الموسوعة الحديثية


- أنَّ رَجُلَيْنِ من بَلِيٍّ قَدِما على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وكان إِسْلامُهُما جَمِيعًا فكانَ أحدُهُما أَشَدَّ اجْتِهادًا مِنَ الآخَرِ فَغَزَا المُجْتَهِدُ مِنْهُما فَاسْتُشْهِدَ ثُمَّ مَكَثَ الآخَرُ بعدَهُ سَنَةً ثُمَّ تُوُفِّيَ قال طلحةُ فَرأيْتُ في المنامِ بَيْنا أنا عندَ بابِ الجنةِ إذا أنا بِهما فَخَرَجَ خَارِجٌ مِنَ الجنةِ فَأَذِنَ لِلَّذِي تُوُفِّيَ الآخِرَ مِنْهُما ثُمَّ خرجَ فَأَذِنَ لِلَّذِي اسْتُشْهِدَ ثُمَّ رجعَ إِلَيَّ فقال ارْجِعْ فإنَّكَ لمْ يَأْنِ لكَ بَعْدُ فَأصبحَ طلحةُ يُحَدِّثُ بهِ الناسَ فَعَجِبُوا لِذلكَ فَبَلَغَ ذلكَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وحَدَّثُوهُ الحَدِيثَ فقال من أَيِّ ذلكَ تَعْجَبُونَ فَقَالوا يا رسولَ اللهِ هذا كان أَشَدَّ الرجلَيْنِ اجْتِهادًا ثُمَّ اسْتُشْهِدَ، ودخلَ هذا الآخِرُ الجنةَ قبلَهُ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أَليسَ قد مَكَثَ هذا بعدَهُ سَنَةً قالوا بلى قال وأَدْرَكَ رَمَضَانَ فَصامَ وصلَّى كذا وكذا من سَجْدَةٍ في السَّنَةِ قالوا بلى قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فما بينَهُما أَبْعَدُ مِمَّا بين السَّماءِ والأرضِ
الراوي : طلحة بن عبيدالله | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح ابن ماجه | الصفحة أو الرقم : 3185 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
طولُ العُمرِ مع حُسْنِ العَملِ مِن أسبابِ الفلاحِ والتَّفاضُلِ بين النَّاسِ، والله سُبحانَه وتعالى يُعْطي المُجتهِدَ على قَدْرِ اجتهادِه.
وفي هذا الحديثِ يُخْبِرُ طَلحةُ بنُ عُبيدِ اللهِ رضِيَ اللهُ عنه: "أنَّ رجُلينِ مِن بَلِيٍّ" وهم فَرعٌ مِن بني عُذْرةَ، وبنو عُذرةَ هم قَبيلةٌ كانتْ تَسكُنُ في وادي القُرى قُربَ المدينةِ، وكانُوا يَدينُونَ باليَهودِيَّةِ قَبلَ الإسلامِ، "قدِمَا على رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وكان إسلامُهما جميعًا"، أي: وَفَدا على النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُشهِرَينِ لإسلامِهما في وقتٍ واحدٍ، "فكان أحدُهما أشدَّ اجتهادًا مِن الآخرِ"، أي: في العِبادةِ وأعمالِ البِرِّ، "فغَزا المُجتهِدُ منهما"، أي: خرَجَ في الغَزوِ والجهادِ، "فاسْتُشْهِدَ، ثمَّ مكَثَ الآخَرُ بَعدَه سَنةً، ثمَّ تُوُفِّيَ"، أي: مات المُجتهِدُ شهيدًا، ومات صاحبُه بعده بسَنةٍ، قال طَلحةُ رضِيَ اللهُ عنه: "فرأيْتُ في المنامِ بينا أنا عِندَ بابِ الجنَّةِ"، أي: بجوارِ بابِها من الخارجِ، "إذا أنا بهما"، أي: بالرَّجُلينِ واقفَينِ عند بابِ الجنَّةِ، "فخرَجَ خارِجٌ من الجنَّةِ"، أي: ملَكٌ مِن الملائكةِ، "فأذِنَ للَّذي تُوُفِّيَ الآخِرَ منهما"، أي: سمَحَ بالدُّخولِ للَّذي مات أخيرًا قبلَ الَّذي مات شَهيدًا، "ثمَّ خرَجَ فأذِنَ للَّذي اسْتُشْهِدَ"، أي: أدخَلَه بعد صاحِبِه، "ثمَّ رجَعَ إليَّ"، أي: رجَعَ المَلَكُ إلى طَلحةَ مُخاطِبًا إيَّاه، "فقال: ارجِعْ؛ فإنَّك لم يَأْنِ لك بعدُ"، أي: وأنت فلم يحضُرْك أجَلُك لتدخُلَها، "فأصبَحَ طَلحةُ"، أي: مِن لَيلتِه الَّتي رأى بها تلك الرُّؤيا، "يُحَدِّثُ به النَّاسَ"، أي: يُخبِرُهم بها، "فعَجِبوا لذلك"، أي: تعجَّبُوا لدُخولِ الآخِرِ قبلَ الأوَّلِ وقد مات شهيدًا، "فبلَغَ ذلك رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وحَدَّثوه الحديثَ"، أي: علِمَ بها النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وتعجَّبَ النَّاسُ لحالِهما، فقال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "مِن أيِّ ذلك تعجَبونَ؟"، أي: ما سبَبَ تعجُّبِكم لحالِ الرَّجُلينِ، فقالوا: "يا رسولَ اللهِ، هذا كان أشدَّ الرَّجُلينِ اجتهادًا، ثمَّ اسْتُشْهِدَ، ودخَلَ هذا الآخِرُ الجنَّةَ قبلَه!" فقال رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "أليس قد مكَثَ"، أي: عاشَ وقضَى في الحياةِ، "هذا بَعدَه سَنةً"؟ فعُمِّرَ وعاش بعدَ صاحبِه عامًا، قالوا: "بلى"، فقال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "وأدرَكَ رمضانَ فصامَ؟"، أي: حصَلَ له أجْرُ الصِّيامِ والقيامِ فيه وليلةِ القدْرِ، "وصَلَّى كذا وكذا من سَجدةٍ في السَّنةِ؟"، أي: صَلَّى ألفًا وثَمانَ مِئةِ صَلاةٍ من ذلك العامِ الصَّلاةَ المفروضةَ، وما شمِلَها مِن تَطوُّعٍ ونَافلةٍ، قالوا: "بلى"، قال رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "فما بينهما أبعدُ ممَّا بين السَّماءِ والأرضِ"، وفي روايةِ أحمدَ: قال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لطَلحةَ: "وما أنكَرْتَ مِن ذلك؟! ليس أحدٌ أفضلَ عند اللهِ مِن مُؤمنٍ يُعَمَّرُ في الإسلامِ؛ لتَسبيحِه وتَكبيرِه وتَهليلِه"، أي: إنَّ ذلك فضْلُ طولِ العُمرِ وزِيادةِ العَملِ مع إحسانِه؛ لأنَّه لا يَزالُ يأتي بالحَسَنِ من الأعمالِ، وتُدَّخَرُ له، وهذا مُوافِقٌ لِمَا أخرَجَه الترمذيُّ أنَّه صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: "خيرُ النَّاسِ مَن طال عُمرُه وحسُنَ عمَلُه".
وفي الحديثِ: بَيانُ فَضْلِ العمَلِ الصَّالحِ المصحوبِ بالنِّيَّة الصَّالحةِ، وأنَّه يَرفَعُ صَاحِبَه في الدَّرجاتِ.
وفيه: بَيانُ فَضْلِ طُولِ العُمُرِ مَع حُسْنِ العَملِ.