كان ذاهبًا إليها أخَذَتْه مَلائكةُ الرَّحمةِ. فأَوحَى اللهُ إلى أرضِ القَريةِ الَّتي كان ذاهبًا إليها: أنْ تَقرَّبي، فتَقارَبَتْ، وأَوحَى إلى الأُخرى: أنْ تَباعَدي، فتباعَدَتْ، وهذا مِن سَعةِ رَحمةِ اللهِ عزَّ وجلَّ بعِبادِه، فوَجَدوه أقرَبَ إلى القريةِ الَّتي كان ذاهبًا إليها بشِبرٍ واحدٍ فقطْ، فأخَذَتْه مَلائكةُ الرَّحمةِ، ولا يُعارَضُ هذا بما هو مُقرَّرٌ مِن أنَّ حُقوقَ العبادِ لا تَسقُطُ إلَّا باستيفائِها؛ فاللهُ تعالَى إذا رَضيَ عن المذنِبِ وقَبِل تَوبتَه، يُرْضِي عنه خَصْمَه.
وفي الحديثِ: حثُّ المُذْنبينَ على التَّوبةِ، ومَنْعُهم مِن اليَأسِ مِن رَحمةِ اللهِ تعالَى.
وفيه: بَيانُ فضْلِ العالِمِ على العابِدِ.
وفيه: أنَّ مِن أعظمِ أسبابِ المعصيةِ الصُّحبةَ السَّيِّئةَ وخُلطةَ أهلِ السُّوءِ، وأنَّ مِن أعظمِ أسبابِ الطاعةِ صُحبةَ المُطِيعينَ وخُلْطتَهم.
وفيه: سَعةُ فَضلِ اللهِ تعالَى وعَظيمُ رَحمتِه بالتَّائبِ.