الموسوعة الحديثية


- قال رَجُلٌ للبَراءِ وهو يَمزَحُ معه: قد فَرَرتُم عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأنتم أصحابُه، قال البَراءُ: إنِّي لأشهَدُ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ما فَرَّ  يَومَئذٍ، ولقد رَأَيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، يومَ حُفِرَ الخَندقُ، وهو يَنقُلُ مع النَّاسِ التُّرابَ، وهو يَتمثَّلُ كَلِمةَ ابنِ رَواحةَ: اللَّهُمَّ لَولا أنت ما اهتَدَينا ... ولا تَصدَّقْنا ولا صَلَّيْنا فأنزِلَنْ سَكينةً علينا ... وثَبِّتِ الأقدامَ إنْ لاقَينا إنَّ الأُلى قد بَغَوا علينا ... وإنْ أرادوا فِتنةً أبَيْنا يَمُدُّ بها صَوتَه.
الراوي : البراء بن عازب | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب | الصفحة أو الرقم : 18486 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه البخاري (3034)، ومسلم (1803)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (10367)، وأحمد (18486) واللفظ له
كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أشجَعَ النَّاسِ، وكان أصحابُه رِضوانُ اللهِ عليهم خَيرَ المُجاهِدينَ وأصبَرَهم عِندَ لِقاءِ العَدُوِّ. وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ البَراءُ بنُ عازِبٍ رَضيَ اللهُ عنهما عن حادِثَتَيْنِ؛ واحِدةٍ في غَزوةِ حُنَينٍ، وحُنَينٌ وادٍ كَبيرٌ بَينَ مَكَّةَ والطَّائِفِ، وكانت تلك الغَزوةُ في السَّنةِ الثَّامِنةِ مِنَ الهِجرةِ عَقِبَ فَتحِ مَكَّةَ، حارَبَ فيها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ومَن معه مِنَ المُسلِمينَ قَبيلَتَيْ هَوازِنَ وثَقيفٍ.والأُخرى في غَزوةِ الخَندَقِ؛ وسُمِّيَتْ بذلك لِأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أمَرَ بحَفرِ خَندَقٍ حَولَ المَدينةِ؛ لِتَحصينِها مِن أحزابِ الكُفرِ التي اجتَمَعتْ بهَدَفِ إبادةِ المُسلِمينَ، وقد شارَكَ المُسلِمونَ مِنَ المُهاجِرينَ والأنصارِ في حَفرِ الخَندَقِ، وشارَكَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ معهم بنَفْسِه في الحَفرِ، وقد وَقَعتْ في السَّنةِ الخامِسةِ مِنَ الهِجرةِ.وقد سألَ رَجُلٌ البَراءَ بنَ عازِبٍ رَضيَ اللهُ عنهما مازِحًا: "قد فَرَرتُم عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأنتم أصحابُه" وفي رِوايةِ الصَّحيحَيْنِ: "أكُنتم فَرَرتم يا أبا عِمارةَ يَومَ حُنَينٍ؟" فكانَ السُّؤالُ على الإطلاقِ بما يَشمَلُ في ذلك رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكان سَبَبُ الفِرارِ أنَّ قَبيلَتَيْ هَوازِنَ وثَقيفٍ حَمَلَتا على المُسلِمينَ بالسِّهامِ والرُّماةِ، ففاجَؤوا جَيشَ المُسلِمينَ، ففَرَّ عنهم، فقال البَراءُ رَضيَ اللهُ عنه: "إنِّي لَأشهَدُ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما فَرَّ يَومَئِذٍ" وذلك أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَمَّا رأى مِن أصحابِه انكِشافًا لِلعَدُوِّ، وكان على بَغلَتِه البَيضاءِ، وأبو سُفيانَ بنُ الحارِثِ آخِذٌ بلِجامِها، فثَبَتَ وهو يَقولُ بأعلى صَوتِه: «أنا النبيُّ لا كَذِبْ، أنا ابنُ عَبدِ المُطَّلِبْ»، ثم صَفَّ أصحابُه رَضيَ اللهُ عنهم مَرَّةً أُخرى حتى هَزَموا القَومَ.ثم أخبَرَ البَراءُ عن غَزوةِ الخَندَقِ أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ شارَكَ معهم في حَفرِ الخَندَقِ، وكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُباشِرُ الحَفرَ بِيَدِه ويَحمِلُ التُّرابَ مع المُسلِمينَ؛ تَواضُعًا منه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وتَرغيبًا لهم في الأجْرِ، وفَعَلَ ذلك معهم حتى وارى التُّرابُ جِلدَ بَطنِه وغَطَّاه، وكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَرتَجِزُ، فيَقولُ بَعضَ أبياتِ الشِّعرِ في أثناءِ عَمَلِه، وكانت لِعَبدِ اللهِ بنِ رَواحةَ رَضيَ اللهُ عنه، وهي: "اللَّهُمَّ لَولا أنتَ ما اهتَدَيْنا *** ولا تَصَدَّقْنا ولا صَلَّيْنا" أي: لَولا هِدايَتُكَ لَنا يا رَبَّنا وإرسالُكَ نَبيَّكَ ما اهتَدَيْنا إلى الحَقِّ والإسلامِ وأعمالِه مِنَ الصَّدَقةِ والصَّلاةِ. "فأنزِلَنْ سَكينةً علينا *** وثَبِّتِ الأقدامَ إنْ لَاقَيْنا" يَسألُ اللهَ أنْ يَملَأ قُلوبَهم طُمَأنينةً وأمْنًا، وأنْ يُثَبِّتَ أقدامَهم عِندَ مُلاقاةِ أعدائِهم.وفي الحَديثِ: بَيانُ شَجاعةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وثَباتِه في الحُروبِ.وفيه: مُشارَكةُ القائِدِ لِجُنودِه في تَجهيزاتِ الحَربِ.