الموسوعة الحديثية


-  أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ لَهَا: يا عَائِشَةُ، لَوْلَا أنَّ قَوْمَكِ حَديثُ عَهْدٍ بجَاهِلِيَّةٍ، لَأَمَرْتُ بالبَيْتِ، فَهُدِمَ، فأدْخَلْتُ فيه ما أُخْرِجَ منه، وأَلْزَقْتُهُ بالأرْضِ، وجَعَلْتُ له بَابَيْنِ: بَابًا شَرْقِيًّا، وبَابًا غَرْبِيًّا، فَبَلَغْتُ به أَسَاسَ إبْرَاهِيمَ. فَذلكَ الذي حَمَلَ ابْنَ الزُّبَيْرِ رَضيَ اللهُ عنهما علَى هَدْمِهِ. قالَ يَزِيدُ: وشَهِدْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ حِينَ هَدَمَهُ وبَنَاهُ، وأَدْخَلَ فيه مِنَ الحِجْرِ، وقدْ رَأَيْتُ أَسَاسَ إبْرَاهِيمَ حِجَارَةً كَأَسْنِمَةِ الإبِلِ. قالَ جَرِيرٌ: فَقُلتُ له: أَيْنَ مَوْضِعُهُ؟ قالَ: أُرِيكَهُ الآنَ، فَدَخَلْتُ معهُ الحِجْرَ، فأشَارَ إلى مَكَانٍ، فَقالَ: هَاهُنَا. قالَ جَرِيرٌ: فَحَزَرْتُ مِنَ الحِجْرِ سِتَّةَ أَذْرُعٍ أَوْ نَحْوَهَا.
الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم : 1586 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] | التخريج : أخرجه مسلم (1333) باختلاف يسير
كانت صِفةُ بِناءِ إبراهيمَ عليه السَّلامُ للبيتِ مُدوَّرًا عندَ الرُّكنينِ الشاميِّ والعِراقيِّ، فهو على تلك الهيئةِ بحِجرِ إسماعيلَ، وكان له رُكنانِ، وهما اليَمانِيانِ، فلمَّا بَنَتْه قُريشٌ في الجاهليَّةِ جَعَلوا له أربعةَ أركانٍ، وجَعَلوا الحِجرَ مِن وَرائِه، إرادةً منهم لاستكمالِ الطَّوافِ بالبيتِ، وهو على شَكلِ نِصفِ دائرةٍ يُلاصِقُ الرِّكنينِ الشاميَّ والعراقيَّ، فالحِجرُ جُزءٌ مِن الكعبةِ.
وفي هذا الحديثِ تَروي عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أخْبَرَها أنَّه لولا قُرْبُ عَهدِ قُرَيشٍ بالكُفْرِ، لَأمَرَ بهَدْمِ الكَعبةِ، ثمَّ بَناها على أساسِ إبراهيمَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأدخَلَ فيه ما أُخرِجَ مِنه، وأَلصَقَه بالأرضِ، وجَعَلَ له بابَيْن: بابًا شَرقِيًّا، وبابًا غَربِيًّا؛ ليَدخُلَ الناسُ مِن أحدِهما، ويَخرُجوا مِن الآخَرِ.
وهذا الحَديثُ هو الذي جَعَلَ عَبدَ اللهِ بنَ الزُّبيرِ رَضيَ اللهُ عنهما يَهدِمُ الكَعبةَ ويُعيدُ بِناءَها وَقْتَ حُكمِه على الحِجازِ.
ثمَّ أخْبَرَ التابعيُّ يَزيدُ بنُ رُومانَ -مِن رُواةِ هذا الحديثِ- أنَّه شَهِدَ ابنَ الزُّبَيْرِ حينَ هدَمَه -وكانَ قدْ هَدَمَه حتَّى بَلَغَ به الأرضَ- وحِينَ بَناهُ، وكانَ ذلك في سَنةِ خمْسٍ وسِتِّين من الهِجرةِ، وأدخَلَ فيه مِن الحِجْرَ -حِجرِ إسماعيلَ- خَمْسَ أذْرُعٍ، وقَد رَأى يَزيدُ أساسَ إبراهيمَ حِجارةً مِثلَ أَسْنِمَةِ الإبِلِ، وأسْنِمةُ الإبلِ: أَعْلَى ظُهورِها.
قالَ جَريرُ بنُ حازِمٍ: فقُلْتُ لِيَزيدَ بنِ رُومانَ: أينَ مَوضعُ الأساسِ؟ فأجابَه أنَّه سَيُريه له، فأخْبَرَ أنَّه دخَلَ معَه الحِجْرَ، فأشارَ إلى مَكانٍ منهُ، فقال: هاهُنا. فأخْبَرَ جَريرٌ أنَّه قدَّرَ المسافةَ المشارَ إليها مِن الحِجْرِ سِتَّةَ أذرُعٍ أو نحْوَها. وقد جاء في رِوايةِ مُسلمٍ مِن حَديثِ التابعيِّ عَطاءِ بنِ أبي رَباحٍ: أنَّ الحَجَّاجَ لمَّا قَتَلَ ابنَ الزُّبيرِ رَضيَ اللهُ عنه هَدَمَ البِناءَ، ورَدَّه على قَواعدِ قُريشٍ، وهو إلى الآنَ على تلك القواعدِ.
وفي الحديثِ: دَليلٌ على ارتِكابِ أيسرِ الضَّررَين دَفْعًا لأَكبرِهما؛ لأنَّ تَرْكَ بِناءِ الكَعبةِ على ما هو عليه أيسرُ مِن افتِتانِ طائفةٍ مِن المسلِمينَ ورُجوعِهِم عن دِينِهِم؛ ففيه: دليلٌ للقاعدةِ المشهورةِ: أنَّ درْءَ المفاسدِ مُقدَّمٌ على جلْبِ المصالِحِ.
وفيه: أنَّ النُّفوسَ تُساسُ بما تُساسُ إلَيه في الدِّينِ -مِن غَيرِ الفَرائِضِ- بأن يُتْرَكَ ويُرفَعَ عن النَّاسِ ما يُنكِرون مِنها.
وفيه: أنَّ على الحاكمِ أنْ يَسعى لإقامةِ الإسلامِ وسُنةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.