الموسوعة الحديثية


- قال: جاءَتْ أُمَيمةُ بنتُ رُقَيقةَ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تُبايِعُه على الإسلامِ، فقال: أُبايِعُكِ على أنْ لا تشرِكي باللهِ شيئًا، ولا تسرِقي، ولا تزني، ولا تقتُلي وَلدَكِ، ولا تأتي ببُهتانٍ تفترينَه بين يدَيكِ ورِجلَيكِ، ولا تَنوحي، ولا تبرَّجي تبرُّجَ الجاهليَّةِ الأولى.
الراوي : عبدالله بن عمرو | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب | الصفحة أو الرقم : 6850 | خلاصة حكم المحدث : صحيح لغيره | التخريج : أخرجه أحمد (6850) واللفظ له، والطبري في ((التفسير)) (23/343)، والطبراني كما في ((مجمع الزوائد)) للهيثمي (6/41)
المُبايَعةُ هي المُعاقَدةُ والمُعاهَدةُ، وسُمِّيتْ بذلك تَشبيهًا لها بالمُعاوَضةِ الماليَّةِ، كأنَّ كُلَّ واحِدٍ منهما يَبيعُ ما عندَه مِن صاحِبِه؛ فمِن طَرَفِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ علَيه وسلَّمَ وَعْدُ الثَّوابِ، ومِن طَرَفِهمُ الْتِزامُ الطَّاعةِ.وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ عَمرٍو رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ الصَّحابيَّةَ الجَليلةَ أُميمةَ بِنتَ رُقَيقةَ رَضيَ اللهُ عنها جاءَتْ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تُبايِعُه على الإسْلامِ، فبايَعَها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على ألَّا تُشرِكَ باللهِ شيئًا، وهذا هو التَّوحيدُ الخالِصُ الذي لا يَشوبُه شيءٌ مِنَ الشِّركِ، وإفرادُ اللهِ تعالى بالعِبادةِ، "ولا تَسْرقي، ولا تَزْني"؛ لأنَّ الإسْلامَ جاءَ لحِمايةِ الأَموالِ، ولحِمايةِ أَعراضِ الناسِ وأَنسَابِهم، "ولا تَقْتُلي وَلَدَكِ"، وإنَّما خَصَّ الأَولادَ؛ لأنَّه قَتْلٌ وقَطيعةُ رَحِمٍ، ولأنَّهم كانوا في الأَغلَبِ يَقتُلونَ أَولادَهم خَشيةَ الفَقرِ، "ولا تأْتي ببُهتانٍ تَفتَرينَه بيْنَ يَدَيكِ ورِجْلَيكِ"، والافتِراءُ هو: الاختِلاقُ والكَذِبُ، وهو مأْخوذٌ مِن قولِه تعالى: {وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ} [الممتحنة: 12]، والمعنى: لا تَبهَتوا الناسَ افتِراءً واختِلاقًا بما لم تَعلَموه منهم، فتَجْنوا عليهم مِن قِبَلِ أَيديكم وأَرجُلِكم، أي: مِن قِبَلِ أنْفُسِكم جِنايةً تَفضَحونَهم بها، وهم بُرآءُ، وقيلَ: لا يُلْحِقْنَ بأَزواجِهنَّ غَيرَ أَولادِهم، واليَدُ والرِّجْلُ كِنايةٌ عن الذَّاتِ، وقيلَ: نَسَبَ الافتِراءَ إلى اليَدِ والرِّجْلِ بسَبَبِ أنَّ مُعظَمَ الأَفعالِ تَقَعُ بهما وإنْ شارَكَهما سائِرُ الأَعضاءِ، "ولا تَنوحي"، مِن النِّياحةِ، وهي: البُكاءُ على المَيِّتِ بصَوتٍ ونَدْبٍ وتَعْديدٍ مِن أهلِه على فَقْدِهم له، وكانت النِّياحةُ مِن عاداتِ الجاهِليَّةِ التي شَدَّدَ الإسْلامُ في النَّهيِ عنها، "ولا تَبرَّجي تَبرُّجَ الجاهِليَّةِ الأُولى"، والتَّبرُّجُ هو: أنْ تَتَزيَّنَ المرْأةُ لغَيرِ زَوجِها، وأَصلُ التَّبرُّجِ أنْ تُظهِرَ المرْأةُ مَحاسِنَها للرِّجالِ، وقيلَ: إنَّ التَّبرُّجَ هو التَّبخْتُرُ والتَّكسُّرُ، والمُرادُ بالجاهِليَّةِ الأُولى: هي القَديمةُ التي يُقالُ لها الجاهِليَّةُ الجَهْلاءُ، وهي الزَّمَنُ الذي وُلِدَ فيه إبْراهيمُ علَيه السَّلامُ، فقد كانَتِ المرْأةُ تَلْبَسُ الثَّوبَ مِن اللُّؤلُؤِ، فتَمْشي به وَسْطَ الطَّريقِ، تَعرِضُ نَفسَها على الرِّجالِ، وقيلَ: ما بيْنَ آدَمَ ونُوحٍ، وقيلَ: ما بيْنَ إدْريسَ ونُوحٍ، وقيلَ: زَمَنُ داوُدَ وسُليْمانَ، والجاهِليَّةُ الأُخرى: ما بيْنَ عيسى ومُحمَّدٍ -صلَّى اللهُ علَيهم أجْمعينَ-. ويَجوزُ أنْ تَكونَ الجاهِليَّةُ الأُخرى: الفُجورَ والفُسوقَ في الإسْلامِ، فكأنَّ المعنى: فلا تُحدِثِنَّ بالتَّبرُّجِ جاهِليَّةً في الإسْلامِ تَتَشبَّهينَ بها بأَهلِ جاهِليَّةِ الكُفرِ.