الموسوعة الحديثية


- خرج علينا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ ونحنُ نتذاكرُ المسيحَ الدجالَ فقال ألَا أُخبركم بما هو أخوفُ عليكم عندي من المسيحِ الدجالِ قال قلنا بلى فقال الشركُ الخفيُّ أن يقومَ الرجلُ يُصلي فيُزيِّنُ صلاتَه لما يرى من نظرِ رجلٍ
الراوي : أبو سعيد الخدري | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح ابن ماجه | الصفحة أو الرقم : 3408 | خلاصة حكم المحدث : حسن
حذَّر النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أُمَّته مِن كل يُبطِلُ أجْرَ الأعمالِ، ومِن ذلك: طلَبُ الرِّياءِ بالأعمالِ.
وفي هذا الحديثِ يُحذِّرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مِن الرِّياءِ، حيثُ يقولُ أبو سَعيدٍ الخُدريُّ رَضي اللهُ عنه قال: "خرَج علينا رسولُ الله صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم ونحن نتَذاكَرُ المسيحَ الدَّجَّالَ"، أي: يُراجِعُ بعضُنا بعضًا في أمرِ مَسيحِ الضَّلالةِ الَّذي سيَظهَرُ في آخِرِ الزَّمانِ، فقال لهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "ألَا أُخبِرُكم بما هو أخوَفُ عليكم عِندي مِن المسيحِ الدَّجَّالِ؟"، أي: يَكونُ عليكم أشَدَّ في الفِتْنةِ مِن المسيحِ الدَّجَّالِ الذي فِتنتُه مِن أعظمِ الفِتنِ؟ فقال الصَّحابةُ رَضي اللهُ عنهم: "بَلى"، أي: أخبِرْنا يا رسولَ اللهِ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "الشِّركُ الخَفيُّ: أنْ يقومَ الرَّجلُ يُصلِّي فيُزيِّنُ صلاتَه لِما يرَى مِن نظَرِ رجلٍ"، وهذا هو الرِّياءُ بالأعمالِ حتَّى يَراه النَّاسُ، وهذا يُنافي الإخلاصَ المأمورَ به، وهذا الرِّياءُ يُحبِطُ العمَلَ، وسُمِّي شِركًا خَفيًّا لأنَّه يكونُ غيرَ ظاهرٍ، بل يكونُ في خفايا النَّفسِ البشريَّةِ ولا يَعلَمُه إلَّا اللهُ سبحانه وتعالى ولا يُظهِرُه العبدُ للنَّاسِ؛ بل يُضمِرُه في قلبِه ويَفرَحُ بنظَرِ النَّاسِ إلى عملِه دونَ مُراعاةٍ لنظَرِ اللهِ ودونَ قصْدِ وجهِ اللهِ بالأعمالِ. وفي مُسنَدِ أحمدَ، عن أبي موسى الأشعريِّ رَضي اللهُ عنه قال: خطَبَنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم ذاتَ يومٍ فقال: "يا أيُّها النَّاسُ، اتَّقوا هذا الشِّركَ؛ فإنَّه أخفَى مِن دَبيبِ النَّملِ".
وشَوائبُ الرِّياءِ الخفيِّ كثيرةٌ لا تَنحصِرُ؛ فمَتى أدركَ الإنسانُ مِن نفْسِه تَفْرِقةً بين أن يُطَّلَعَ على عِبادتِه أو لا يُطَّلَعَ، ففيه شُعبةٌ مِن الرِّياءِ، ولكنْ ليس كلُّ شائبةٍ مُحبِطةً للأجرِ، ومُفسِدةً للعملِ، وليس كلُّ سرورٍ برؤيةِ النَّاسِ للعملِ مُحبِطًا للأجرِ؛ لأنَّ السُّرورَ يَنقسِمُ إلى مَحمودٍ ومَذمومٍ؛ فالمحمودُ أن يكونَ قصْدُ الإنسانِ إخفاءَ الطَّاعةِ، مع الإخلاصِ للهِ، ولكنْ لَمَّا اطَّلعَ عليه الخلقُ، عَلِم أنَّ اللهَ أطلَعَهم، وأظهَر الجميلَ مِن أحوالِه، فيُسَرُّ بحُسنِ صُنعِ اللهِ، ولُطفِه به؛ فيَكونُ فرَحُه بذلك، لا بحمْدِ النَّاسِ وقيامِ المنزلةِ في قُلوبِهم، وأمَّا إن كان فرَحُه باطِّلاعِ النَّاسِ عليه لقيامِ منزلتِه عندَهم حتَّى يَمدَحوه، ويُعظِّموه فهذا مَذمومٌ. وفي صَحيحِ مُسلِمٍ عن أبي ذَرٍّ رضِيَ اللهُ عنه: "قيل: يا رسولَ اللهِ، أرأيتَ الرَّجلَ يَعمَلُ العملَ مِن الخيرِ ويَحمَدُه النَّاسُ عليه؟ فقال: تِلك عاجِلُ بُشرى المؤمنِ"، فأمَّا إذا أعجَبه لِيَعلَمَ النَّاسُ فيه الخيرَ ويُكرِموه عليه؛ فهذا الرِّياءُ المنهيُّ عنه.