الموسوعة الحديثية


- جاءَ أعرابيٌّ إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ يتقاضاهُ دَينًا كانَ عليْهِ فاشتدَّ عليْهِ حتَّى قالَ لَهُ أحرِّجُ عليْكَ إلَّا قضَيتَني فانتَهرَهُ أصحابُهُ وقالوا ويحَكَ تدري من تُكلِّمُ قالَ إنِّي أطلبُ حقِّي فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ هلَّا معَ صاحبِ الحقِّ كنتُم ثمَّ أرسلَ إلى خَولةَ بنتِ قيسٍ فقالَ لَها إن كانَ عندَكِ تمرٌ فأقرِضينا حتَّى يأتيَنا تمرُنا فنَقضِيَك فقالت نعَم بأبي أنتَ يا رسولَ اللَّهِ قالَ فأقرضَتْهُ فقضى الأعرابيَّ وأطعمَهُ فقالَ أوفيتَ أوفى اللَّهُ لَكَ فقالَ أولئِكَ خيارُ النَّاسِ إنَّهُ لا قُدِّست أمَّةٌ لا يأخذُ الضَّعيفُ فيها حقَّهُ غيرَ متَعتَعٍ
الراوي : أبو سعيد الخدري | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح ابن ماجه | الصفحة أو الرقم : 1984 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه ابن ماجه (2426) واللفظ له، وابن بشران في ((أماليه)) (731) باختلاف يسير.
حَرَصَ الشَّرعُ الحَكيمُ على إقامةِ علاقاتٍ طَيِّبةٍ بين المُسلمينَ، فيها التَّكافُلُ والتَّرابُطُ والمحبَّةُ والتَّعاونُ، وحَثَّ مَن له حَقٌّ على غيرِه أنْ يطلُبَه برِفْقٍ، وأمَرَ مَن عليه الحقُّ بعدَمِ المُماطَلةِ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ أبو سعيدٍ الخُدريُّ رضِيَ اللهُ عنه قال: "جاء أعرابيٌّ إلى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَتقاضاه دَينًا كان عليه"، أي: على النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، والأعرابيُّ: هو الَّذي يَسكُنُ الصَّحراءَ مِن العَربِ، "فاشتَدَّ عليه"، أي: أكثَرَ الأعرابيُّ في طلَبِه لدَينِه على رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "حتَّى قال له: أُحَرِّجُ عليك إلَّا قَضَيتَني"، مِن الحرَجِ وهو الضِّيقُ، أي: أُوقِعُك في الحرَجِ والضِّيقِ إلَّا قَضيتَني بدَيني، "فانْتهَرَه أصحابُه"، أي: فزَجَرَ أصحابُ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الأعرابيَّ لفعْلِه وشِدَّتِه على النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "وقالوا: وَيْحَك"، أي وهي كلمةُ ترحُّمٍ وتوجُّعٍ، تُقال لمَن وقَعَ في هَلكةٍ لا يستحِقُّها، وذلك لتعدِّيه على رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "تدري مَن تُكلِّمُ"؟ فقال الأعرابيُّ: "إنِّي أطلُبُ حقِّي"، فقال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لأصحابِه: "هَلَّا مع صاحبِ الحقِّ كنتُم"، أي: كان اللَّائقُ بشأنِكم أنْ تكونوا مع صاحبِ الحقِّ، وهو الأعرابيُّ، وذلك مِن حُسنِ خُلقِه وتَوجيهِه، وأنَّ المرءَ لا يستنصِرُ لأخيه في باطلٍ.
قال أبو سعيدٍ رضِيَ اللهُ عنه: "ثمَّ أرسَلَ"، أي: بعَثَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "إلى خَولةَ بنتِ قيسٍ، فقال لها: إنْ كان عِندَكِ تمْرٌ فأَقْرِضينا"، أي: أعطينا سلَفًا، "حتَّى يأتيَنا تمْرُنا" مِن تمْرِ خيبرَ أو غيرِه، "فنَقضِيَكِ"، أي: نرُدَّ ونُوفِ لك دَينَك، "فقالت: نعمْ بأبي أنتَ يا رسولَ اللهِ"، أي: مُفدًى أنت بأبي يا رسولَ اللهِ، "فأقرَضَتْه، فقَضى الأعرابيَّ"، أي: فأدَّى إلى الأعرابيِّ حَقَّه ودَينَه، "وأطعَمَه" وهذا مِن كرَمِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ أنَّه أطعَمَه كضَيفٍ، فقال الأعرابيُّ: "أوفَيْتَ أَوْفى اللهُ لك"، أي: قَضيتَ دَينَك، فقال رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "أولئك خِيارُ النَّاسِ"، أي: الَّذين يُوفونَ للنَّاسِ حُقوقَهم، "إنَّه لا قُدِّسَت أُمَّةٌ"، أي: لا زُكِّيَت ولا طُهِّرَت، "لا يأخُذُ الضَّعيفُ فيها حقَّه غيرَ مُتعتعٍ"، أي: بلا إكراهٍ، ودونَ أنْ يُصيبَه أذًى يُقلِقُه ويُزعجُه، ودونَ مُمطالةٍ، وهذا من كمالِ رأفتِه وشفقَتِه على النَّاسِ.
وفي الحديثِ: الحثُّ على حُسنِ المُطالبةِ بالحُقوقِ.
وفيه: بَيانُ أنَّ لصاحبِ الحقِّ مقالًا يطلُبُ به حقَّه ولكنْ بأدَبٍ في الطَّلبِ.
وفيه: بِناءُ المُجتمعِ المُسلمِ على المُسامحةِ وحُسنِ التَّعاوُنِ بين النَّاسِ مع حِفظِ الحُقوقِ