الموسوعة الحديثية


- وَكَّلَنِي رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بحِفْظِ زَكاةِ رَمَضانَ، فأتانِي آتٍ، فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعامِ فأخَذْتُهُ، فَقُلتُ: لَأَرْفَعَنَّكَ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقَصَّ الحَدِيثَ، فقالَ: إذا أوَيْتَ إلى فِراشِكَ فاقْرَأْ آيَةَ الكُرْسِيِّ، لَنْ يَزالَ معكَ مِنَ اللَّهِ حافِظٌ، ولا يَقْرَبُكَ شيطانٌ حتَّى تُصْبِحَ، وقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: صَدَقَكَ وهو كَذُوبٌ، ذاكَ شيطانٌ.
الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم : 5010 | خلاصة حكم المحدث : [معلق]

وَكَّلَنِي رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ، فأتَانِي آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ، فأخَذْتُهُ وقُلتُ: واللَّهِ لَأَرْفَعَنَّكَ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قَالَ: إنِّي مُحْتَاجٌ، وعَلَيَّ عِيَالٌ، ولِي حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ، قَالَ: فَخَلَّيْتُ عنْه، فأصْبَحْتُ، فَقَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يا أبَا هُرَيْرَةَ، ما فَعَلَ أسِيرُكَ البَارِحَةَ؟ قَالَ: قُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وعِيَالًا، فَرَحِمْتُهُ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، قَالَ: أَمَا إنَّه قدْ كَذَبَكَ، وسَيَعُودُ، فَعَرَفْتُ أنَّه سَيَعُودُ؛ لِقَوْلِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّه سَيَعُودُ، فَرَصَدْتُهُ، فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ، فأخَذْتُهُ، فَقُلتُ: لَأَرْفَعَنَّكَ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قَالَ: دَعْنِي؛ فإنِّي مُحْتَاجٌ، وعَلَيَّ عِيَالٌ، لا أعُودُ، فَرَحِمْتُهُ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، فأصْبَحْتُ، فَقَالَ لي رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يا أبَا هُرَيْرَةَ، ما فَعَلَ أسِيرُكَ، قُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وعِيَالًا، فَرَحِمْتُهُ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، قَالَ: أَمَا إنَّه قدْ كَذَبَكَ وسَيَعُودُ، فَرَصَدْتُهُ الثَّالِثَةَ، فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ، فأخَذْتُهُ، فَقُلتُ: لَأَرْفَعَنَّكَ إلى رَسولِ اللَّهِ، وهذا آخِرُ ثَلَاثِ مَرَّاتٍ أنَّكَ تَزْعُمُ لا تَعُودُ ثُمَّ تَعُودُ، قَالَ: دَعْنِي أُعَلِّمْكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بهَا، قُلتُ: ما هُوَ؟ قَالَ: إذَا أوَيْتَ إلى فِرَاشِكَ، فَاقْرَأْ آيَةَ الكُرْسِيِّ: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255]، حتَّى تَخْتِمَ الآيَةَ؛ فإنَّكَ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ، ولَا يَقْرَبَنَّكَ شَيطَانٌ حتَّى تُصْبِحَ. فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، فأصْبَحْتُ، فَقَالَ لي رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ما فَعَلَ أسِيرُكَ البَارِحَةَ؟ قُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، زَعَمَ أنَّه يُعَلِّمُنِي كَلِمَاتٍ يَنْفَعُنِي اللَّهُ بهَا، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، قَالَ: ما هي؟ قُلتُ: قَالَ لِي: إذَا أوَيْتَ إلى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الكُرْسِيِّ مِن أوَّلِهَا حتَّى تَخْتِمَ الآيَةَ: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255]، وقَالَ لِي: لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ، ولَا يَقْرَبَكَ شيطَانٌ حتَّى تُصْبِحَ -وكَانُوا أحْرَصَ شَيءٍ علَى الخَيْرِ- فَقَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أَمَا إنَّه قدْ صَدَقَكَ، وهو كَذُوبٌ، تَعْلَمُ مَن تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلَاثِ لَيَالٍ يا أبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: ذَاكَ شَيطانٌ.
الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 2311 | خلاصة حكم المحدث : [معلق]

آيةَ الكُرسيِّ مِن أعظَمِ آياتِ القُرآنِ، وفي هذا الحديثِ بَيانٌ لبَعضِ فَضائلِها؛ فيَرْوي أبو هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وكَّلَه وأمره بِحفظِ وحِراسةِ أموالِ وأقواتِ زَكاةِ الفِطرِ، وهي ما يُخرِجُه المسلمونَ قبْلَ عِيدِ الفِطرِ، وكانوا يُخرِجونها مِن قَمْحٍ وتَمْرٍ وغيرِهما مِن قُوتِ أهلِ البلدِ، فيَقولُ أبو هَرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه: فجاءَهُ رجُلٌ، فَجَعلَ يَحْثو مِنَ الطَّعامِ، ويَأخُذُ بِكفَّيْهِ مِنَه، فأمسَكَ به أبو هُريرةَ وقال له: لَأذْهَبَنَّ بك إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال له الرَّجلُ: إنِّي مُحتاجٌ، وعلَيَّ عِيالٌ، ولي حاجةٌ شَديدةٌ، فتَرَكَه أبو هُريرةَ، فلمَّا أصبَحَ سَأَلَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يا أبا هَرَيرةَ، ما فَعَلَ أَسيرُك البارحةَ؟ وقد عَلِمَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذلك مِن الوحْيِ، فقال أبو هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه: شَكَا حاجةً شَديدةً وعِيالًا، فرَحِمتُه فخلَّيتُ سَبيلَه، فأخبَرَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأنَّ هذا الآتيَ كاذبٌ، وسيَعودُ ثانيةً، فعرَفَ أبو هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه سيَعودُ؛ تَصديقًا لِقولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فرَصَدَه أبو هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه، وَراقبَ مَكانَ حِفظِ الطَّعامِ؛ انتظارًا له، فجاءَ ثانيةً، وحدَثَ مِثلُ المرَّةِ الأولى، وترَكَه أبو هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه أيضًا، ثُمَّ أخبَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بما حدَثَ، فأخبرَهُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأنَّه سيَعودُ، فرَصَدَه الثَّالثةَ، فجاءَ يَحْثو مِنَ الطَّعامِ، فأمْسَكَه أبو هُريرةَ وقال: لَأرْفَعَنَّكَ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وهذا آخرُ ثَلاثِ مرَّاتٍ أنَّك تَزعُمُ لا تعُودُ، ثُمَّ تَعودُ، فقال الرَّجلُ: إنْ تَرَكْتَني أعْلِّمْك كَلماتٍ يَنفَعُك اللهُ بها، فسَأَلَه أبو هُريرةَ رَضيَ اللهُ عنه عن تلك الكَلماتِ، فأخْبَرَه أنَّه إذا أتى إلى فِراشِه لِلنَّومِ، فلْيَقْرأْ آيةَ الكُرسيِّ {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة: 255]، يَصِفُ عزَّ وجلَّ نفْسَه بأنَّه الإلهُ المَعبودُ الَّذي لا مَعبودَ بحقٍّ غيرُه؛ فهو وَحْدَه المستحِقُّ للعِبادةِ، وله سُبحانَه الحياةُ الكاملةُ التي لم يَسْبِقْها عَدَمٌ، ولا يَلحَقُها زَوالٌ، وهو القائمُ بنفْسِه الَّذي لا يَحتاجُ لأحدٍ، والقائمُ بأمورِ خَلْقِه مِن رِزقٍ وغيرِه، فجَميعُ الخَلْقِ مُفتَقِرٌ إليه، ومِن كَمالِ حَياتِه وقَيُّوميَّتِه تعالَى: أنَّه لا يَعتريهِ نُعاسٌ، ولا يَغلِبُه نَومٌ، يَملِكُ سُبحانه جَميعَ ما في الكونِ وَحْدَه، لا أحدَ يَشفَعُ عندَه إلَّا بعْدَ أنْ يَأذَنَ سُبحانه له، يَعلَمُ سُبحانه جَميعَ أُمورِ العِبادِ؛ ما مَضى منها وما سَيَأتي، وجميعُ مَن همْ دونه عزَّ وجلَّ لا يَعلَمون شيئًا إلَّا ما عَلَّمهم بمَشيئتِه، ولِعَظمتِه جلَّ وعلا واتِّساعِ سُلطانِه، أحاط وشَمِل كُرسيُّه -الذي هو مَوضِعُ قَدَمَيه سُبحانه- السَّمواتِ والأرضَ، وعلى الرَّغمِ مِن اتِّساعِ السَّمواتِ والأرضِ وعَظَمتِهما، لا يُثقِلُه ولا يَشُقُّ عليه حِفْظُ السَّمواتِ والأرضِ، بلْ هو أمرٌ سَهْلٌ ويَسيرٌ عليه سُبحانه، وهو ذو العُلوِّ المطلَقِ على جَميعِ مَخلوقاتِه، فهو علِيٌّ بذاتِه، وبقَهْرِه وكَمالِ صِفاتِه، كما أنَّه ذُو العَظَمةِ المطلَقةِ في ذاتِه وصِفاتِه وسُلطانِه.
ثمَّ أخبَرَ أنَّ مَن قَرَأَها فإنَّه لا يُزالُ معه مِنَ اللهِ حافظٌ؛ ولا يَقرَبُه شَيطانٌ طُوالَ اللَّيلِ حتَّى يُصبِحَ، فأخبَرَ أبو هُريرةَ رَضيَ اللهُ عنه النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بذلك، فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: صَدَقَك فيما قالَه في آيةِ الكُرسيِّ، وهو كَذوبٌ ومِن عادَتِه الكذِبُ، وهذا تَتميمٌ في غايةِ الحُسنِ؛ لأنَّه لمَّا أثْبَتَ الصِّدقَ له أَوهَمَ المَدْحَ، فاسْتدْرَكَه بصِيغةٍ تُفيدُ المُبالَغةَ في كَذِبِه.
ثمَّ أوْضَح النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لأبي هُرَيرةَ أنَّ هذا الأسيرَ الَّذي يُخاطِبُه منذُ ثَلاثِ لَيالٍ شَيطانٌ.
وفي الحديثِ: بَيانُ فضْلِ آيةِ الكُرسيِّ، وأنَّها تَحْمي مَن قَرَأها مِن الشَّياطينِ.
وفيه: أنَّ الوَكيلَ لا يَتصرَّفُ فيما أُوكِلَ إليه إلَّا بإذنٍ مِن ربِّ المالِ.
وفيه: ظُهورُ الجنِّ وتَكلُّمُهم بكَلامِ الإنسِ.
وفيه: أنَّ في الثَّالثةِ بَلاغًا في الإعذارِ.
وفيه: أنَّ للشَّيطانِ نَصيبًا ممَّن تَرَكَ ذِكرَ اللهِ تعالَى عندَ المَنامِ.
وفيه: أنَّ مَن أُقِيمَ في حِفظِ شَيءٍ يُسمَّى وَكيلًا.
وفيه: أنَّ الجِنَّ تَسرِقُ وتَخدَعُ.
وفيه: مَشروعيَّةُ تَعلُّمِ العلمِ ممَّن لمْ يَعمَلْ بعِلمِه.