الموسوعة الحديثية


-  كانَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ بَيْتُهُ أَقْصَى بَيْتٍ في المَدِينَةِ، فَكانَ لا تُخْطِئُهُ الصَّلَاةُ مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، قالَ: فَتَوَجَّعْنَا له، فَقُلتُ له: يا فُلَانُ، لو أنَّكَ اشْتَرَيْتَ حِمَارًا يَقِيكَ مِنَ الرَّمْضَاءِ، وَيَقِيكَ مِن هَوَامِّ الأرْضِ، قالَ: أَمَ وَاللَّهِ ما أُحِبُّ أنَّ بَيْتي مُطَنَّبٌ ببَيْتِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، قالَ: فَحَمَلْتُ به حِمْلًا حتَّى أَتَيْتُ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فأخْبَرْتُهُ، قالَ: فَدَعَاهُ، فَقالَ له مِثْلَ ذلكَ، وَذَكَرَ له أنَّهُ يَرْجُو في أَثَرِهِ الأجْرَ، فَقالَ له النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ لكَ ما احْتَسَبْتَ.
الراوي : أبي بن كعب | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم | الصفحة أو الرقم : 663 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
كانَ أصحابُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أحرَصَ النَّاسِ على الخَيرِ، وكانُوا دائمًا يَبحَثونَ عنِ الأَعمالِ الَّتي تُكثِّرُ مِن أُجورِهم وثَوابِهم عندَ اللهِ عزَّ وجلَّ.
وفي هذا الحديثِ يَرْوي أُبَيُّ بنُ كَعبٍ رَضِي اللهُ عنه أنَّ رجُلًا مِن أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم مِن الأنصارِ -وهمْ أهلُ المَدينةِ- وفي المسنَدِ أنَّه ابنُ عمِّ أُبيِّ بنِ كَعبٍ رَضِي اللهُ عنهما، كانَ بيْتُه أبعدَ البُيوتِ عن مَسجدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، ومع بُعدِ بَيتِه مِن المسجدِ، فقدْ كانَ لا تَفوتُه الصَّلاةُ في المَسجدِ معَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فأشفَقَ الصَّحابةُ رَضِي اللهُ عنهم عليه؛ لِما يُصِيبُه مِن المَشقَّةِ والتَّعبِ في المَجيءِ والعَودةِ، وقالُوا له: لو أنَّكَ اشترَيتَ حِمارًا يَحميكَ مِن «الرَّمضاءِ»، أي: مِن شدَّةِ الحرِّ، والرَّمضاءُ هي الحِجارةُ  الحاميةُ مِن حَرِّ الشَّمسِ، «ويَقِيكَ مِن هَوامِّ الأرضِ» جمَّعُ هامَّةٍ، وهو ما له سُمٌّ يَقتُلُ كالحيَّةِ، وقدْ تُطلَقُ الهوامُّ على ما لا يُقتَلُ، كالحشَراتِ.
فأقسَمَ لهم باللهِ أنَّه لا يُحِبُّ أنْ يكونَ بيْتُه مُلاصِقًا ببيتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، بل يُحِبُّ أنْ يكونَ بعيدًا منه؛ ليَكثُرَ ثَوابُه بكَثرةِ خُطاه مِن بيْتِه إلى المسجدِ، وهو لا يُريدُ نفْيَ حُبِّه قُربَه مِن بيتِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بُغضًا له، وإنَّما رجاءَ زِيادةِ الأجرِ بكَثرةِ تلك الخُطا. وقدْ فَهِم أُبيُّ بنُ كَعبٍ رَضِي اللهُ عنه أنَّه يَقصِدُ بذلك بُغضَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فقال أُبَيٌّ رَضِي اللهُ عنه: «فحَمَلْتُ به حِمْلًا»، أي: استَعظمْتُ وهَمَّني ذلك؛ لقُبحِ ما قالَ، ولبَشاعةِ لَفظِه، وإيهامِه سُوءًا، وهو بُغضُه للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، وفي رِوايةِ أحمَدَ قال: «فما سَمِعتُ عنه كَلمةً أكرَهُ إلَيَّ منها»، وإنَّما تأوَّلَ أُبَيُّ بنُ كَعبٍ رَضِي اللهُ عنه وظنَّ بالكلمةِ ظَنَّ السَّوءِ؛ لأنَّ المَدينةَ كان يَكثُرُ بها المنافِقون، وكانوا يَحرِصون بمَساكنِهم أنْ يَبتعِدوا عن مُجاوَرةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، ثمَّ جاء أُبَيُّ بنُ كَعبٍ إلى نَبيِّ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فأخبَرَه بما قالَ الرَّجلُ، فدَعاه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فقال له مِثلَ ما قالَ لأُبيِّ بنِ كَعبٍ، وذكَرَ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أنَّ الَّذي حَمَله على قَولِ هذا الكلامِ أنَّه يَرجُو ويَحتسِبُ في مَمشاهُ الأَجرَ والثَّوابَ مِنَ اللهِ، فقالَ له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: «إنَّ لكَ ما احتسبْتَ»، أي: إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ سيُعطيكَ ما ادَّخرْتَه عِنده مِن أجْرِ خَطواتِك الَّتي عَمِلْتَها للهِ تعالَى، والاحتِسابُ هوَ أنْ يَعمَلَ العملَ للهِ ويَقصِدَ الأجْرَ والثَّوابَ مِن اللهِ.
وفي الحَديثِ: فَضلُ المَشيِ إلى المساجدِ.