- صلَّى رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ ذاتَ يومٍ وصعِدَ المنبرَ وَكانَ لا يصعَدُ علَيهِ قبلَ ذلِكَ إلَّا يومَ الجمعةِ، فاشتدَّ ذلِكَ علَى النَّاسِ فمِن بينِ قائمٍ وجالِسٍ، فأشارَ إليهم بيدِهِ أنِ اقعُدوا فإنِّي واللَّهِ ما قُمتُ مقامي هذا لأمرٍ ينفعُكُم، لرَغبةٍ ولا لرَهْبةٍ، ولَكِنَّ تميمًا الدَّاريَّ أتاني، فأخبرَني خبرًا مَنعَني القيلولةَ، منَ الفَرَحِ وقرَّةِ العينِ، فأحبَبتُ أن أنشُرَ عليكُم فرحَ نبيِّكم، ألا إنَّ ابنَ عمٍّ لتَميمٍ الدَّاريِّ أخبرَني، أنَّ الرِّيحَ ألجأَتْهم إلى جَزيرةٍ لا يعرِفونَها، فقعَدوا في قواربِ السَّفينةِ، فخَرجوا فيها، فإذا هُم بشيءٍ أَهْدَبَ أسودَ، قالوا لَهُ: ما أنتَ؟ قالَ: أَنا الجسَّاسةُ، قالوا: أخبِرينا، قالَت: ما أَنا بمُخْبِرَتِكُم شيئًا، ولا سائلتِكُم، ولَكِن هذا الدَّيرُ، قد رمَقتُموهُ، فأتوهُ، فإنَّ فيهِ رجلًا بالأشواقِ إلى أن تخبِروهُ ويُخْبِرَكم، فأتوهُ فدَخلوا علَيهِ، فإذا هم بشَيخٍ موثقٍ شديدِ الوثاقِ، يظهرُ الحُزنَ، شديدِ التَّشَكِّي، فقالَ لَهُم: مِن أينَ؟ قالوا: منَ الشَّامِ، قالَ: ما فعَلتِ العربُ؟ قالوا: نَحنُ قومٌ منَ العَربِ، عمَّ تسألُ؟ قالَ: ما فَعلَ هذا الرَّجلُ الَّذي خَرجَ فيكُم؟ قالوا: خَيرًا، ناوى قومًا، فأظهرَهُ اللَّهُ علَيهم، فأمرُهُمُ اليومَ جميعٌ: إلَهُهم واحدٌ، ودينُهُم واحدٌ، قالَ: ما فعَلت عينُ زغرَ؟ قالوا: خيرًا يَسقونَ منها زروعَهُم، ويستَقونَ منها لسقيِهِم، قالَ: فما فعلَ نخلٌ بينَ عمَّانَ وبيسانَ؟ قالوا: يَطعمُ ثمرَهُ كلَّ عامٍ، قالَ: فما فعَلت بُحَيْرةُ الطَّبريَّةِ؟ قالوا: تَدفَّقُ جنباتُها مِن كثرةِ الماءِ، قالَ: فزفرَ ثلاثَ زفراتٍ، ثمَّ قالَ: لوِ انفلَتُّ مِن وثاقي هذا، لم أدَع أرضًا إلَّا وَطِئْتُها برجلَيَّ هاتينِ، إلَّا طَيبةَ، ليسَ لي عليها سبيلٌ، قالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ: إلى هذا ينتَهي فرحي، هذِهِ طَيبةُ، والَّذي نَفسي بيدِهِ، ما فيها طريقٌ ضيِّقٌ، ولا واسعٌ، ولا سَهْلٌ، ولا جبَلٌ، إلَّا وعلَيهِ ملَكٌ شاهرٌ سيفَهُ إلى يومِ القيامةِ
الراوي :
فاطمة بنت قيس | المحدث :
الألباني
|
المصدر :
صحيح ابن ماجه
الصفحة أو الرقم: 3309 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
- صلَّى رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ ذاتَ يومٍ وصعِدَ المنبرَ وَكانَ لا يصعَدُ علَيهِ قبلَ ذلِكَ إلَّا يومَ الجمعةِ، فاشتدَّ ذلِكَ علَى النَّاسِ فمِن بينِ قائمٍ وجالِسٍ، فأشارَ إليهم بيدِهِ أنِ اقعُدوا فإنِّي واللَّهِ ما قُمتُ مقامي هذا لأمرٍ ينفعُكُم، لرَغبةٍ ولا لرَهْبةٍ، ولَكِنَّ تميمًا الدَّاريَّ أتاني، فأخبرَني خبرًا مَنعَني القيلولةَ، منَ الفَرَحِ وقرَّةِ العينِ، فأحبَبتُ أن أنشُرَ عليكُم فرحَ نبيِّكم، ألا إنَّ ابنَ عمٍّ لتَميمٍ الدَّاريِّ أخبرَني، أنَّ الرِّيحَ ألجأَتْهم إلى جَزيرةٍ لا يعرِفونَها، فقعَدوا في قواربِ السَّفينةِ، فخَرجوا فيها، فإذا هُم بشيءٍ أَهْدَبَ أسودَ، قالوا لَهُ: ما أنتَ؟ قالَ: أَنا الجسَّاسةُ، قالوا: أخبِرينا، قالَت: ما أَنا بمُخْبِرَتِكُم شيئًا، ولا سائلتِكُم، ولَكِن هذا الدَّيرُ، قد رمَقتُموهُ، فأتوهُ، فإنَّ فيهِ رجلًا بالأشواقِ إلى أن تخبِروهُ ويُخْبِرَكم، فأتوهُ فدَخلوا علَيهِ، فإذا هم بشَيخٍ موثقٍ شديدِ الوثاقِ، يظهرُ الحُزنَ، شديدِ التَّشَكِّي، فقالَ لَهُم: مِن أينَ؟ قالوا: منَ الشَّامِ، قالَ: ما فعَلتِ العربُ؟ قالوا: نَحنُ قومٌ منَ العَربِ، عمَّ تسألُ؟ قالَ: ما فَعلَ هذا الرَّجلُ الَّذي خَرجَ فيكُم؟ قالوا: خَيرًا، ناوى قومًا، فأظهرَهُ اللَّهُ علَيهم، فأمرُهُمُ اليومَ جميعٌ: إلَهُهم واحدٌ، ودينُهُم واحدٌ، قالَ: ما فعَلت عينُ زغرَ؟ قالوا: خيرًا يَسقونَ منها زروعَهُم، ويستَقونَ منها لسقيِهِم، قالَ: فما فعلَ نخلٌ بينَ عمَّانَ وبيسانَ؟ قالوا: يَطعمُ ثمرَهُ كلَّ عامٍ، قالَ: فما فعَلت بُحَيْرةُ الطَّبريَّةِ؟ قالوا: تَدفَّقُ جنباتُها مِن كثرةِ الماءِ، قالَ: فزفرَ ثلاثَ زفراتٍ، ثمَّ قالَ: لوِ انفلَتُّ مِن وثاقي هذا، لم أدَع أرضًا إلَّا وَطِئْتُها برجلَيَّ هاتينِ، إلَّا طَيبةَ، ليسَ لي عليها سبيلٌ، قالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ: إلى هذا ينتَهي فرحي، هذِهِ طَيبةُ، والَّذي نَفسي بيدِهِ، ما فيها طريقٌ ضيِّقٌ، ولا واسعٌ، ولا سَهْلٌ، ولا جبَلٌ، إلَّا وعلَيهِ ملَكٌ شاهرٌ سيفَهُ إلى يومِ القيامةِ.
الراوي: فاطمة بنت قيس | المحدث: الألباني | المصدر: صحيح ابن ماجه
الصفحة أو الرقم: 3309
خلاصة حكم المحدث: صحيح
أنَّهُ سَأَلَ فَاطِمَةَ بنْتَ قَيْسٍ، أُخْتَ الضَّحَّاكِ بنِ قَيْسٍ، وَكَانَتْ مِنَ المُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ، فَقالَ: حَدِّثِينِي حَدِيثًا سَمِعْتِيهِ مِن رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، لا تُسْنِدِيهِ إلى أَحَدٍ غيرِهِ، فَقالَتْ: لَئِنْ شِئْتَ لأَفْعَلَنَّ، فَقالَ لَهَا: أَجَلْ حَدِّثِينِي فَقالَتْ: نَكَحْتُ ابْنَ المُغِيرَةِ، وَهو مِن خِيَارِ شَبَابِ قُرَيْشٍ يَومَئذٍ، فَأُصِيبَ في أَوَّلِ الجِهَادِ مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَلَمَّا تَأَيَّمْتُ خَطَبَنِي عبدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ في نَفَرٍ مِن أَصْحَابِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، وَخَطَبَنِي رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ علَى مَوْلَاهُ أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ، وَكُنْتُ قدْ حُدِّثْتُ، أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، قالَ: مَن أَحَبَّنِي فَلْيُحِبَّ أُسَامَةَ فَلَمَّا كَلَّمَنِي رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ قُلتُ: أَمْرِي بيَدِكَ، فأنْكِحْنِي مَن شِئْتَ، فَقالَ: انْتَقِلِي إلى أُمِّ شَرِيكٍ وَأُمُّ شَرِيكٍ امْرَأَةٌ غَنِيَّةٌ، مِنَ الأنْصَارِ، عَظِيمَةُ النَّفَقَةِ في سَبيلِ اللهِ، يَنْزِلُ عَلَيْهَا الضِّيفَانُ، فَقُلتُ: سَأَفْعَلُ، فَقالَ: لا تَفْعَلِي، إنَّ أُمَّ شَرِيكٍ امْرَأَةٌ كَثِيرَةُ الضِّيفَانِ، فإنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَسْقُطَ عَنْكِ خِمَارُكِ، أَوْ يَنْكَشِفَ الثَّوْبُ عن سَاقَيْكِ، فَيَرَى القَوْمُ مِنْكِ بَعْضَ ما تَكْرَهِينَ وَلَكِنِ انْتَقِلِي إلى ابْنِ عَمِّكِ عبدِ اللهِ بنِ عَمْرِو ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، وَهو رَجُلٌ مِن بَنِي فِهْرٍ، فِهْرِ قُرَيْشٍ وَهو مِنَ البَطْنِ الذي هي منه، فَانْتَقَلْتُ إلَيْهِ، فَلَمَّا انْقَضَتْ عِدَّتي سَمِعْتُ نِدَاءَ المُنَادِي، مُنَادِي رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، يُنَادِي: الصَّلَاةَ جَامِعَةً، فَخَرَجْتُ إلى المَسْجِدِ، فَصَلَّيْتُ مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَكُنْتُ في صَفِّ النِّسَاءِ الَّتي تَلِي ظُهُورَ القَوْمِ فَلَمَّا قَضَى رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ صَلَاتَهُ جَلَسَ علَى المِنْبَرِ، وَهو يَضْحَكُ،
فَقالَ: لِيَلْزَمْ كُلُّ إنْسَانٍ مُصَلَّاهُ، ثُمَّ قالَ: أَتَدْرُونَ لِمَ جَمَعْتُكُمْ؟ قالوا: اللَّهُ وَرَسولُهُ أَعْلَمُ، قالَ: إنِّي وَاللَّهِ ما جَمَعْتُكُمْ لِرَغْبَةٍ وَلَا لِرَهْبَةٍ، وَلَكِنْ جَمَعْتُكُمْ، لأنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ كانَ رَجُلًا نَصْرَانِيًّا، فَجَاءَ فَبَايَعَ وَأَسْلَمَ، وَحدَّثَني حَدِيثًا وَافَقَ الذي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عن مَسِيحِ الدَّجَّالِ، حدَّثَني أنَّهُ رَكِبَ في سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ، مع ثَلَاثِينَ رَجُلًا مِن لَخْمٍ وَجُذَامَ، فَلَعِبَ بهِمِ المَوْجُ شَهْرًا في البَحْرِ، ثُمَّ أَرْفَؤُوا إلى جَزِيرَةٍ في البَحْرِ حتَّى مَغْرِبِ الشَّمْسِ، فَجَلَسُوا في أَقْرُبِ السَّفِينَةِ فَدَخَلُوا الجَزِيرَةَ فَلَقِيَتْهُمْ دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعَرِ، لا يَدْرُونَ ما قُبُلُهُ مِن دُبُرِهِ، مِن كَثْرَةِ الشَّعَرِ، فَقالوا: وَيْلَكِ ما أَنْتِ؟ فَقالَتْ: أَنَا الجَسَّاسَةُ، قالوا: وَما الجَسَّاسَةُ؟ قالَتْ: أَيُّهَا القَوْمُ انْطَلِقُوا إلى هذا الرَّجُلِ في الدَّيْرِ، فإنَّه إلى خَبَرِكُمْ بالأشْوَاقِ، قالَ: لَمَّا سَمَّتْ لَنَا رَجُلًا فَرِقْنَا منها أَنْ تَكُونَ شيطَانَةً، قالَ: فَانْطَلَقْنَا سِرَاعًا، حتَّى دَخَلْنَا الدَّيْرَ، فَإِذَا فيه أَعْظَمُ إنْسَانٍ رَأَيْنَاهُ قَطُّ خَلْقًا، وَأَشَدُّهُ وِثَاقًا، مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إلى عُنُقِهِ، ما بيْنَ رُكْبَتَيْهِ إلى كَعْبَيْهِ بالحَدِيدِ، قُلْنَا: وَيْلَكَ ما أَنْتَ؟ قالَ: قدْ قَدَرْتُمْ علَى خَبَرِي، فأخْبِرُونِي ما أَنْتُمْ؟ قالوا: نَحْنُ أُنَاسٌ مِنَ العَرَبِ رَكِبْنَا في سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ، فَصَادَفْنَا البَحْرَ حِينَ اغْتَلَمَ فَلَعِبَ بنَا المَوْجُ شَهْرًا، ثُمَّ أَرْفَأْنَا إلى جَزِيرَتِكَ هذِه، فَجَلَسْنَا في أَقْرُبِهَا، فَدَخَلْنَا الجَزِيرَةَ، فَلَقِيَتْنَا دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعَرِ، لا يُدْرَى ما قُبُلُهُ مِن دُبُرِهِ مِن كَثْرَةِ الشَّعَرِ، فَقُلْنَا: وَيْلَكِ ما أَنْتِ؟ فَقالَتْ: أَنَا الجَسَّاسَةُ، قُلْنَا: وَما الجَسَّاسَةُ؟ قالَتْ: اعْمِدُوا إلى هذا الرَّجُلِ في الدَّيْرِ، فإنَّه إلى خَبَرِكُمْ بالأشْوَاقِ، فأقْبَلْنَا إلَيْكَ سِرَاعًا، وَفَزِعْنَا منها، وَلَمْ نَأْمَن أَنْ تَكُونَ شيطَانَةً، فَقالَ: أَخْبِرُونِي عن نَخْلِ بَيْسَانَ، قُلْنَا: عن أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قالَ: أَسْأَلُكُمْ عن نَخْلِهَا، هلْ يُثْمِرُ؟ قُلْنَا له: نَعَمْ، قالَ: أَما إنَّه يُوشِكُ أَنْ لا تُثْمِرَ، قالَ: أَخْبِرُونِي عن بُحَيْرَةِ الطَّبَرِيَّةِ، قُلْنَا: عن أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قالَ: هلْ فِيهَا مَاءٌ؟ قالوا: هي كَثِيرَةُ المَاءِ، قالَ: أَما إنَّ مَاءَهَا يُوشِكُ أَنْ يَذْهَبَ، قالَ: أَخْبِرُونِي عن عَيْنِ زُغَرَ،
قالوا: عن أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قالَ: هلْ في العَيْنِ مَاءٌ؟ وَهلْ يَزْرَعُ أَهْلُهَا بمَاءِ العَيْنِ؟ قُلْنَا له: نَعَمْ، هي كَثِيرَةُ المَاءِ، وَأَهْلُهَا يَزْرَعُونَ مِن مَائِهَا، قالَ: أَخْبِرُونِي عن نَبِيِّ الأُمِّيِّينَ ما فَعَلَ؟ قالوا: قدْ خَرَجَ مِن مَكَّةَ وَنَزَلَ يَثْرِبَ، قالَ: أَقَاتَلَهُ العَرَبُ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قالَ: كيفَ صَنَعَ بهِمْ؟ فأخْبَرْنَاهُ أنَّهُ قدْ ظَهَرَ علَى مَن يَلِيهِ مِنَ العَرَبِ وَأَطَاعُوهُ، قالَ لهمْ: قدْ كانَ ذلكَ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قالَ: أَما إنَّ ذَاكَ خَيْرٌ لهمْ أَنْ يُطِيعُوهُ، وإنِّي مُخْبِرُكُمْ عَنِّي، إنِّي أَنَا المَسِيحُ، وإنِّي أُوشِكُ أَنْ يُؤْذَنَ لي في الخُرُوجِ، فأخْرُجَ فأسِيرَ في الأرْضِ فلا أَدَعَ قَرْيَةً إلَّا هَبَطْتُهَا في أَرْبَعِينَ لَيْلَةً غيرَ مَكَّةَ وَطَيْبَةَ، فَهُما مُحَرَّمَتَانِ عَلَيَّ كِلْتَاهُمَا، كُلَّما أَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ وَاحِدَةً، أَوْ وَاحِدًا، منهما اسْتَقْبَلَنِي مَلَكٌ بيَدِهِ السَّيْفُ صَلْتًا، يَصُدُّنِي عَنْهَا، وإنَّ علَى كُلِّ نَقْبٍ منها مَلَائِكَةً يَحْرُسُونَهَا، قالَتْ: قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، وَطَعَنَ بمِخْصَرَتِهِ في المِنْبَرِ: هذِه طَيْبَةُ، هذِه طَيْبَةُ، هذِه طَيْبَةُ، يَعْنِي المَدِينَةَ، أَلَا هلْ كُنْتُ حَدَّثْتُكُمْ ذلكَ؟ فَقالَ النَّاسُ: نَعَمْ، فإنَّه أَعْجَبَنِي حَديثُ تَمِيمٍ، أنَّهُ وَافَقَ الذي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عنْه، وَعَنِ المَدِينَةِ وَمَكَّةَ، أَلَا إنَّه في بَحْرِ الشَّأْمِ، أَوْ بَحْرِ اليَمَنِ، لا بَلْ مِن قِبَلِ المَشْرِقِ ما هُوَ، مِن قِبَلِ المَشْرِقِ ما هو مِن قِبَلِ المَشْرِقِ، ما هو وَأَوْمَأَ بيَدِهِ إلى المَشْرِقِ، قالَتْ: فَحَفِظْتُ هذا مِن رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ.
الراوي :
فاطمة بنت قيس | المحدث :
مسلم
|
المصدر :
صحيح مسلم
الصفحة أو الرقم: 2942 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
وفي هذا الحديثِ أنَّ عَامِرَ بنَ شَرَاحِيلَ الشَّعْبِيَّ سألَ فَاطِمَةَ بِنتَ قَيْسٍ أُختَ الضَّحَّاكِ بنِ قَيْسٍ؛ وكانتْ منَ المُهاجِراتِ الأُوَلِ؛ أنْ تُحَدِّثَهُ حَديثًا سَمِعَتْهُ من رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ ولا تُسْنِدَهُ إلى أحدٍ غيرِهِ؛ فَقالتْ: نَكَحْتُ ابنَ المُغِيرَةِ وهو أبو عَمْرِو بنُ حَفْصِ بنِ المُغِيرَةِ؛ وهو منْ خِيارِ شَبابِ قُرَيْشٍ يَومئِذٍ؛ فأُصِيبَ في أوَّلِ الجِهادِ مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أي: أُصيبَ بِجُرْحٍ؛ فَلمَّا تَأيَّمْتُ، أي: أصبحَتْ لا زَوْجَ لها؛ وذلك لأنَّه طلَّقَها طَلاقًا بائِنًا؛ خَطبَها عبدُ الرحمنِ بنُ عَوْفٍ، في نَفَرٍ منْ أصحابِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وخَطَبَهَا رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على مَوْلاهُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ؛ وكانتْ تَعلمُ قولَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَنْ أحبَّني فليُحِبَّ أُسَامَةَ؛ فلمَّا كلَّمَها صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أخبرَتْهُ أنَّ أمرَها بِيَدِهِ؛ وله أنْ يُزوِّجَها مَنْ شاءَ؛ فَأمَرَها صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنْ تَنْتقِلَ إلى أُمِّ شَرِيكٍ وكانت امْرأةً غَنِيَّةً مِنَ الأنصارِ عَظيمةَ النَّفَقَةِ في سبيلِ الله؛ يَنْزِلُ عليها الضِّيفَانُ، أي: الضُّيوفُ منْ كُلِّ مكانٍ. فَقالتْ فَاطِمَةُ للنَّبيِّ: سأفْعَلُ؛ فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لا تَفْعَلي؛ إنَّ أُمَّ شَرِيكٍ امْرأةٌ كَثيرةُ الضِّيفانِ؛ فإنِّي أكْرَهُ أنْ يَسْقُطَ عَنْكِ خِمَارُكِ، أي: حِجابُكِ، أو يَنْكَشِفَ الثَّوبُ عنْ ساقَيْكِ، فَيَرى القومُ مِنْكِ بعضَ ما تَكْرَهِينَ؛ ولكن انْتَقِلي إلى ابنِ عَمِّكِ، عبدِ الله بنِ عَمْرِو ابنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، وهو رجلٌ منْ بَنِي فِهْرٍ، فِهْرِ قُرَيْشٍ، وكان رجلًا أعْمَى؛ فَانْتَقلتْ إليه، أي: إلى دَارِهِ، فلمَّا انْقَضَتْ عِدَّتُها؛ سَمِعْتُ نِداءَ مُنادي رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُنادي: الصَّلاةُ جامِعَةٌ؛ فَخرجتُ إلى المَسجدِ فَصلَّيْتُ مع رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فلمَّا أدَّى صَلاتَهُ وفَرَغَ عنها؛ جَلَسَ على المِنبرِ وهو يَضحكُ، أي: تَبَسُّمًا، فقال: لِيَلْزَمْ كُلُّ إنسانٍ مُصَلَّاهُ، أي: مَوضِعَ صَلاتِهِ، ثُمَّ قال: هلْ تَدْرُونَ لِمَ جَمعتُكمْ؟ فَأجابوا: الله ورسولُهُ أعْلَمُ؛ قال: إنِّي والله ما جَمعتُكمْ لِرَغْبَةٍ؛ منْ عَطاءٍ أو غَنِيمَةٍ؛ ولا رَهْبَةٍ، أي: خَوفٍ منْ عَدُوٍّ؛ ولكنْ جَمعتُكُمْ لأنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ وكانَ رَجُلًا نَصْرانيًّا، جاءَ وأسلَمَ وَحدَّثَني حَديثًا وافقَ الَّذي كُنتُ أُحدِّثُكُمْ به عنِ المَسيحِ الدَّجَّالِ؛ أنَّه رَكِبَ في سَفينةٍ بَحْرِيَّةٍ مع ثَلاثينَ رجلًا منْ قَبيلةِ لَخْمٍ وقَبيلةِ جُذَامٍ فَلَعِبَ المَوْجُ، أي: دَارَ بهم المَوْجُ شَهْرًا، أي: مِقْدارَ شَهرٍ في البَحْرِ، فَأرْفَؤُوا، أي: قَرَّبُوا السَّفينةَ إلى جَزيرةٍ حينَ تَغْرُبُ الشَّمسُ؛ وتَحوَّلوا منَ المَرْكَبِ الكَبيرِ وجَلسُوا في أقْرُبِ السَّفينةِ، وأَقرُب جَمْعُ قَارِب، وهو سَفينةٌ صَغيرةٌ تكونُ مع الكَبيرةِ يَتَصَرَّفُ فيها رُكَّابُ السَّفينةِ لِقضاءِ حَوائِجِهمْ، فَدخَلوا في الجَزيرةِ؛ فَلَقِيَتْهُمْ، أي: فقَابلتْهُم ورَأتْهُم دَابَّةٌ أهْلَبُ كَثيرُ الشَّعْرِ لا يَدْرُونَ، أي: لا يَعْرِفُ القومُ ما قُبُلُهُ منْ دُبُرِهِ، أي: لا يَعْرِفونَ وَجْهَهُ منْ ظَهْرِهِ؛ وذلك بسببِ كَثرةِ الشَّعْرِ، فقالوا: وَيْلَكِ ما أنتِ؟ فأجابَتْهُم: أنا الجَسَّاسَةُ: قِيلَ: سُمِّيَتْ بذلك لِتَجَسُّسِها الأخبارَ للدَّجَّالِ، فقال القومُ: وما الجَسَّاسَةُ؟ فَقالتْ لهم: أيُّها القومُ انْطَلِقوا إلى هذا الرَّجلِ في الدَّيْرِ- وهو مكانُ عِبَادةِ النَّصارَى- فإنَّه إلى خَبَرِكُمْ بالأشْوَاقِ، أي: كَثيرُ الشَّوْقِ إلى ما عِندَكمْ منَ الخَبَرِ، وهُنا قال تَمِيمٌ: لمَّا سَمَّتْ، أي: ذَكَرَتْ لنا رجلًا «فَرِقْنَا» منها، أي: خُفْنا منَ الدَّابَّةِ؛ أنْ تكونَ شَيْطانَةً، ثُمَّ قال: فانْطَلقنا مُسْرِعينَ حتَّى دَخلنا الدَّيْرَ فإذا فيه أعظمُ إنسانٍ رَأيناهُ قَطُّ خَلْقًا، أي: جِسْمًا وحَجْمًا وهَيْئَةً، وأشَدُّهُ وَثاقًا، أي: أشَدُّ قَيْدًا في السَّلاسِلِ والأغلالِ، مَجْمُوعَةٌ، أي: مَضْمُومةٌ ومُقَيَّدةٌ يَداهُ إلى عُنُقِهِ ما بين رُكْبَتَيْهِ إلى كَعْبَيْهِ بالحَديدِ؛ فَسألناهُ: وَيْلَكَ ما أنتَ؟ فقال: قدْ قَدَرْتُمْ على خَبَرِي، أي: تَمكَّنتُم، فإنِّي لا أُخْفيه عنكم وسَأُحدِّثُكُم عن حالي؛ فأخبِرُوني أنتم عن حالِكُم؟ فَحَكَوْا له ما كان منهم وما حَدَثَ معهم حتَّى أخبَرَتْهُم الجَسَّاسَةُ بأنْ يَدخُلُوا عليه؛ ثُمَّ قال لهم: أخبِرُوني عنْ نَخْلِ بَيْسَانَ- وهي قَريةٌ بالشَّامِ قَريبةٌ منَ الأُرْدُنِّ - فقالوا: عنْ أيِّ شَيءٍ تَسْتَخْبِرُ؟ قال: أسألُكُم عن نَخلِها هلْ يُثمِرُ؟ فأجابوه: نعم؛ قال: أما إنَّها تُوشِكُ، أي: تَقْرُبُ ألَّا تُثْمِرَ؛ ثُمَّ قال: أخْبِرُوني عن بُحَيْرَةِ الطَّبَرِيَّةِ، وهي قَصَبَةٌ بالأُرْدُنِّ، هل فيها ماءٌ؟ فَأجابوه: هي كَثيرةُ الماءِ؛ فقال: إنَّ ماءَها يُوشِكُ أنْ يَذهبَ، أي: يَفْنَى، ثُمَّ قال: أخبِرُوني عن عَيْنِ زُغَرَ- وهي بَلْدَةٌ بالشَّامِ قَليلَةُ النَّباتِ- قالوا: عن أيِّ شَأْنِها تَسْتَخْبِرُ؟ قال: هل في العين ماءٌ؟ أي: كَثيرٌ. وهل يَزْرَعُ أهلُها؟ أي: أهلُ تِلك العينِ أو البَلْدَةِ بماءِ العَيْنِ؟ فأجابوهُ: نعمْ، هي كَثيرةُ الماءِ، وأهلُها يَزرَعونَ منْ مائِها؛ ثُمَّ قال: أخبِرُوني عن نبِيِّ الأُمِّيِّينَ، أي: العَرَبِ؛ ما فعلَ؟، أي: ما صَنعَ بعدَما بُعِثَ؛ فأجابوه: قدْ خَرَجَ منْ مَكَّةَ ونَزلَ بِيَثْرِبَ، أي: هاجرَ منها إلى المَدينةِ، فقال: أقاتَلَهُ العربُ؟ قُلنا: نعم. قال: كيف صَنَعَ بهم فَأخبَرناه أنَّه قدْ ظَهَرَ، أي: نَصَرهُ الله على مَنْ يَلِيهِ، أي: يَقرُبُهُ منَ العربِ، وأطاعوهُ؛ فقال أما إنَّ ذلك خيرٌ لهم أنْ يُطِيعوهُ؛ ثُمَّ قال: وإنِّي مُخْبِرُكُم عَنِّي: إنِّي أنا المَسِيحُ، أي: الدَّجَّالُ، وإنِّي يُوشِكُ أنْ يُؤْذَنَ لي في الخُروجِ فأخْرُجَ، فَأسيرُ في الأرضِ، فلا أدَعُ، أي: فلا أترُكُ قَريةً إلَّا هَبَطْتُها أربَعينَ لَيلةً غيرَ مَكَّةَ وَطَيْبَةَ هُما مُحرَّمَتانِ عليَّ، أي: مَمْنوعٌ عليَّ دُخولهُما؛ كُلَّما أردْتُ أنْ أدْخُلَ واحِدًا منهما اسْتقْبَلني مَلَكٌ بِيَدِهِ السَّيْفُ مُصْلَتًا، أي: مَسْلُولًا؛ يَصُدُّني عنها، أي: يَمنعُني عن كُلِّ واحِدَةٍ منهما، وإنَّ على كُلِّ «نَقْبٍ» منها، أي: طَريقٍ أو بابٍ من كُلِّ واحِدَةٍ مَلائِكةً يَحرُسونَها، أي: يَحفَظونها عن الآفاتِ والبَلِيَّاتِ. وتَحْكي فَاطِمَةُ بنتُ قَيْسٍ أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال وَطَعَنَ بِمِخْصَرَتِهِ، أي: ضَرَبَ بعَصاهُ في المِنبرِ، أي عليه : هذه طَيْبَةُ هذه طَيْبَةُ، هذه طَيْبَةُ كَرَّرَها ثَلاثًا، يعني المَدينةَ، وإنَّها الَّتي سَيَحْرُسُها الله عزَّ وجلَّ منَ الدَّجَّالِ. ثُمَّ قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ألَا، أي: تَنَبَّهُوا هلْ كُنتُ حَدَّثْتُكُمْ؟، أي: بِمِثْلِ هذا الحَديثِ، فقال النَّاسُ: نعم؛ ثُمَّ قال: ألَا إنَّه، أي: الدَّجَّالَ في بَحْرِ الشَّامِ أو بَحْرِ اليَمَنِ لا بَلْ منْ قِبَلِ المَشْرِقِ، أي: منْ جِهَةِ المَشْرِقِ ما هو. منْ قِبَلِ المَشْرِقِ ، ما هو منْ قِبَلِ المَشْرِقِ، ما هو، أي هو منْ جِهَةِ المَشْرِقِ، وما زائِدَةٌ. وَأوْمَأ، أي: أشارَ بِيَدِهِ إلى المَشْرِقِ. قَالتْ فَاطِمَةُ بنتُ قَيْسٍ: فحَفِظْتُ هذا من رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
في الحديث: ثُبُوتُ الجَسَّاسَةِ.
وفيه: ثُبوتُ المَسِيحِ الدَّجَّالِ.
وفيه: مُعجِزةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وإخْبارُهُ عن الغَيْبِيَّاتِ.
وفيه: خُطبةُ الإمامِ عندَ الأُمورِ المُهِمَّةِ.
وفيه: فَضْلُ مَكَّةَ والمَدينةِ وحِفْظُ اللهِ لهما منَ الدَّجَّالِ.